وليد شرارة
«حرية، سيادة، استقلال» شعار رفعته جماهير غفيرة في ساحة الشهداء منذ زمن ليس ببعيد. درج بعض المعلّقين اللبنانيين والعرب والأجانب على تسمية حالة التعبئة هذه، التي استمرت زهاء شهرين، ثورة الاستقلال. أول سؤال يتبادر إلى الذهن عند رؤية ما تتعرض له السيادة اللبنانية الآن من انتهاك من قبل التحالف الغربي ــ الاسرائيلي هو: أين أنصار السيادة والاستقلال؟ أحد أبرز قوى الثورة المذكورة، التيار الوطني الحر، وقف منذ بداية العدوان الاسرائيلي على لبنان مدافعاً عن الوطن وعن مقاومته وهو ثابت على موقفه اليوم. أما القوى «الاستقلالية» الأخرى، الممثّلة في الحكومة الراهنة، فليس من المبالغة اتهامها بخيانة شعاراتها وجمهورها. وإلا كيف يمكن فهم موافقتها على المطلب الاسرائيلي الخاص بالطائرات المتجهة الى مطار بيروت، التي بات عليها التوقّف في مطار عمّان لتتعرض للتفتيش قبل إكمال رحلتها؟ العلاقات الخاصة بين الأجهزة الأمنية الأردنية والاسرائيلية والأميركية ليست سراً على أحد. فالنظام الأردني يفاخر بهذه العلاقات ويعتبرها ضمانة لأمن الأردن واستقراره. لم يترك الصمود الأسطوري لمقاتلي المقاومة الإسلامية ولجماهير الشعب اللبناني أي أثر يُذكر على الحكومة السيادية العتيدة. بل يبدو أنها تتصرف من وحي نموذج ثكنة مرجعيون المذل. الخوف مشروع من أن تفرّط هذه الحكومة بالإنجاز الشعبي الرائع فيتحول الانتصار الى هزيمة.
مشاركة النظام الأردني في الحصار على لبنان تنسجم مع الوجهة العامة للسياسات التي اعتمدها منذ عقود والتي اعتبرها البعض دوراً وظيفياً في إطار المشاريع الاستعمارية الخاصة بالمنطقة. لكن هذه السياسات تزداد خطورة في الآونة الأخيرة. فمن تلقّف مقولات المحافظين الجدد عن «الهلال الشيعي» والترويج لها (المقولة ابتكرها روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وتبنّاها الملك الأردني بعد مقابلته الأخير بأيام) لتعظيم الشرخ المذهبي على مستوى الإقليم، الى المشاركة الفاعلة في محاصرة الحكومة الفلسطينية المنتخبة، يساهم هذا النظام بحماسة قلّ نظيرها في الهجمة الأميركية الجديدة. يقوم بذلك متجاهلاً موقف الرأي العام الأردني الذي يغلي غضباً مما يجري في فلسطين والعراق ولبنان. يخطىء هذا النظام إن ظنّ بأن المنطقة ستتحول الى ساحة حرب مفتوحة وبأن الأردن سيبقى بمنأى عنها.