فادي عرمان
بدأت دفّة النقاشات والسجالات الداخلية تغيّر وجهتها مؤخراً. فبعدما أفرغت القوى السياسيّة ما في جعبتها من مواقف حول توقيت عمليّة حزب الله، من يتحمّل مسؤولية العدوان الإسرائيلي على البلد، ومعاني الإنتصار ودلالاته، إحتل النقاش الذي افتتحته الأستاذة الجامعية منى فياض في مقالتها «أن تكون شيعيّاً الآن» (النهار، ٧ آب ٢٠٠٦) الصدارة. وأجّجت هذا النقاش مداخلة السيد وليد جنبلاط أمس التي حشدت المراجع للبرهان إن هناك طريقاً آخر يمكن للشيعة أن يسلكوه. طريق لا يقل شيعيةً عن الذي يسلكونه الآن.
الشيعي الآن، بحسب فيّاض، هو الذي أبعد ما يكون عن طرح الأسئلة التالية: «هل انت مواطن لبناني؟ هل كونك شيعياً يلزمك باعطاء أولوية لإيران على لبنان؟ هل لك حرية رأي؟ أو حرية تعبير؟». الشيعي في نصّ فياض هو كائن أبعد ما يكون عن النموذج الليبرالي الحديث للإنسان «الكامل». فهو ليس فرداً حرّاً له آراء خاصّة به، وعقل يستعمله لأخذ قرار يستجيب لمصالحه. أمّا قادته فيتّبعهم ويبايعهم مهما اتخذّوا من قرارات. فمفهوم المحاسبة لم يجد طريقه إلى الشيعة بعد. باختصار، إن الشيعة الآن هم جماهير مخطوفة، أو، بحسب الكاتبة، «الجماهير العاجزة والمستعبدة».
تلك الجماهير المخطوفة هي نفسها التي فشل عنف كوندوليسا رايس الخلاصي في فكّ أسرها من أجل شرق أوسط جديد ديمقراطي. فرسالة أميركا الإمبريالية الليبرالية/الخلاصية تكمن في تحرير الشعوب من طغيان أولئك الذين سلبوهم حرية الاختيار وجردّوهم بذلك من إنسانيّتهم. فالحرب على أفغانستان خيضت في إحدى جوانبها من أجل تحرير المرأة الأفغانية من طاغوت حكم الطلبان. ولعلّ أدقّ تعبير عن تلك الرسالة جاء على لسان دونالد رامسفيلد الذي صرّح قبيل الغزو الأميركي للعراق بأن «الحرب على الإرهاب هي حرب من أجل حقوق الإنسان».
ولتستقيم حرب الولايات المتّحدة التحريرية، يجب الفصل الواضح ما بين الشعوب- الضحية من جهة، والإرهابيّين الذين يسلبون إرادتها من جهة ثانية، ممّا يفسّر بعض المصطلحات السائدة في السياسة والإعلام الإميركيين عن قدرة حزب الله على «الخرق» أو «التسلّل» إلى المجتمع اللبناني.
أمّا وقد فشلت الحرب الإسرائيلية الأميركية في كسر شوكة حزب الله وتحرير الشيعة من قبضته القروسطية، فقد قدّم وليد جنبلاط اقتراحاً فكرياً من داخل التراث الشيعي قد يساهم في «التنوير المرتجى». أمّا افتتاحيّة «النيويورك تايمز» (١٧ آب ٢٠٠٦) فاقترحت علاجاً من النوع الاقتصادي، إذ ألحّت على الإدارة الأميركية بأن ترسل المساعدات الموعودة إلى لبنان بالسرعة نفسها التي أرسلت فيها المساعدات إلى ضحايا تسونامي. وذلك قبل أن يفوت الأوان، ويربح حزب الله قلوب اللبنانيين وعقولهم!