وليد رعد *
مع بداية العدوان الاسرائيلي على لبنان أطلّت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لطمأنتنا إلى أن ما نشهده هو مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد، ولئن كان الجانب العسكري لهذا المشروع قد فشل بفعل الهزيمة التي مُني بها الجيش الاسرائيلي وفشل حكومة أولمرت في تحقيق الأهداف التي أعلنتها مع بداية الحرب، فإن الجانب السياسي المرافق لهذا المشروع قد شرعت الحكومة اللبنانية الصديقة كما سمّاها الرئيس الأميركي جورج بوش، بالفعل في تطبيقه في لبنان. وقد شرعت هذه الحكومة في القيام بما هو مطلوب منها عندما اتخذت مع بداية العدوان قراراً باستدعاء السفير اللبناني في واشنطن فريد عبود، وجريمته أنه أطل على الشاشات الأميركية وأعلن أن السبيل إلى حل الأزمة القائمة يأتي عبر تبادل الأسرى بين اسرائيل وحزب الله وأن السبيل الوحيد إلى عودة الهدوء الى جنوب لبنان يأتي عبر الانسحاب الاسرائيلي من شبعا. وفيما يتطابق هذا الموقف مع مواقف الحكومة اللبنانية في حينه ومع بيانها الوزاري، انبرى عدد من رموز الأكثرية في الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الوزراء في الثالث عشر من تموز 2006، الى الدعوة لمعاقبة عبود على مواقفه هذه حتى خيِّل للبعض أن الجلسة لم تعقد لبحث كيفية مواجهة العدوان الاسرائيلي إنما للتصدّي لعبود ومن يقف ورائه. وبالفعل أخذ المجلس قراراً باستدعائه إلى الإدارة المركزية، وهو إجراء تأديبي قاس لم يُتخذ حتى بحق السفير اللبناني في كاراكاس على رغم كل الاتهامات التي وُجّهت إليه بسوء الإدارة، وهو ما أكدته اللجنة التي أُرسلت الى فنزويلا في تقريرها الذي رفعته إلى مجلس الوزراء. وقد استُبدل الدكتور عبود بحكم الأمر الواقع بالديبلوماسية السيدة كارلا جزار. وقد تفاعل الإعلام الأميركي مع السيدة جزار وخصصت «واشنطن بوست» إحدى أهم الصحف الأميركية موضوعاً خاصاً عنها يشيد بانفتاحها ومدى تفاهمها مع الإعلام الأميركي وكيف أنها نقيض لمن سبقها، وهنا المقصود السفير عبود. وقد استغلت جزار المناسبة لتعرب عن إعجابها بالولايات المتحدة ومدنها الحضارية فيما كانت تقول إنها وعائلتها في لبنان كانوا يفتقدون حتى الكهرباء في منزلهم!. وفي وقت قياسي تمكّنت من إقناع جميع المتابعين وخصوصاً في الولايات المتحدة بأنها خلافاً لمن سبقها تؤمن بالأمل الكبير الذي أنتجته ثورة الأرز، مضيفةً أن النجاح في طرد القوات السورية من لبنان أعاد له استقلاله، وأنها ظنت أن ذلك سيكون نهاية المعاناة، وإذا بحزب الله يعيد البلاد الى الوراء مجدداً بخطفه الجنديين. والوجه الثاني الذي عبّرت عبره الحكومة اللبنانية الصديقة للولايات المتحدة عن تجاوبها واستعدادها للمضي قدماً في مشروع الشرق الأوسط الجديد كان في طريقة تعاطيها مع ما سُمّي فضيحة ثكنة مرجعيون، إن بإعطاء أوامر الاستسلام وحسن الضيافة وتقديم الشاي والبسكويت لجنود الاحتلال الاسرائيلي وإن بإسراعها إلى تبرئة آمر الثكنة العميد عدنان داوود الذي شاهده العالم يمازح ويحدّث ويكرّم جنود العدو. إذاً، المعادلة سهلة: فريد عبود معاقب ومذنب لدفاعه عن حق لبنان في استعادة أسراه وتحرير أراضيه المحتلة، فيما العميد داوود قام بواجبه الوطني بتسليم نفسه ورجاله وعتاده الى قوات العدو واستضافتهم وتكريمهم كما تقتضي الأصول الشرق أوسطية الجديدة!
* باحث سياسي