نجيب نصرالله
الميدان هو الاساس، ولطالما كانت له الكلمة الاولى، بل الحاسمة في رسم الموازين. على أرض الميدان تصاغ الحقائق الاولى، أو تصنع، قبل أن يُعاد تجسيدها في وقائع مادية صلبة، تأخذ شكل السلطة أو النفوذ. خارطة العالم السياسية، وتالياً، الاقتصادية، مرآة لحقائق أرسيت أسسها في الميدان.
قرار الحرب الاميركي ــ الاسرائيلي ــ العربي على لبنان، يمثل احد التعابير عن أهمية الميدان الحاسمة في رسم السياسات وتوجهاتها.
هدفت الحرب، في جانب اساسي منها، الى استيلاد معادلات ميدانية جديدة، تقطع مع الفشل الموصوف الذي أصاب المحاولات اللبنانية «الاكثرية»، السابقة على تاريخ 12 تموز. التعذر «الاكثري» في انتزاع السلاح المقاوم حتّم الانتقال الى مرحلة جديدة، أُسند امر تنفيذها المباشر الى اسرائيل.
المقاومة شبه الاسطورية، منعت تحقيق الغايات التي رسمت للعدوان مسارات وتعرجات، انطوت على ادوار بنيوية تولاها لبنانيون وعرب، كادت، لو كتب لها النجاح، ان تفتح على تحولات تطاول كامل وجه المنطقة.
الانتصار الذي ارادوه سهلاً، انقلب الى كابوس حقيقي. الاختبار اللبناني يقول اشياء كثيرة. أكثر هذه الأشياء وضوحاً، أن المنطقة مصرّة على المقاومة وعدم الانصياع، برغم كل الجراح النازلة بها.
العنف الاسرائيلي غير المسبوق، وحجم الدمار الذي انتجه، يكشف في بعض أساسي من جوانبه، عن مستوى الافلاس السياسي والاخلاقي الكبير الذي بات يحاصر هذا الكيان، برغم استمرار الدعم الدولي.
القرار الدولي 1701 وما يحمله من صياغات ملتبسة ومتناقضة، جاء للتخفيف من حقيقة الهزيمة الاسرائيلية.
مهما يكن من أمر القرار الدولي الجديد، وبصرف النظر عما ستسفر عنه محاولات تطبيقه من نتائج سياسية، على اهمية هذه النتائج ومفصليتها، فإن الصمود العسكري الذي ابداه رجال المقاومة اللبنانية في وجه القوة الاعتى في المنطقة، لن يكون من دون ثمار، بل سوف يكون له ما بعده سياسياً وعسكرياً ومعنوياً. إنها المرة الاولى في تاريخ هذا الصراع المزمن، التي تظهر فيها أهمية الارادة، كما هي المرة الاولى التي يتم فيها تكبيد العدو خسائر موازية الى هذا الحد او ذاك. وهذا امر ليس ببسيط، خصوصاً اذا ما نظرنا الى ميزان القوى العسكري والسياسي، الذي يجعل العدو في موقع التفوق المطلق.
الخسائر كبيرة لا شك، الا أنها تبقى مهما ارتفعت، اقل بكثير من خسائر التواطؤ السافر الذي ارتكب ويرتكب على اكثر من صعيد وفي اكثر من مجال.
ثمة دروس اكيدة سوف تُحفر في الوعيين اللبناني والعربي، اول هذه الدروس يشير الى القدرة الاكيدة على كسر معادلات الهزيمة والاستتباع المفروضة على الواقع العربي، وشرط الكسر هو توفر الارادة، التي اثبت رجال الحزب ومقاتلوه تملكهم التام لها.
اصل الصراع هو الاحتلال، كل ما عدا ذلك ترف ينبغي تجاهله. قيمة المواجهة الدائرة انها اعادت التصويب على حيث يوجد الهدف.