ليس الإفلاس السياسي الذي يعانيه البلد، بأقل خطورة من الإفلاس الأخلاقي، وهو الإفلاس الذي ترجم نفسه في مواقف زيّنت الأيام التي تلت العدوان الإسرائيلي. اجتماع الإفلاسين كفيل بمضاعفة المخاطر ومفاقمتها، الى حدود قد يصعب معها تأمين المخارج، التي من شأنها أن تحمي المقومات المتبقية.وفي حين يصعب التمويه على الإفلاس الأخلاقي، فإن للإفلاس السياسي خاصيات تجعل من تبيّنه أمراً يتسم ببعض الاستعصاء، وخصوصاً أن الأوجه العائدة له تملك قدرة التواري والاختباء.
لا شك بأن العدوان الاسرائيلي قد وضع البلد أمام تحديات جديدة غير مسبوقة، وهذه التحديات تفرض على الفريق السياسي الممسك بخيوط السلطة نمطاً آخر من التعامل، فما كان ممكناً قبل العدوان لم يعد كذلك. الوقائع الحكومية الأخيرة والمعبّر عنها بنوع الخطاب السياسي ومستواه، والذي أقل ما يقال فيه إنه يواصل نهج التعامي عن متطلبات اللحظة السياسية الحرجة، وما تتطلبه من ضرورة التغيير والإقلاع عن الأوهام، تفرض القول بتعذر البناء المستقبلي على الواقع السياسي نفسه، وخصوصاً أن الارتباط بين كمّ الأزمات وهذا الواقع أكثر من بنيوية.
لم يكن العدوان الاسرائيلي لينفلت على النحو الذي شهدناه لو لم يستند الى حسابات دقيقة ارتكزت بدورها الى توزيع واسع ومحكم للأدوار.
إن السقوط المدوّي للعدوان وأهدافه، يفتح الباب أمام واجبات استكمال الإسقاط الكامل لتداعياته، وهذا لا يتمّ من دون استبدال الحكومة القائمة، بأخرى تعكس التشكيل الحقيقي للموازين. لم يعد هدف إسقاط الحكومة أمراً خاصاً تستوجبه صراعات الحصص السياسية. إن هذا البعد على أهميته ليس كافياً، فالأمر بات يتصل بموقع البلد وهويته العربية.
إن اقل ما يمكن توقعه اليوم هو رحيل هذه الحكومة التي لم تفعل غير الانتظار، انتظار ما ستسفر عنه المواجهة، مع ما يعني ذلك من تخل موصوف عن الوظيفة المفترضة لها، التي تحاول اليوم استعادتها من بوابات القرار 1701.
لقد نجح حزب الله في تجاوز القطوع، وهو أمر ما كان ليحصل بسهولة، وخصوصاً أن الامتحان الذي خضع له كان بالغ الصعوبة. اليوم ومن بعد النجاة صار مفروضاً عليه أن يبادر الى الكف عن سياسة المراضاة التي ساهمت في جعل البعض يضاعف من قوته، ويستخدم هذه القوة في زيادة الانكشاف الداخلي.
يوحي الخطاب «الأكثري» أن «الدولة» أمست في متناول اليد، وأن العائق الوحيد الذي يمنع قيامها ينحصر في وجود «حزب الله»، وامتناعه عن الاندراج في مشروع الدولة والقبول بها.
تنطلق الفكرة من أساس متين يعتقد أن في تصوير الحزب كخارج عن الدولة، سوف يضع الحزب في زاوية صعبة تفرض عليه المسارعة الى قبول الشروط المفروضة، وتنفيذ ما تقتضيه طواعية، غير أن أحد الأهداف هو التغطية على استمرار التهرب من موجبات العجز، وما تفرضه من استقالة من كافة الأدوار والوظائف التي تم التطوع لها.
زياد سعيد