وليد شرارة
ساهم التضامن الشعبي الواسع مع أهل الجنوب اللبناني والضاحية في إفشال أحد أبرز أهداف العدوان الاسرائيلي على لبنان وهو إثارة احتقان طائفي يؤدي الى تصدّع الجبهة الداخلية خلال المواجهة. اعتمدت اسرائيل خلال هذه المواجهة استراتيجية تطهير طائفي، أو استراتيجية إبادة اجتماعية (socio-cide) حسب تعبير القائد الفلسطيني عزمي بشارة، بحق أبناء الطائفة الشيعية، بهدف التعويض عن عجزها عن تدمير البنية العسكرية لحزب الله بتدمير بنيته الاجتماعية. هذا ما يفسر سياسة القتل الجماعي والتدمير الشامل للمساكن والبنى التحتية، ومقومات وجود السكان في القرى والبلدات، التي اعتمدتها اسرائيل. رمت هذه السياسة الى دفع أهل الجنوب والضاحية الى النزوح الشامل نحو العاصمة وبقية المناطق اللبنانية، غير المستهدفة عسكرياً بشكل مباشر، للتسبب باختناقها نتيجة هذا التدفق الديموغرافي غير المسبوق وغير المنتظر. راهنت اسرائيل أن تنجم من هذا الوضع المستجد توترات ذات طبيعة طائفية بين السكان «الأصليين» وأولئك «الوافدين». لكن الحس الوطني السليم لدى غالبية اللبنانيين والغضب العارم الذي اعتراها نتيجة هول المجازر الاسرائيلية أدّيا الى احتضان أخوي للاجئين في مختلف أنحاء لبنان. وتجدر الإشارة هنا أيضاً، في مواجهة بعض العنصريين المعادين للشعب السوري، الى الاستقبال الرائع الذي حظي به اللاجئون اللبنانيون الى سوريا من قبل أبناء هذا الشعب الشقيق.
أجواء التضامن الشعبي لم تؤثر على مواقف قسم كبير من النخبة السياسية والإعلامية المحلية التي بدأت منذ اللحظات الأولى للعدوان تحمّل مسؤولية المجازر والمآسي الناجمة منه للمقاومة. تستحق هذه المواقف بعض التعليق. منذ عودة السلم الأهلي والشروع في إعادة بناء الدولة، وصلت هذه النخب الى سدّة السلطة ونعمت في رغد العيش بينما كانت القطاعات الأفقر من السكان تستمر في القتال والاستشهاد لتحرير الجنوب المحتل. وقد ساهم حزب الله، من خلال تركيزه على أولوية معركة التحرير على غيرها من المعارك السياسية والاجتماعية الداخلية، ومن خلال حشد طاقات جماهيره، الغفيرة والمعدمة في أغلبها، لخوض هذه المعركة، في الحفاظ على «السلم» الاجتماعي في لبنان. فالسياسات النيوليبرالية الظالمة التي اعتُمدت خلال حقبة إعادة الإعمار كانت لتسبّب، في ظروف أخرى، انتفاضات اجتماعية عنيفة. ونجح الحزب، من خلال مؤسساته وجمعياته الاجتماعية والتربوية والخيرية، في نسج شبكة أمان اجتماعية لقطاعات واسعة من اللبنانيين، في ظل غياب أية سياسة اجتماعية للدولة. كان على النخب المذكورة أن تشكر حزب الله لكنها عوضاً من ذلك استمرت في الهجوم عليه. وها هي تسمح لنفسها اليوم بالحديث باسم ضحايا العدوان لتطالب بنزع سلاح المقاومة. الحد الأدنى من النزاهة يفترض أن يُسأل أول المعنيين عن رأيهم بالموضوع. فلينظّم استفتاء بحضور مراقبين دوليين محايدين لمعرفة رأي من هُجّروا من ديارهم وقتل أهلهم بقضية المقاومة وسلاحها. ولكن هل يرغب مدعو الديمقراطية والحداثة والتنوير الاستماع لرأيهم؟