عمر نشابة
تعجّ الصالونات السياسية التابعة لمجموعة 14 آذار باجتماعات تصدر عنها بيانات ودعوات تحدّد من خلالها الأولويات. ويبدو أن أولوية هذه المجموعة الرئيسية هي نزع سلاح المقاومةبمساعدة قوى عسكرية أجنبية أو بلغتهم الخادعة «ضرورة التعجيل في تعزيز
قوة الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة» و«بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية» (بيان كتلة «المستقبل» النيابية). وفي الصالونات يشتم أقطاب 14 آذار ما يسمّونها، كما يسمّيها جورج بوش، «الدولة داخل الدولة»، بينما يرحّب السيد حسن نصر الله بانتشار الجيش ويعلن تأمين «مبلغ مقبول لكلّ عائلة فقدت منزلها» ويعد بإعادة البناء خلال شهر.

إن الجمهورية لا تُفرض على المواطنين بل إن سلطة الدولة تنبعث من التفاف الناس حولها والتمسك بالخدمات التي توفّرها لهم. هذا الأساس الذي تُبنى عليه «سلطة الدولة» لم يشدّد عليه مفكرو الثورة الإسلامية في إيران ولا فلاسفة حزب البعث العربي الاشتراكي بقدر ما أكّد عليه مؤسسو الديموقراطيات الغربية التي يتطلّع إليها أقطاب 14 آذار، أمثال المفكّر الإنكليزي جون لوك والفيلسوف جان جاك روسو.
إذا كانت مجموعة 14 آذار حريصة فعلاً على قيام مشروع دولة حقيقي و«بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية»، لماذا لم تكن سبّاقة في الإعلان عن مشاريع جدّية لإعادة الإعمار وعن خطوات ملموسة يمكن المواطنين المتضرّرين الاستفادة منها خلال الأيام القريبة المقبلة؟ ولماذا لم تعلن التعبئة العامة وتدعو جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية الى اجتماع عام لوضع خطّة نهوض البلد؟
أم أن نشاط مجموعة «الأكثرية» يقتصر على أحاديث الصالونات والتخوّف من «عودة الى ما قضى به تفاهم نيسان الذي حكم وجود مقاتلي الحزب في الجنوب» (الرئيس السابق أمين الجميل)؟ ويجدر التذكير هنا أن الرئيس رفيق الحريري كان من مهندسي اتفاق نيسان 96 الذي يتخوّف منه حليف نجله...
إن الحكومة الحالية ورئيسها، ومجموعة الصالونات التي ينتمي إليها، وبعد رفعها الغطاء السياسي عن المقاومة الوطنية بوجه العدوان الاسرائيلي، فشلت بالقيام بالحدّ الأدنى من واجباتها. من أبسط الخطوات التي يمكن أن تقوم بها الحكومة الحالية ومجموعة صالونات «الأكثرية» حتى تعيد الحدّ الأدنى من اعتبارها:
1ــ تنسيق الدولة مع المقاومة من أجل تحصين الجنوب وتطوير القوة الدفاعية المطلوبة للتصدّي للطائرات الحربية الاسرائيلية التي دمّرت جزءاً كبيراً من البلد. والطلب الرسمي في هذا الإطار من الدول التي تدّعي الصداقة والثقة بالسنيورة ومجموعة «الأكثرية»، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا مثلاً، تزويد لبنان بصواريخ أرض جو وأرض بحر متطوّرة. والمطالبة بتفسيرات منطقية علنية إذا رفض الطلب حتى يعرف اللبنانيون من هو الصديق الحقيقي والعدو الحقيقي ومن يتلاعب بين الاثنين وكنّا قد شهدنا شهراً كاملاً من التلاعب عبر التحايل على قرار وقف النار.
2ــ إعلان انتصار الشعب الحيّ على آلة القتل الاسرائيلية، والدعوة الى مؤتمر عالمي يُعقد في الضاحية الجنوبية المدمّرة لإدانة الدولة العبرية وإدارة بوش التي تساندها. فلا يمكن أن يستردّ السنيورة قبلاته لكوندوليزا رايس التي تزوّد اسرائيل بأسلحة أميركية لقتل اللبنانيين وتدمير جزء مما بناه صديقه رفيق الحريري... لكن يمكن أن يحاول استرداد صدقيته الوطنية بإعلان إدانته لإدارة بوش... إذا تجرّأ على ذلك. فلا «مشروع دولة» يقودها شخص علقت بأذهان الجنوبيين والعديد من اللبنانيين قبلاته لرايس خلال المذابح...
3ــ الخروج من الصالونات والسرايا والتوجّه جنوباً لمساعدة المواطنين على انتشال أبنائهم وأهلهم وإخوتهم الذين ما زالوا تحت أنقاض بيوتهم منذ أسابيع.... فبدل أن يعقد اجتماع مطوّل مع قيادة الدفاع المدني للتهنئة على عملها (وهي تستحقّ أكثر من ذلك) ليتوجّه السنيورة وحلفاؤه في صالونات قريطم الى عيناتا حيث سجّل أمس نقص في فرق البحث وفي التجهيزات، ليساعدوا الزميل حسين أيوب الذي يفتش عن أمّه بين الركام منذ أسبوعين وغيره من المواطنين...
إذا كان السنيورة والحكومة التي يرأسها لا يقويان على النهوض بالبلد ومواجهة العدوان السياسي الاميركي الاسرائيلي الذي يتبع العدوان العسكري على لبنان وشعبه ومقاومته، فليستقل وليفتح المجال أمام إشراك الآخرين في مشروع حقيقي لدولة تحفظ كرامة مواطنيها