ساسين عسّاف *
حزب الله شارك في السلطتين التشريعية والتنفيذية وفي الحوار الوطني.
جواب هؤلاء هو الآتي: مشاركة حزب الله مسنودة بقوة سلاحه.. وسلاحه يشكل ضغطاً معنوياً ونفسياً وربما مادياً على سائر شركائه!!
هل هذه الخشية هي في مكانها؟ هل الجواب مقنع ومنطقي وسليم؟
يوم انسحاب وزراء حزب الله وأمل من جلسة البحث في كلام الرئيس بشار الأسد الذي تناول فيه رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة، ومن جلسة الموافقة على طلب تأليف المحكمة ذات الطابع الدولي، لم يتوقف مجلس الوزراء عند هذا الانسحاب ولم يعلّق جلساته بل أكمل زهاء شهرين أعماله بشكل طبيعي وعادي.. أما على طاولة الحوار فالجميع يشهد للسيد حسن نصر الله بأنه يعرض موقفه وتصوّره للاستراتيجيا الدفاعية ويناقش بعقلانية وهدوء وروح علمية ومسؤولية وطنية وأخلاقية عالية من دون تعال على أحد أو استفزاز لأحد.. فلماذا إذاً خوف هؤلاء من سلاح المقاومة؟
خوفهم هو من تحوّله من سلاح مقاوم لاسرائيل، من سلاح تحرير، الى سلاح إرهاب الداخل واستفزاز بعض أطرافه ودفعهم الى التسلح والمطالبة بالأمن الذاتي..
إن هذا المنطق التخويفي يرى في المقاومة مشكلة داخلية يجب التخلّص منها لا قوة وطنية يجب المحافظة عليها.. هذا المنطق يربط سلاح المقاومة بالإرهاب الداخلي وبالهيمنة وبإسقاط الصيغة، فهذا السلاح وفقاً لهذا المنطق يمنح الطائفة الشيعية امتيازات على سائر الطوائف والقوى السياسية الأخرى. وهذا، في رأي هؤلاء، ما يشكّل اعتداء على الصيغة التي جاءت في وثيقة الوفاق الوطني لتنهي امتيازات الطوائف وترسي التوازن السياسي الوطني بين جميع الطوائف والمذاهب والفئات.
الرد على هذا المنطق التخويفي من ترهيب افتراضي يمارسه حزب الله على سائر الأحزاب والقوى السياسية يأتي من السيد حسن نصر الله نفسه:
ــ السلاح قابل للحوار.. هذا الكلام ردّده السيد غير مرة.. وهو كلام يتوافق ومنطق التسوية وتفهّم الآخر والانفتاح على رأيه.
ــ قبول السيد لقرار مجلس الوزراء بشأن المحكمة الدولية الذي اتخذه المجلس في غياب الوزراء الشيعة هو قبول بمنطق الأكثرية والتزام قرارها، اعتبره السيد أمراً مكتسباً.. و“القرار مأخوذ ولن نطالب بالعودة عنه”..
ــ دعوته الغالبية الحكومية والنيابية الى القول إن المزارع غير لبنانية رافقها إعلان صريح: “.. فنوقف عملياتنا في المزارع.. وهذا تعهّد..”، أوليس في هذا الكلام انصياع لمنطق الصيغة؟ أوليس فيه تسليم بمنطق الأكثرية؟
ــ عدم اعتراض السيد نصر الله على “نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وعلى تنظيمه داخلها”، ورفض العودة الى مرحلة ما قبل 1982 دليلان واضحان على مماشاة منطق سائر الأطراف الجالسين معه إلى طاولة الحوار.
ــ عدم اعتراضه على ترسيم الحدود مع سوريا وإقامة تمثيل ديبلوماسي بين البلدين دليل ساطع على أن حزب الله هو حزب لبنان يقدّم المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى وليس هو كما يريد أن يصوّره البعض حالة سورية في لبنان..
الإشكالية الخامسة: سلاح المقاومة وحقيقة الخلاف بين اللبنانيين:
الخلاف بين اللبنانيين هو خلاف في مستوى الأفاهيم الأساسية التي تقوم عليها الدولة.. وحدة الأفاهيم السياسية بين الناس شرط ضرورة وكفاية لوضع السياسات العامة والاستراتيجيات الوطنية:
أفهوم العلاقة بالولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً ليس واحداً بينهم..
أفهوم الموقف من اسرائيل وفهم طبيعة هذا الكيان ليس واحداً بينهم.. هل المواقف المعلنة من “اسرائيل” تعبّر فعلاً عن حقيقة النوايا والتمنّيات؟ كيف يكون الأمر صحيحاً إذا كان فريق من اللبنانيين يرى في انتصارها على المقاومة انتصاراً له عليها ويرى في انتصار المقاومة على اسرائيل هزيمة له؟!
أفهوم العلاقة بسوريا وفهم نظرة سوريا الى لبنان ليس واحداً بينهم..
أفهوم العلاقة بإيران والموقف من اهتماماتها بلبنان ليس واحداً بينهم..
أفهوم السيادة والاستقلال والحرية من حيث هي قيم مرتبطة بكرامة الوطن والمواطن ليس واحداً بينهم..
والأشد خطراً والأبعد أثراً هو الخلاف على الهوية وترجمة هذه الهوية الى علاقات ومواقف والتزامات يوافق عليها الجميع عبر المؤسسات الدستورية والآليات القانونية..
الخلاف بين اللبنانيين منذ قيام الدولة اللبنانية حتى اليوم ومروراً بكل الأزمات الوطنية الكبرى هو خلاف على هوية لبنان السياسية.. لذلك اجتمع اللبنانيون على الصيغة واختلفوا على الدولة. والصيغة التي اجتمعوا عليها في عام 1943 والصيغة التي اجتمعوا عليها في عام 1989 هما عبارة عن “سوء تفاهمات مقبول بها”.. هنا تكمن هشاشة الصيغة وتالياً موانع قيام دولة.. الصيغة، بانعدام وجود دولة، معرّضة للسقوط عند خيارات مصيرية مشدودة الى تلك الأفاهيم أو التفاهمات السلبية. الخلاف بين اللبنانيين إذاً هو خلاف في العمق حول هوية لبنان السياسية وكيفية تجسيد هذه الهوية وتعيين موقعها وتحديد دورها في صراع الأمم والشعوب وتخصيصاً في الصراع العربي/الصهيوني..
الأزمة الوطنية الراهنة التي استدرجت الحرب الأميركية/الصهيونية على لبنان في الثاني عشر من تموز هي في العمق أزمة انفصام بين واقع سياسي معقّد ونص دستوري بسيط يوحي للكثيرين، ونحن لسنا منهم، أن الأزمات تُحلّ بالعودة إلى رأي الأكثرية في مجلس الوزراء إذا استحال التوافق..
لسنا في أزمة عابرة.. إننا في أزمة وطن ودولة وهوية.. والأزمات الوطنية تتجاوز النصوص الدستورية القائمة الى وجوب عقد تفاهمات جديدة تفرضها طبيعة التحديات المطروحة في كل مرحلة..
(حلقة ثانية وأخيرة)
* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي وأستاذ في الجامعة اللبنانية