وليد شرارة
شكّل الموقفان السعودي والمصري من العدوان الاسرائيلي على الشعبين اللبناني والفلسطيني غطاءً سياسياً عربياً لهذا العدوان من دولتين محوريتين في المنطقة. وقد شجع هذا الغطاء المعتدين على المضي قدماً، وبشكل غير مسبوق، في سياسة القتل والتدمير. لكن صمود المقاومين وتداعياته على الشارع العربي أجبرا النظامين على التراجع خطوة الى الوراء وإدانة جرائم الحرب الاسرائيلية. اليوم، وبعد سكوت المدافع واستعار الهجوم السياسي الأميركي ــ الغربي لمحاولة تحقيق أهداف العدوان عبر الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، عاد النظامان للمساهمة النشطة في هذا الهجوم. وإذا كان دور الدول الغربية في إطار هذا الهجوم هو المساهمة العملية في إحكام الحصار على لبنان والمقاومة وتكثيف الضغوط على الحكومة اللبنانية لإجبارها على الإذعان للشروط الاسرائيلية، فإن الدور العربي يتلخّص في محاولة امتصاص مفاعيل الصمود اللبناني عربياً من خلال إنكاره أولاً والتشكيك في عروبة صنّاع هذا الصمود ثانياً.
المستمع للخطاب البكائي المصري والسعودي عن معركة لبنان لا بد من أن يُصاب بالإحباط. فلبنان، حسب الرئيس المصري حسني مبارك، «هو الخاسر الوحيد في الحرب الأخيرة، فقد دُمّرت كل مقومات الحياة فيه من محطات كهرباء ومياه وجسور وطرق وغير ذلك، وإن الآلاف من أهل لبنان قتلوا وأصيبوا من دون ذنب». كان من الأجدر بصاحب هذا الحسّ الإنساني المرهف وهذه العواطف الصادقة تجاه الشعب اللبناني أن يمتنع على الأقل عن توفير الغطاء السياسي للجزّارين. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لا تُقاس نتائج معارك الحرية الكبرى بحجم الخسائر البشرية والمادية، وإلا لكانت أبرز ملاحم التحرر الوطني في القرن العشرين هزائم بالنسبة إلى الشعوب التي خاضتها. فالثمن الذي دفعه الشعب الجزائري أو الشعب الفيتنامي طلباً للحرية والاستقلال فادح إن قيس انطلاقاً من اعتبارات إنسانية مجردة. الرئيس المصري، كعسكري سابق، يعرف أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى وأن الانتصار أو الهزيمة، بالنسبة إلى أي طرف من أطراف الحرب، مرتبطان بالنجاح أو بالفشل في تحقيق أهدافها السياسية. في ضوء هذا التعريف، يسهل الاستنتاج أن المقاومة الإسلامية، في مواجهة تحالف اسرائيلي ــ غربي مدعوم من نخب حاكمة عربية، حققت انتصاراً مدوياً عبر منعها الغزاة من تحقيق أهدافهم وإلحاقها خسائر كبرى بهم.وقد اعترف قادة وخبراء اسرائيليون بهزيمة دولتهم في هذه المواجهة. لا يستطيع الرئيس المصري إلا أن يتجاهل هذه الحقيقة. فما يترتب سياسياً على الإقرار بها لا يقل عن التخلّي عن نهج كامب ديفيد والعودة الى إحياء الخيار العسكري باعتباره سبيلاً من سبل الدفاع عن الحق العربي إن عجزت السياسة عن ذلك. أما ضباط الجيش المصري وجنوده وأبناء الشعب المصري عامة فلا شك في أنهم ينظرون الى التجربة اللبنانية بفخر وأمل. التشكيك بعروبة المقاومين ينطلق من الإشارة الى العلاقة الخاصة بينهم وبين «دولة غير عربية» وهي إيران. سمحت هذه العلاقة للمقاومين بتحقيق إنجازين: تحرير الجنوب وإحباط العدوان الاسرائيلي الأخير. تُرى ما هي أوجه استفادة الشعبين، السعودي والمصري، من «العلاقات الخاصة» التي تجمع بين نظاميهما وأميركا؟