اسكال بونيفاس *
أدرج كل من جورج بوش وإيهود أولمرت الحرب الراهنة في لبنان على أنها جزء لا يتجزأ من الحرب الشاملة على الإرهاب. فقد أعلن بوش أن الأزمة الراهنة ــ لم يتحدث عن حرب ــ تندرج في إطار الصراع بين القوى المحبّة للحرية من جهة، وقوى الإرهاب في الشرق الأوسط من جهة أخرى. وأضاف أنه إذا تعززت مفاهيم الديموقراطية في الشرق الأوسط، فستحظى شعوب المنطقة بمستقبل أفضل وسيخسر الإرهابيون ملاذهم الآمن. وفي هذا السياق، اعتبر بوش الجيش الإسرائيلي جزءاً لا يتجزأ من قوى الحرية، وهذا موقف من المرجح أنه لا ينسجم مع رأي الشعب اللبناني وغيره من الشعوب العربية. لكن بوش نسي أن يقول إن لبنان، الضحية الأساسية للحرب، هو دولة ديموقراطية، وهذه الحرب بالذات هي التي تعرّض ديموقراطية هذا البلد للخطر. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد أعلن أن «العالم المتحضّر يتعرض للهجوم»، وهو بالتأكيد لم يكن يتحدث عن لبنان وإنما كان يشير إلى إسرائيل. وبأسلوب مبطّن، كان أولمرت يطالب المجتمع الدولي بعدم عرقلة العملية العسكرية الإسرائيلية لأن إسرائيل ستكون «البطل» الذي يدافع عن مصالح «العالم المتحضّر». وهذا مفهوم تعود جذوره إلى زمن الاستعمار. ونحن نلحظ جيداً المآزق التي تشهدها الحرب الراهنة على الإرهاب التي أطلقها جورج بوش بعد أحداث 11 أيلول، والتي يتحكم فيها المحافظون الجدد. ببساطة، حلّت قضية الإرهاب محل الخطر الشيوعي وبات الإرهاب عدواً شاملاً لا بد من محاربته. وهذا التوجيه للصراع يعتبر غباء من الناحية الاستراتيجية. فلا علاقة لحزب الله بتنظيم القاعدة الذي بدوره لا يمكن مقارنته بالقوة العسكرية السوفياتية الهائلة، لكن لهذه المقاربة إيجابية للولايات المتحدة الأميركية تكمن في كونها تسمح بفرض نوع من التضامن مع واشنطن وتستوجب خضوعاً لأميركا الدولة الوحيدة القادرة على ترؤس الائتلاف الموكلة إليه محاربة الإرهاب، كما سبق أن فعلت في الحرب على الشيوعية.
ولهذه المقاربة إيجابية أخرى بالنسبة إلى إسرائيل التي يمكنها أن تبدو في طليعة المناهضين للإرهاب بدلاً من الظهور قوةً محتلّةً لأرض شعب آخر. فما دام الإرهاب يشكل خطراً كبيراً، فإن التباينات في الموقف من الحرب بين بعض الأطراف من جهة وواشنطن أو تل أبيب من جهة أخرى تصبح غير ذات أهمية بما أن المسألة هي مسألة وجود مشترك يتعرض للخطر. والمفارقة أن هذا النهج السياسي يعزّز منطق نقيضه... فكيف يعقل ألاّ يثير انتباهنا أن عدد القتلى في لبنان وضخامة التدمير الذي لحق بهذا البلد، هما عاملان سوف يرفعان من منسوب الأحقاد التي منها يتغذى الإرهاب وينمو بدلاً من أن يستقطبا المزيد من الإعجاب بالخطاب الأميركي عن مشروع دمقرطة الشرق الأوسط؟
فمشكلة الحرب الراهنة على لبنان لا تقتصر على كونها خطأً من الناحية الأخلاقية (فكيف يمكن تقبّل عمليات القصف المتكررة للمدنيين، وسقوط مئات القتلى، والتدمير المنظم للبنى التحتية اللبنانية؟)، إنما المشكلة هي في أن هذه الحرب خاطئة من الوجهة الاستراتيجية. فإسرائيل بعمليتها العسكرية غير المتكافئة، والولايات المتحدة بتواطئها الفاعل، وغالبية دول العالم بصمتها المطبق، كل ذلك سيؤدي إلى خلاف الأهداف المعلنة لهذه الحرب، وسيخرج حزب الله، الذي كان من المفترض أن يُدمّر، أشدّ قوة وبأساً بفضل مقاومته لإسرائيل. علماً بأن امتدادات الحزب وتأثيراته كانت قد تجاوزت الطائفة الشيعية لتطاول العالم العربي بأسره. أما إيران المنتصرة في الحرب التي شنّها الأميركيون على العراق، فهي أيضاً من سيحقق النصر من الحرب الإسرائيلية على لبنان. فبعد تعزيز موقعها في منطقة الخليج، ها هو نفوذها يتمدّد في الشرق الأوسط، وها هي شعبيتها تتضاعف مثلما تعززت شعبية حزب الله لأنهما باتا في نظر القسم الأكبر من العرب والمسلمين الطرفين الأكثر عداء للإسرائيليين والأميركيين، وخصوصاً أن الغضب يغلي به العالمان العربي والإسلامي حيال واشنطن وتل أبيب، لا بل مشاعر الكراهية تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب صور الحرب على لبنان التي تتلاقى مع تلك القائمة في العراق والأراضي الفلسطينية.
وهذه الكراهية تغذّي التوجهات الإرهابية عند الأصوليين أو اليائسين الذين شاهدوا أقرب أقربائهم يقتلون أمام أعينهم.
علماً بأنه يُفترض بالدول العربية المعتدلة والدول الأوروبية أن تتحلى بالشجاعة من أجل التميّز في الموقف والنأي بدولها عن الحرب على الإرهاب التي تتغذى من إخفاقاتها الخاصة. حرب، مجازر، ودمار باسم الحرب على الإرهاب الذي يرسّخ عبرها جذوره أكثر فأكثر. بدورها تسمح هذه الحرب للمسؤولين عن هذه الكارثة بمزيد من طلبات التضامن والدعم لأن الأوضاع تتدهور. وهكذا ندخل في حلقة مفرغة شديدة الخطر لن تكون نتيجتها إلاّ: كارثة شاملة.
* باحث استراتيجي فرنسي