خالد صاغية
بإمكان أيّ نازح، وهو يعاني من حال البؤس التي يعيش، أن يفكّر بأنّ جهة تدعى «حزب الله» تدافع عن قريته، وعن أرضه، وعن كرامته أيضاً، إذا ما شاء ذلك. وبعد المفاجآت العسكرية التي حقّقها الحزب، بإمكان هذا النازح أن يعتبر أنّ المقاومة قد قامت بواجباتها تجاهه، خصوصاً أنّها وعدت بالمساهمة الجدية في إعادة إعمار ما تهدّم. لكنّ هذا النازح نفسه، للأسف، لن يمكنه الشعور بأنّ جهازاً يدعى «الدولة» قد قام بواجباته تجاهه، فأمّن له المأوى حين دُمّر منزله، والغذاء حين شعر أطفاله بالجوع، والدواء حين أصابه التعب. وعلى الرغم من ذلك، لا يكفّ بعض المسؤولين في الدولة عن دعوة هذا النازح نفسه إلى الانقلاب على حزب الله، والانخراط في ما يسمّونه «مشروع الالتفاف حول الدولة».
فإذا كان «توقيت» عملية الخطف «خاطئاً»، وصمود المقاومة مفاجأة، فإنّ تصرّف «الدولة» تجاه النازحين ليس إلا فضيحة. ولم يعد خافياً أنّ المحاصصة السياسية حشرت أنفها في توزيع الإغاثات، والجزء اليسير الذي وصل إلى النازحين اقتُطعت منه السمسرات. كما تبيّن أنّ الهيئة العليا للإغاثة، المفترض أنها تعنى تعريفاً بأعمال إغاثة طارئة وغير متوقّعة، تبيّن أنّها ليست هيئة، ولا تستحق صفة الـ«عليا»، وأنّها عاجزة عن الإغاثة.
لا تتوقّف الفضيحة هنا. فالوزراء الأكثر حماسة اليوم لما يسمّونه «مساءلة» حزب الله، هم ممّن لم يتحمّلوا مسؤوليّتهم إبّان العدوان، في جهاز الدولة التي ينشدون بناءها ليلاً ونهاراً. فمن مفاجآت الحرب، إلى جانب قصف حيفا والبارجة الإسرائيلية، هو أنّ المرء كان يحتاج فعلاً لسمّاعات مضخِّمة للصوت كي تصله همسة من وزارة الشؤون الاجتماعية مثلاً. لكن ما إن شارفت الحرب على نهايتها، حتّى أصبح صوت الوزارة يصدح داخل قاعات مجلس الوزراء وخارجها. يصدح لا لتأمين احتياجات مليون نازح، بل ليردّد ببغائياً ما سبق أن سمعه اللبنانيون على لسان الوزيرة الأميركية الحاكمة بأمرها.
مرّة أخرى، لا تتوقّف الفضيحة هنا. فما إن بدأ الحديث عن وقف لإطلاق النار، حتّى اعتبر بعض السياسيين اللبنانيين أنّه قد حان وقت الحساب. لكن، ما إن صدر قرار مجلس الأمن، حتّى اعتبر هؤلاء السياسيون أنفسهم أنّ بإمكانهم حرق المراحل. اعتقدوا أنّه يمكنهم القفز فوق زمن الحساب، والانتقال فوراً إلى زمن العقاب. لن تكون محاسبة ولا محاكمة، بل عقاب فوري لا يقبل الانتظار. ذلك أنّ الدولة اللبنانية على مرمى حجر منّا، تمدّ يدها لتبسط سيادتها على كامل أراضيها. وما على السيّد حسن نصر الله، بعد أداء رجاله في الحرب الأخيرة، إلا أن يقدّم التحيّة ويسلّم قيادة قوّاته للدكتور أحمد فتفت.

خالد صاغيّة