محمد شري
هل يتّسع صدر فريق 14 آذار لقراءة هادئة للمعطيات والعناصر التي أسهمت في قرار الحرب الاسرائيلية المفتوحة والشاملة على لبنان.
وهنا لن نتحدث عن الذريعة الميدانية التي يقول فريق 14 آذار إنها عملية الوعد الصادق للمقاومة الإسلامية بل عن الذريعة السياسية لأن أي عاقل أو باحث موضوعي لا يمكنه أن يقبل بأن هذه الحرب المدمِّرة والشاملة وغير المسبوقة في تاريخ الحروب الاسرائيلية هي مجرد رد فعل على عملية أسر جنديين اسرائيليين.
هل يتسع صدر فريق 14 آذار للقول إنهم شكلوا ما سمّاه جورج بوش ثورة الأرز والنموذج اللبناني للشرق الأوسط الجديد الأساسي والعماد السياسي لهذه الحرب الشاملة.
إن كل التنظير الاسرائيلي والأميركي والدولي للحرب قام ويقوم على أساس مقولات بعض رموز 14 آذار منذ إعلان انقلاب هذه الفئة على التحالف الانتخابي الرباعي والتنكّر للبيان الوزاري وإطلاق العنان للحملات المشكّكة بحزب الله وسلاح المقاومة واعتباره ميليشيا واتهامه بأنه أداة إيرانية ــ سورية وأنه يشكل دولة ضمن الدولة، بحيث تطابقت التصريحات الأميركية مع تصريحات بعض رموز 14 آذار بالحرف. لم يكن هذا فحسب بل لم يوفّر السيد وليد جنبلاط أحد أركان 14 آذار مناسبة مع أصدقائه الجدد في واشنطن للتعبير عن هذا الانقلاب واعتذاره العلني الشديد عن كل ما في تاريخه من نقاط بيضاء كما عبّر بصراحة أكبر، عند لقائه صديقته الجديدة كوندوليزا رايس قبل الحرب، أنه تغيّر وتبدّل وليست أميركا بالتأكيد هي التي تغيّرت وقررت أن تكون صديقة للبنان.
ولم يجد فريق 14 آذار أي حرج في تكريم الشخصية الصهيونية الأبشع في الإدارة الأميركية جون بولتون ــ وكل هذا السلوك السياسي من حقهم ونحن هنا لا نتّهم أحد بالعمالة أو التورّط لكن أقول بحسن نية إنهم استُخدموا وسُخّروا لتبرير هذه الحرب التدميرية الشاملة وإعطائها الذريعة السياسية والجدوى السياسية، وشجّع هذا السلوك المندوب الاسرائيلي في مجلس الأمن على مخاطبة السفير اللبناني بالصديق من دون أن يجد الرد المناسب. إن الخرق السياسي الذي أوجده بعض أفرقاء 14 آذار في الحكم وطروحاتهم الملحّة ونزعهم الشرعية عن سلاح المقاومة والعمل بمنهجية واضحة لكيل هذا السيل من الاتهامات المتداولة والمستمرة لسلاح المقاومة، إن كل هذه الأمور كانت الذريعة السياسية الحقيقية لهذه الحرب ولولا هذا الخرق وهذا الانقلاب لما كان لهذه الحرب الاسرائيلية أي أفق أو معنى سياسي محدد.
نحن هنا لا نكشف سراً، فالمنطق الأميركي ــ الاسرائيلي كان واضحاً ولا يزال وهو قائم على منطق مفاده أن الديموقراطية أو الأكثرية اللبنانية لا تريد سلاح المقاومة.
المقاومة أداة خارجية ودولة داخل الدولة وهي مفروضة على لبنان وعلى هذه الأكثرية. وباعتبار أن هذه الأكثرية لم تستطع خلال سنة عبر الوسائل السياسية الداخلية أن تضع حدّاً لهذه المقاومة وأن تطبّق القرار 1559، فإن إسرائيل مستعدة للتضحية بأبنائها وجنودها من أجلهم ومن أجل لبنان للقيام بهذه المهمة وتسليمهم لبنان السيد الحر المستقل «على طبق من نار»، أليس هذا هو المنطق الاسرائيلي ــ الأميركي؟.
لقد سبق للمقاومة الإسلامية أن أسرت جنديين اسرائيليين واستدرجت الضابط الاسرائيلي نتنباو بعد التحرير ولم تعمد اسرائيل إلى مثل هذه الحرب.
وما فاقم وشجّع العدو على المزيد من الهمجية والعدوان الرأي أو الموقف العربي غير الملتبس المبرر للحرب في أيامها الأولى، وكذلك مواقف بعض أطراف الداخل ومواقف بعض الإعلام اللبناني الذي حمّل المقاومة المسؤولية وبدأ يطالبها بالتسليم بالأمر الواقع، وهو بذلك من حيث لا يدري أطال أمد العدوان ودفع العدو للاعتقاد بإمكانية تحقيق أهدافه السياسية. المشكلة أن بعض هؤلاء لا يزال يكرّر مقولات ما قبل 12 تموز عن المقاومة على رغم فشل العدوان والهزيمة الاسرائيلية التي لا يحبون أن يسمّوها انتصاراً للبنان كأن هذه الحرب لم تقنعهم بعد بخطورة المواقف التي يستمرون في إعلانها والتي لا يزال الأميركي يستفيد منها في محاولة لفرض شروط سياسية لم ينجح العدوان العسكري في تحقيقها.
ليس هذا الكلام لتخوين أحد بل للفت النظر والاعتبار والمراجعة والاعتراف بالخطأ وخاصة من قبل مَنْ اعتاد الاعتراف بالخطأ.
يجب أن تيأس اسرائيل من وجود فريق لبناني داخلي يمكن الرهان عليه لتسليمه البلد على أنقاض المقاومة. هو نفسه الرهان الاسرائيلي الذي أسّس لاجتياح عام 1982 بوجود فريق لبناني قوي مثّله آنذاك الشيخ بشير الجميل ليسلّم البلاد على أنقاض فريق المقاومة الوطنية والفلسطينية آنذاك. وما دام هذا الرهان يتجدّد داخل لبنان فستبقى إمكانية تكرار العدوان الشامل قائمةً مع أننا نعتقد بأن سقوط المشروع الاسرائيلي عام 1982 وسقوط الحرب الجديدة عام 2006 ربّما تكون درساً كافياً للاسرائيليين، ولكن هل تكون درساً مقنعاً لبعض اللبنانيين؟.
* إعلامي لبناني