وليد شرارة
ليس من المبالغة القول إن قسماً كبيراً من أحزاب المعارضة العراقية السابقة وفصائلها، حكام العراق الحاليين، دشّن مرحلة جديدة في التاريخ السياسي العربي المعاصر. هذه الأحزاب والفصائل أسقطت ثابتاً أساسياً من الثوابت الوطنية والقومية والدينية عبر قبولها التعامل مع الاحتلال الأميركي في بلدها والانخراط في العملية السياسية التي يرعاها والهادفة لتحويل العراق الى فدرالية طوائف وإثنيات تابعة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للولايات المتحدة. المآل المخزي الذي انتهت إليه هذه الأحزاب والفصائل، التي تحوّلت الى فرق موت تقتل على الهوية وتشارك على نطاق واسع في الحرب الأهلية المرعية أميركياً،

أو، في أحسن الأحوال، الى مجرد أبواق إعلامية للاحتلال، كان من المفترض أن يدفع بقية المعارضات العربية، التي ما زالت متمسكة بالحد الأدنى من المبادىء والثوابت، إلى مراجعة استراتيجياتها وحساباتها بغية تجنب المصير نفسه. فمواجهة الاستبداد والنضال من أجل التغيير الديموقراطي، مهما كانت المصاعب وبشاعة الأنظمة الحاكمة، لا يبرران التعامل بأي شكل من الأشكال مع غزوة استعمارية من النمط البدائي، شبيهة لحدّ كبير بالغزوات الاستعمارية الغربية التي بدأت منذ أواخر القرن الخامس عشر واستمرت لقرون عدة، خلال مرحلة التراكم الرأسمالي الوحشي والبدائي التي تحدث عنها ماركس. تسعى الغزوة الأميركية للفضاء العربي والإسلامي الى تدمير نموذج الدولة الوطنية المركزية، وليس الى إصلاحه كما يرغب البعض، واستبداله بنظام فدرالي للطوائف والإثنيات يسمح بسيطرة أميركية مباشرة ودائمة على هذا الفضاء وعلى ثرواته وأسواقه ومستقبله. وقد اعتبر التحالف العسكري ــ الأصولي ــ الصهيوني الحاكم في الولايات المتحدة أن الحرب على العراق سيكون لها مفعول «الدومينو» على بقية دول المنطقة. فهي ستؤدي الى تأجيج تناقضاتها الاجتماعية والسياسية الداخلية وارتفاع الأصوات المطالبة بـ«التغيير» الفوري ولو بالاستناد الى «الوضع الدولي الجديد»، أي بالاستناد إلى الدعم الأميركي، مما سيسمح للولايات المتحدة استغلال هذه التناقضات «لتغيير سياسات الأنظمة» أو للعمل على تغيير الأنظمة نفسها إن أبدت قدراً جدياً من الممانعة في مواجهة مخططاتها.
أي مراقب للتحولات الكبيرة التي طرأت على مواقف بعض فصائل المعارضة السورية وشخصياتها في السنتين الأخيرتين لا بد من أن يلحظ أن بعضها بدأ يسير على خطى المعارضة العراقية السابقة. آخر مؤشر على ذلك مواقف بعض رموزها من الملحمة البطولية التي خاضتها المقاومة الاسلامية في مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان. أن يتجرأ السيد رياض الترك، تملقاً لصحيفة لو موند الفرنسية الداعمة للأهداف السياسية للعدوان الصهيوني، ومن ورائها للحكومة الفرنسية التي تحلم باستعادة نفوذ انتدابي على لبنان وسوريا، على وصف من صنع الملحمة باعتباره مجرد ورقة سورية ــ إيرانية هو «إعلان نوايا» بالاستعداد للتعاون، فهمته الدوائر الغربية جيداً من جهة، وقوى المقاومة من جهة أخرى.