فادي عرمان
ظهر مفهوم التوتاليتارية في العشرينات من القرن العشرين لوصف الدولة الفاشية المثالية. في "منظومة الفاشية" التي صدرت بإمضائه، حددّ موسوليني: "للفاشي كلّ شيء موجود داخل إطار الدولة ولا شيء إنساني أو روحاني له وجود، أو له قيمة خارج إطار الدولة. فبهذا المعنى الفاشية توتاليتارية". وقد طوّر مفهوم التوتاليتارية الذي فقد بعده الوصفي البحت واكتسب معاني شديدة السلبية بعد أن أصبح من المفاتيح النظرية الأساسية في العلوم السياسية لتحليل نظامي هيتلر في ألمانيا وستالين في الإتحاد السوفياتي.
أمّا الآن وهنا، فيسبغ بعض الكتاب السياسين مفهوم التوتاليتارية على حزب الله الذي، بحسبهم، يسعى إلى فرض حقيقته الواحدة على البلد تمهيداً لإمساك المشروع التوتالياري بزمام الأمور. ما يغيب عن بال هؤلاء المحللين هو أنّ القوّة الجاذبة للإيديولوجيات التوتاليتارية، حسب الفيلسوفة الألمانيّة هنّه أرندت التي كرسّت معظم أبحاثها لهذا الموضوع، تكمن في التذرّر الإجتماعي الذي هو سمة المجتمعات الحديثة التي قطعت علاقتها بتراثها. أمّا حزب الله، بما هو حركة إسلاميّة تضم جمهوراً لم يقطع مع تراثه، فلا يجوز خلطه مع الحركات التوتاليتارية التي تضع نصب أعينها إبادة جماعات كاملة من البشر، وتسعى إلى تسخير بيروقراطية الدولة بعقل بارد لتحقيق أهدافها.
هفوة هؤلاء الكتّاب الليبراليين تكمن بأن نظرتهم إلى التاريخ والقياس المعتمد في تحليلاتهم هو مقدار الحريّة الفردية. فبمقدار ما يتحرّك التاريخ نحو المزيد من الحريّة الفردية، تكون المحصلّة إيجابيّة ويسمّى ذلك تقدّماُ. أمّا الحركات السياسية التي لا تسلك هذا المسار التاريخي فتوضع كلها في سلّة واحدة. فتصبح الحركات الدينية التي لا تضع الحريّة الفردية في أولوياتها معادلة للحركات التوتاليتارية التي من شروط قيامها "الفرديّة" والمجتمعات الحديثة.
خلاصة، وتذكيراً بالبديهيات، إن الشرط الأساسي لنشوء الأنظمة التوتاليتارية هو الدولة القويّة التي تسيطر على كلّ نواحي الحياة وتنظّم حياة مواطنيها تنظيماً محكماً من المهد إلى اللحد. ومن البديهي أيضاً ان المجتمع اللبناني لم يفرز ذلك النموذج من الدول. إذ أن
ولاءات أكثرية اللبنانين هي ولاءات ما دون قومية، أي طائفية، مناطقية، عشائرية، عائلية. كما أن صلاتهم السياسية والإيديولوجية تمتّد إلى ما هو أبعد من الدولة-الأمة، وذلك ليس حكراً على حزب الله.
أمّا ما يثير الإستغراب فعلاً فهو أنّ التنديد بالولاءات ما دون القومية والمطالبة بالدولة- الأمّة القويّة الحديثة، والتبشير بإن أحد مكونات البلد يستعد لثورته التوتاليتارية، يصدران عن المصدر نفسه.