وليد شرارة
بعدما هدأت المدافع، بدأت مرحلة تصفية الحسابات. قوى الأكثرية الحكومية كانت قد أنذرت بذلك، وقد أعذر من أنذر كما يقول المثل المعروف. عادت دروس تعليم الوطنية لمن فقدوا أهلهم وبيوتهم، ولقنوا اسرائيل درساً لن تنساه، عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. المعلمون المتطوعون لهذه المهمة النبيلة كثر، وقد اختير بعضهم بعناية، مع الحرص على أن يكونوا من ملة «المتلقّين»، علّ ذلك يسهّل عملية التلقين لجمهور تحركه العصبية والمعتقدات المذهبية لا القناعات الفكرية والسياسية، كما هي حال بقية المواطنين اللبنانيين طبعاً. لم تنفع تأكيدات حزب الله وأمينه العام أن الخلاف على سلاح المقاومة يتجاوز الانقسامات الطائفية التقليدية في لبنان، وأن هناك لبنانيين من جميع الطوائف متمسكون بهذا السلاح وأن هناك آخرين، من جميع الطوائف أيضاً، مصرّون على نزعه. تسعى قوى الأغلبية الحكومية الى تطييف النقاش حول قضية سلاح المقاومة واعتبارها دليلاً على إشكالية أكبر، هي عدم حسم الشيعة، كجماعة، مسألة الولاء للبنان وخيار الاندماج الكامل في الجماعة الوطنية. هذا معنى قيام النائب وليد جنبلاط مثلاً، بتلاوة مقتطفات، أخرجها من سياقها التاريخي والسياسي، من كتاب للعلامة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين يحثّ فيها الشيعة على الاندماج في مجتمعاتهم وأوطانهم. ومما يجدر ذكره، أن النائب جنبلاط كان من السباقين الى الترويج محلياً لنظرية الهلال الشيعي، ذات المنشأ الأميركي لا الأردني كما يظن البعض، قبل أن يتجرأ آخرون على ذلك. فعل ذلك في ظل اشتداد مناخات الاحتقان المذهبي إقليمياً، على خلفية التطورات العراقية، واستسهال بعض القادة العرب وبعض وسائل الاعلام النفطي التشكيك في عروبة الشيعة وفي ولائهم لأوطانهم. وهو اختار أن يلقي محاضرته عن معاني الوطنية والاندماج الاجتماعي للشيعة مباشرة بعد ملحمة الصمود اللبناني التي كان احد أبرز مفاعيلها عربياً كسر مناخ الاستقطاب المذهبي وإجماع جماهير الأمة مجدّداً على خيار المقاومة. لا يمكن فهم هذا الموقف الا في اطار الحملة التي تشنها بعض الأنظمة، الهادفة الى احتواء مفاعيل الصمود اللبناني عربياً من خلال التشكيك بعروبة صنّاع هذا الصمود.
« الشريك الشيعي» المطلوب من الأكثرية الحكومية، هو ذلك الذي يستطيع الترفع فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، فيتجاهل أين يقع الجنوب اللبناني وطبيعة الأطماع والسياسات الاسرائيلية تجاه هذه المنطقة منذ بداية الغزوة الصهيونية لفلسطين وتخلي الحكومات اللبنانية المتتالية عن واجبها الوطني في الدفاع عن جزء من بلدها. إن فعل ذلك سيتيح الحصول على شرف الانتماء لجماعتهم الوطنية الخيالية الموجودة في عالمهم الوردي، حيث يعمّ الحب والسلام، لكن البعيدة كل البعد عن الشرق الأوسط، وهي منطقة يصر بعض الجنرالات الأميركيين على تسميتها «قوس المجازر».