فادي عرمان
يبدو أنّ مقالة الأستاذة الجامعية منى فياض في الزميلة النهار “أن تكون شيعياً الآن” قد دشّنت نمطاً جديداً من الكتابة الصحافية التي تأخذ على عاتقها تحديد معاني ومرتكزات أن تنتمي إلى مجموعة ما اليوم. فقد فاتحنا السيد عزيز كرم بنص عنوانه “أن أكون يسارياً اليوم؟” (النهار، ٢٩ آب ٢٠٠٦) يحدّد فيه خمسة مرتكزات لما يراه أساساً في هوية اليساري، وسبع نقاط للموقف الذي يجب على ذلك اليساري اتخاذه من الأحداث الراهنة.
ملاحظة أولى حول التوقيت. فقد يختلف المرء مع الصورة التي رسمتها د. منى فياض عن “الشيعي الآن”. وقد كُتب الكثير من الردود، والردود المضادّة في هذا الصدد، إنما لا يختلف اثنان على أن الطائفة الشيعية اليوم في قلب الحدث السياسي والميداني بعد التدمير المنهجي للمدن والقرى ذات الأكثرية الشيعية. أمّا اليسار ككتلة سياسية فاعلة، فلم يتصدّر الحدث منذ زمن طويل. فما هي الرهانات الطارئة التي تستوجب اليوم تحديد ملامح هذا الكائن الذي انتقل سريعاً من الصبا إلى الشيخوخة؟
البؤس أيضاً نجده في ترجمة عزيز كرم المختصرة لليساري اليوم: “مدنياً علمانياً، ديمقراطياً حراً وطنياً”. عفواً، ولكن ألم يكن ما سمي بالعدالة الاجتماعية يوماً بنداً أساسياً في تكوين الهوية اليسارية؟ تلك الهوية التي بنت تمايزها عن المولودة الثانية لعصر الأنوار، الليبرالية، بإضافة العدالة الاجتماعية إلى ما عدّده السيد كرم؟
اليسار اليوم، عمّالاً وفلاحين وطلبة، يردّد لازمة: “أن تكون حمايتنا ومرجعيتنا المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن وجامعة الدول العربية، بعيداً من الدخول في محاور من هنا وهناك”. ما يميّز هذا اليساري الوديع هو قراءته “الميوبّيّة” للسياسات في هذه البقعة الجغرافية، وإهماله لموازين القوى في العالم. فإن كانت إحدى سمات يساري الأمس هي مقاربة الأمور من منطلق فضح آليات السلطة والاستغلال كمقدمة للتغيير المرتجى، فاليساري الوديع يناضل من أجل الحماية الدولية، تلك الأسرة التي نجحت في إيقاف العدوان الإسرائيلي في غضون أيام قليلة من بدايته، كما استطاعت أن تجنّب الشعب اللبناني العقاب الجماعي المستمرّ بحراً، بّراً وجوّاً!
أن أكون يسارياً يعني “أن أدعم هذه الحكومة... أن أكون مع القرار الدولي ١٧٠١... وأن أستنكر وأشمئزّ من كل محاولة ومن كلّ طرح ومن كل تشاطر أو شطارة، لوضع العصيّ في دواليب تنفيذ هذا القرار... وأرفض أية محاولة مؤداها (مرّة جديدة) مساكنة ما بين سلاح الدولة وسلاح “حزب الله”.
مع يسار كهذا من يحتاج إلى يمين؟