باسكال بونيفاس *
الحرب في لبنان لها امتداداتها داخل فرنسا بما في ذلك المنظمات اليهودية ووسط المثقفين اليهود. فبعد أسبوع على اندلاع هذه الحرب، قام المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا والمجلس اليهودي الأوروبي، بنشر إعلان في عدد من الصحف اليومية من أجل تأكيد التضامن مع الشعب الإسرائيلي والتنديد بحزب الله الذي تشن عليه إسرائيل عملية عسكرية «متوازنة». هذا وقد وقّع عدد كبير من المنظمات اليسارية هذا الإعلان بما يعكس أجواء التضامن الواسع والناشط لمنظمات اليسار الفرنسية منذ العام 2000 مع دولة إسرائيل. غير ان الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام، وهي جمعية أقلوية ولكن ناشطة جداً، قد نأى بنفسه على نحو لافت عن هذا الإعلان. فهذه الجمعية تعتبر أنه من أجل تفادي سقوط ضحايا أبرياء جدد، يجدر بالشعب اليهودي أن يضغط على مسؤوليه من أجل تبني سياسة جديدة. وتعتقد أيضاً أن إسرائيل ستواصل فرض الحروب على جيرانها ـ وإلحاق الضرر بنفسها أيضاً ـ طالما أنها ترفض الانخراط في الواقع الشرق أوسطي وتأبى أن تقيم علاقات بناءة وندّية مع الشعوب العربية. لقد وقع عدد كبير من الشخصيات اليهودية مثل روني برومان أو ستيفان هيسل على إعلان يطالب بوقف الغارات الجوية. أما ألفرد غروسر وهو من أصل يهودي وأحد رواد العلوم السياسية، فقد طالب بحق توجيه اللوم إلى إسرائيل وأسف لأن تهمة معاداة السامية تطال الذين يمارسون هذا الحق. أما إستير بنباسا وهي مفكرة يهودية تشغل منصب رئيسة قسم الدراسات اليهودية في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، فقد نشرت مقالة تحت عنوان «أوقفوا المذبحة»، حيث أعربت عن أسفها لأن الغرب وإسرائيل، نتيجة إصرارهما على النظر إلى حماس وحزب الله على أنهما من قوى الشر، وقعا في فخ سوء التقدير إذ انهما لم يستطيعا إدراك الحجم الحقيقي لهاتين المنظمتين.
غير ان أهم ما ورد في مقالة بنباسا، هو موقفها بصفتها يهودية من الشتات: «نحن، يهود الشتات، لا يحق لنا أن نبقى صامتين أمام الكارثة الإنسانية التي تتسبب بها هذه الحرب. فدعم إسرائيل لا يعني غض النظر عن جميع أخطائها بل القدرة على انتقادها عندما تضل الطريق». لذلك ترى المفكرة اليهودية أنه على اليهود أن يتعلموا كيف يقولوا «كفى» وأن يعتادوا على رفض الخضوع للضغوط التي يراد منها تكريس وحدة مقدسة بين يهود الشتات وإسرائيل، بل إنها تجد ان التجربة التاريخية الخاصة بالشعب اليهودي تفترض به الاضطلاع من دون تأخير بمسؤولياته تجاه نظرائه بغض النظر عن أصولهم وموقعهم في ساحة المعركة. من هنا فإن إستير بنباسا تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار انطلاقاً من كونها مواطنة يهودية ولكن «شمولية». وهي ترى ان ضميرها يمنع عليها الصمت عندما تجد نفسها في موقع المعارضة للسياسة الإسرائيلية. ان وجهة النظر هذه مختلفة عن تلك التي يروّج لها برنار هنري ليفي وهو شخصية تركت بصماتها في السجال الفكري والإعلامي الفرنسي. ففي مقالة أولى نشرت في 20 تموز، رأى ليفي ان الرد العسكري الإسرائيلي في لبنان جاء متوازناً، وأن لبنان مسؤول عن مآسيه لأن هناك عدد من وزراء حزب الله في الحكومة اللبنانية. وبحسب ليفي، فإن الرهان في هذه الحرب هو في التوصل إلى التعايش بين شعبين وتلقين الدروس في كيفية التفاوض وصناعة السلام وربما قد تكون أيضاً سبيلاً للتواصل والمحبة المتبادلة. غير أننا نشك في أن تثير هذه الحرب مشاعر المحبة لدى اللبنانيين تجاه إسرائيل. بعد أسبوع على هذه المقالة، يكتب ليفي في صحيفة «لوموند» مقالة أخرى يوحي من خلالها بأن هذه الحرب هي حرب ضد «الفاشية ذات الوجه الإسلامي»، ويزعم بأن إسرائيل لم تكن تريد هذه الحرب ويرى أنها تحظى بدعم عالمي غير مسبوق. أما أندريه غلوكسمان، فيعرب عن سخطه من المواقف المزدوجة أو سياسة «الكيل بمكيالين» تجاه الضحايا المدنيين اللبنانيين. فهو ندّد بالصمت حيال الموت اليومي في بغداد (رغم أنه كان مؤيداً للحرب على العراق) ولكنه عبّر عن الغضب الشديد من وصف الغارة على قانا بأنها جريمة ضد الإنسانية. من هنا فإن برنار هنري ليفي وغلوكسمان نصبّا نفسيهما فيلسوفان غير أنهما مؤيدان للسياسة الإسرائيلية. فهدف الرجلين هو إضفاء صبغة أخلاقية على هذه العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان عبر الإيحاء بأنها جزء من الحرب على الإرهاب. ولكن ليفي وغلوكسمان يلمحان أيضاً إلى انهما كانا سينددان في ظروف أخرى بقصف المدنيين.
في الخلاصة يبدو على الرغم من الدعوات العديدة للتضامن مع إسرائيل، ان المفكرين اليهود الفرنسيين منقسمون بين موقفين. الأول تتبناه الغالبية ويقول بحتمية التضامن مع إسرائيل بغض النظر عن سياسة حكومتها. وموقف آخر تتبناه أقلية أمثال غروسر وبنباسا يشدد على ضرورة أن تتغلب المعايير العالمية على أولويات الجماعة الواحدة، وأنهم كيهود لديهم واجب ممارسة الرقابة على إسرائيل.
* خبير استراتيجي فرنسي