غسان سعودما زالت غريزة لبنانيين كثر وعقلهم يعجزان عن فهم عقل «الحالة العونية» وغريزتها. وما زال سياسيون وإعلاميون كثر يحاولون استثمار الانجراف العوني نحو المقاومة لتشتيت شعبية العماد ميشال عون انطلاقاً من مفهوم خاطئ لا يفهم ولا يتفاعل مع إيمان «الحالة العونية» والملتفين حولها بأن الثالث عشر من تشرين الأول 1990، يوم خسر العماد عون كل سلطته المادية والمعنوية، إنما كان بنظر العونيين يصنع الانتصار، ويثبت حلماً بالعظمة يراود الشعب اللبناني منذ ما قبل سعيد عقل ومعه وبعده، ألا وهو هزيمة الموت وإثبات فعل القيامة، وتنفيذ الوعد بأن العالم يستطيع أن يسحق الأحرار لكنه لا يأخذ توقيعهم.
يعجز سياسيو الرابع عشر من شباط والملتفين حولهم عن فهم المفردات العونية الواضحة التي ترفض الاحتلال والوصاية والإملاءات من أينما جاءت. وينسى هواة الحرية والسيادة والاستقلال ومستثمريهم أن شعب «الحالة العونية» صفّق كثيراً، وازداد احتشاداً وتأييداً لعماد التحرير يوم طرد السفير الأميركي من قصر بعبدا لأنه أراد أن يفرض على اللبنانيين ما لا يريدونه. وينسى هؤلاء أن الضربة العسكرية لميشال عون والشعب والجيش، ومحاصرة شبابه وإقصائهم عن الوظائف والخدمة العامة، لم يمنعوا نمو التيار وسيطرته على معظم المجالس الطالبية في الجامعات. وأن التشهير بميشال عون وتسليط ملفات قضائية فوق رأسه وتحقيره يومياً في الإعلام، لم تؤثر في اللبنانيين. وكان عون يمحو من ذاكرتهم كل ما قيل ضده بمجرد إطلالة يظنها سياسيو الوطنية وتجارها فاشلة ولكنها تؤثر بالمواطنين بطريقة عجيبة. ويخيل لهؤلاء أن ميشال عون كان قادراً على الخروج أمام اللبنانيين والقول لهم إنه ضد «المغامرات» الثورية والبطولية، منقلباً بذلك على «مغامراته» ومبادئه وقيمه. وكأن الذي خاض بجانب شعبه وجيشه «العظيمين» حرباً تحريرية ضد سوريا رغم الاختلاف الهائل في موازين القوى لمصلحتها، يستطيع أن يواجه شعبه وتياره بالقول إنه متردد في مقاومة العدوان والتصدي للحصاروكأن «الحالة العونية» نسيت ما قاله السياسيون أنفسهم بحقها يوم ثارت وتمردت وتبنّت بالمطلق «قاوم حصارك لا مفر». أو نسيت مئات التهم التي سيقت ضدها بالعمالة لإسرائيل وتهديد السلم الأهلي من الطبقة نفسها التي تعدّ اليوم للانقضاض على المجتمع الشيعي بعد انتهائها من افتراس المجتمع المسيحي. وسقط من رؤية «سياسيي الانقلاب» أن ثقافة الحالة العونية المغايرة لثقافتهم، وسلوكها طوال السبعة عشر عاماً الماضية قامت على رفض الاحتلال والعدوان، وترقب ولادة «لبنان القوي» الذي أرادوه منذ العام 1989 قادراً على الوقوف أمام العالم وقول «لا».
وتتعامى قوى الرابع عشر من شباط عن واقع أظهر أنه قبل تعليق العماد ميشال عون على حدث 12 تموز، وقبل أن يجتمع التيار الوطني الحر أو تكتل التغيير والإصلاح، وقبل إصدار أية تعليمات، هبّ العونيون بعفوية، من منيارة الأرثوذكسية وعكار العتيقة السنية وعندقت المارونية في عكار، مروراً بالضنية والبترون وكسروان والأشرفية والمصيطبة ليثبتوا مرة جديدة فعل المقاومة والعمل من أجل حرية وسيادة واستقلال حقيقي. وهذه جميعها، لم يأخذ العماد ميشال عون المسيحيين إليها، وإنما هم الذين أخذوه نحوها وخصوصاً أن الدين المسيحي تأسس على مبدأ القيامة، التي لا وصول إليها إلا بعد الموت. والتضحية التي طالب عون المسيحيون بتقديمها، ودفعت البعض إلى اتهامه أنه يسوق ثقافة الموت من خلالها. إنما تنطلق من حقيقة مسيحية أنه لولا الصلب لما مرّت الرسالة المسيحية إلى العالم.