زياد سعيد
يوماً بعد آخر تتأكد حقيقة أن الحرب الاسرائيلية على لبنان لم تولد فجأة من العملية «النوعية» التي نفّذها رجال «حزب الله». الإصرار «المشبوه» من بعض اللبنانيين على تبنّي القراءة المخالفة، وهي في حقيقتها قراءة اميركية، هو ما ساعد في الاضاءة على خلفيات الحرب وأبعادها، وكشف عن الاتساع غير المسبوق في دائرة المشاركين فيها. كل تفسير لا يأخذ هذه البداهة بالحساب، هو تفسير ناقص وخاطئ.
الحرب الاسرائيلية المستمرة، كما بات معروفاً، بدليل التصريح الشهير الذي ادلت به كوندوليزا رايس في خضمّ العدوان، حيث رأت أنها من مقدمات قيام «الشرق الاوسط الجديد»، برهان اضافي، وله أن يقطع مع كل اجتهاد آخر، ويؤكد طبيعة هذه الحرب، لكونها تتصل اتصالاً وثيقاً بالوجهة الامبراطورية لسياسة جورج بوش الابن، التي تهدف إلى إعادة تأسيس المنطقة، بما يضمن لها السيطرة على كامل مقدراتها.
ما تقدم يطرح السؤال عن حقيقة الموقع اللبناني الرسمي. الأرجح أن التردد والتخبط اللذين يرافقان معظم الخطوات الحكومية، لا يأتيان من الفراغ. الامانة تقضي القول إنهما يندرجان في سياق المساعدة، الواعية أو غير الواعية، على تذليل العقبات الكأداء التي تعترض الحرب الاسرائيلية وأهدافها الأبعد. بل يمكن القول إن العجز الرسمي لا يعدو أن يكون من باب الضباب المتعمد، الذي يحاول التعمية على نوع من التورط غير البريء.
الحقيقة تقضي القول إن الاستمرار في هذا النوع من السلوك قد يفاقم من خطر ضرب عناصر القوة اللبنانية، وربما يزيد من الانكشاف الحاصل.
لعل التطويق الامني والسياسي المحكم الذي يراد فرضه على لبنان، بذريعة الاخذ بالتفسير الاسرائيلي للقرار الدولي 1701، يتصل بالتدمير الوحشي الذي اصاب مناطق واسعة من لبنان. العلاقة بين التدمير والتطويق استمرار لقرار الحرب. اننا اليوم أمام فصل جديد من العدوان الشامل الذي يهدف إلى ضرب الحيوية اللبنانية الاخيرة، التي يمثل حزب الله، في خيار المقاومة، أحد وجوهها.
من أولى واجبات السلطة اللبنانية، التي تقاعست في الاصل عن القيام بموجبات الموقع الرسمي، لأسباب عديدة، بينها وهم الاستفادة من نجاح العملية الاسرائيلية، أن تبادر الى عمل الحد الأدنى الذي يمنع سقوط البلد بكامله.
الصمت الرسمي المطبق حيال الحصار الاسرائيلي الاميركي المفروض على البلد يمثّل مساهمة واعية وأكيدة في العدوان.
لم يعد جائزاً لهذه الحكومة أن تستمر في احتلال دور الصدارة بينما مجمل المواقف التي صدرت عنها خلال الحرب، لم ترتق الى مستوى العدوان ولا حتى الاشارة الى مرتكبيه.
ان جوهر «العجز» يستبطن استمرار الرهانات على أوهام الاستفادة من امكانات إحداث تعديلات جدية على الخريطة السياسية للبلد، إلا أنّ دون هذه التعديلات احتمال الخراب الشامل.