وليد شرارة
مقاربة الديموقراطيين الجدد العرب للعروبة تذكّر بمن يرمي المولود مع الماء الوسخ كما يقول المثل الفرنسي المعروف. المقصود بالديموقراطيين الجدد مجموعة من المثقفين، من خلفيات فكرية وسياسية مختلفة، انحازت الى الأطروحة التي ترى أن المأزق العربي الحالي تعود أسبابه أولاً وأساساً الى تفاعل مجموعة من العوامل السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وأن الخروج من هذا المأزق يتطلّب تعاملاً بناءً وخلّاقاً مع «العالم المعاصر»، وهو الاسم الحركي للغرب عند هؤلاء، والاستفادة من الظروف الدولية «المستجدّة»، أي عودة سياسات التدخل الاستعماري المباشر، لتسريع التغيير الديموقراطي في بلدانهم. أما العروبة، فالمقصود بها ليس مجرد الانتماء الثقافي إلى الفضاء العربي ـ الإسلامي بل أيضاً البعد السياسي للفكرة، أي العمل من أجل الوصول إلى شكل من أشكال التجمع العربي لكونه شرطاً لا بد منه للتحرر والنهضة. تزامنت الحرب الدولية الأولى على العراق عام 1991، وهي نقطة تحول بالغة الأهمية في تاريخ العلاقات الدولية وفي تاريخ المنطقة العربية أسماها المفكر الفرنسي آلان جوكس «لحظة تأسيسية» لنظام القطب الواحد، مع حملة فكرية سياسية بالغة الشراسة على العروبة، أطلقها المجمع الإعلامي ـ العسكري الأميركي ومراكز أبحاث أميركية وغربية، وتلقّفها الإعلام العربي الغارق في بحر النفط ونجومه الثقافية. أنتج هؤلاء مقولات وفرضيات ولغة خاصة مع مفرداتها ومصطلحاتها. فأصبح القوميون «قومجيين»، والإسلاميون «إسلامويين» و«ظلاميين»، والأكراد والقبائل وسكان جنوب السودان ديموقراطيين بالفطرة، والعرب سنة وشيعة ومسيحيين. وما يحق للأقليات القومية، أي حق تقرير المصير بما فيه حق بناء دولة مستقلة، لا يحق للأغلبية الديموغرافية العربية.
استبشر الديموقراطيون الجدد خيراً بالتغيير المعلن للسياسة الأميركية منذ عمليات الحادي عشر من أيلول وصدّقوا أن الولايات المتحدة باتت مقتنعة بضرورة إحداث تغييرات ديموقراطية في البلدان العربية لمكافحة «الظاهرة الإرهابية». أيّد بعضهم سراً وبعضهم الآخر علناً الحرب على العراق، ورأى جميعهم أنها «ستحرك المياه الآسنة» وتطلق حيويات ديموقراطية لن تنجح الأنظمة العربية في مقاومتها. وبالرغم مما جرى ويجري في فلسطين والعراق ولبنان لم يعتذر أي من هؤلاء عن ترويجه للأوهام والأضاليل. بل هم يحمّلون شعوب هذه البلدان مسؤولية ما تتعرض له من مجازر وأهوال. فالاقتتال الطائفي في العراق سببه «تخلّف» العراقيين وليس مخططات الاحتلال. وما يتعرض له الفلسطينيون سببه انقساماتهم المزمنة. أما الحرب على لبنان فتقع مسؤوليتها على حزب الله الذي أعطى اسرائيل «ذريعة» شنّها. يظن الديموقراطيون الجدد أن مشكلتهم هي مع ما يسمونه «العقل» العربي. حقيقة الأمر هي أن مشكلتهم مع العروبة، هوية ثقافية وسياسية، لم تنجح الرياح العاتية حتى الآن في زعزعة تمسك الأمّة بها.