فيما كان يتوقع الكثير من المراقبين تراجعاً نووياً ايرانياً على خلفية قرار مجلس الأمن 1696 الذي يعطي طهران مهلة حتى نهاية الشهر الجاري لوقف أنشطتها النووية، إذا بالايرانيين يطلقون مفاجأة من العيار الثقيل، ويتقدمون شوطاً طويلاً على الصعيد النووي من خلال الإعلان عن امتلاكهم مصنعاً يعمل بالماء الثقيل، ناقلين بذلك معركتهم النووية مع الغرب من جبهة تخصيب اليورانيوم المتدني النسبة، الى جبهة الماء الثقيل الذي يعتبر انجازاً عملاقاً لا طائل من الكلام عن التخصيب في ظل امتلاكه، حيث يمكن استخدامه لاستخراج الطاقة النووية بعيداً عن التخصيب ونسبه المتدنية والمرتفعة.وإذا كان الرد الايراني على رزمة الحوافز الغربية، قد شكل، الى حدّ ما، رسالة مرنة الى المجتمع الدولي تظهر فيها طهران استعدادها للتعاون والتفاوض، فإن مفاجأة الماء الثقيل التي تزامنت، تقريباً، مع هذا الرد، إنما كانت بمثابة رسالة صارمة حاول الايرانيون من خلالها فرض أمر واقع جديد والقول بأن أية مفاوضات محتملة بين طهران والمجتمع الدولي يجب أن تقفز فوق الكثير الذي أنجز، الى القليل الذي لم يُنجز، وفي هذا الحيز لا مشكلة في تقديم تنازلات.
وفي السياق نفسه، جاءت تصريحات الرئيس الايراني أحمدي نجاد، خلال إعلانه عن مصنع الماء الثقيل، عن أن بلاده لا تشكل تهديداً لأحد بما في ذلك اسرائيل، لتفتح الباب واسعاً، وبطريقة مفتعلة أحياناً، أمام الكثير من التساؤلات والتكهنات حول تحول ايراني ما في العلاقة مع اسرائيل.. حتى إن البعض ذهب بعيداً ليتحدث عن ملامح صفقة شاملة بين ايران وأميركا تبدأ برسائل ايرانية تطمينية لاسرائيل.. غير أن كلام أحمدي نجاد، وبكل بساطة، إنما جاء في سياق تأكيده أن قدرات ايران النووية ستبقى محصورة في المجال السلمي، وأن ايران لا تشكل تهديداً نووياً لأحد بما في ذلك اسرائيل.
لعل الطريقة الناجحة التي أدارت بها طهران ملفها النووي، والتي اعتمدت بشكل أساسي على عاملي السرية والمفاجأة، سوف تؤدي في النهاية الى حصولها على كامل حقوقها النووية، وبخاصة في ظل عجز أميركي ــ غربي عن اتخاذ أي إجراء مجد من خارج مجلس الأمن، وانقسام دولي واضح في داخل هذا المجلس.. ويبدو أن جلّ ما ستقدمه طهران، في نهاية المطاف، من تنازلات وضمانات هو تطمينات بأنها لن تجنح نحو امتلاك القنبلة النووية.
متى سيتعلم العرب من الايرانيين درساً في السيادة وعدم التفريط في الحقوق.
حبيب فياض