نجيب نصر الله
لم تنته الحرب بعد، وليس في الأفق ما يشير إلى أن الجهة التي أشعلت فتيلها في هذا الوارد، خصوصاً ان الجولة الأخيرة لم تفض الى النتائج المرجوة، لا إسرائيلياً ولا أميركياً، ولا حتى عربياً. الخيبة كانت النتيجة الوحيدة، والمشترك الأساسي بين كل هذه القوى.
لم تنته الحرب، تعترف «الوزيرة الجميلة» تسيبي ليفني، إنها الحقيقة الوحيدة التي يمكن الركون إليها وسط غبار المواقف المتبادلة. إننا اليوم في فاصل الهدنة، ليس إلا. بنود القرار 1701 لا تعدو أن تكون محاولة لتنظيم الجولات المقبلة، والتعامل مع القرار يجب ألا يغفل هذه الحقيقة. لذا، من الضروري التنبه إلى أن الجولات الموعودة، التي يحض عليها القرار الدولي الأخير، لن تكون بأقل قساوة عن العدوان.
ليست مرارة بعض اللبنانيين، الناجمة عن الإخفاق العسكري الإسرائيلي، بأقل من المرارة الإسرائيلية. ليس في الكلام أدنى مبالغة. التدقيق في التصريحات والمواقف التي انهمرت طوال الشهر الفائت، يؤكد أن بين اللبنانيين من راهن فعلاً على انكسار المقاومة، بل وعمل له، بأمل توظيف الانكسار في مشروعه، الهادف الى استكمال دورة الانقلاب السياسي، وجعله تام العناصر والشروط.
المرارة اللبنانية إذن مضاعفة، والسبب في أنها كذلك، أن مستوى الرهان الذي انعقد على الانكسار، تجاوز الحذر المألوف، وكاد يبلغ حد الانكشاف السياسي الكامل. محاولات الانقضاض على السلاح، التي بدأت حتى من قبل إسكات المدافع، تستبطن الانقضاض الصريح على دور المقاومة وإنجازاتها، وحتى وظيفتها، وتمثل التعبير الأوضح عن استمرار الحرب، بوسائل وأدوات مختلفة.
كثيرة هي الأسرار التي لابست العدوان الاخير، إلا أن ما تسرب منها، وهو قليل، يسمح بالقول إن العملية العسكرية التي استغرقت شهراً كاملاً، وكادت أن تشعل حريقاً هدّد كامل المنطقة، تتجاوز في أهدافها ومراميها الإطار الاقليمي أو المحلي الضيق، الذي تحاول «الأكثرية» اللبنانية حشرها فيه. إنه أكثر من عدوان وأقل من حرب. عبارة «الشرق الأوسط الجديد» التي أطلقتها السيدة كوندوليزا رايس، كأحد أهداف الحرب، بيّنت السياق الحقيقي للهجمة. الأكيد أن التعثر الأميركي في العراق كان واحداً من أسباب هذه الحرب. الصلة الاميركية إذن واضحة، ولا تحتاج الى إقامة البراهين.
العدوان الإسرائيلي مثل الحلقة التنفيذية المباشرة في المشروع المتكامل الذي يستهدف كامل المنطقة. أريد لهذا العدوان أن يكون صاعقاً. الحلقة التنفيذية المباشرة استندت إلى حلقات أخرى لا تقل أهمية. الهجوم السعودي ــ المصري المنسق، استهدف ضرب خطوط المقاومة الخلفية، وكان أشبه بعملية إنزال. إلا أن وضاعة الشريك اللبناني وعجزه أفشلا الإنزال.
يمكن للمرارة الإسرائيلية مداواتها باللجوء إلى ما تتيحه الآليات السياسية الداخلية، من إسقاط الحكومة، إلى تشكيل لجنة تحقيق، إلى غيرها من إجراءات، فيما تبدو المرارات اللبنانية بلا دواء.