ساسين عساف*
عدوان صهيوني متجدد وحرب إبادة مستمرة يتعرض لهما الشعب الفلسطيني المقاوم... همجية عنصرية لا مثيل لها وتواطؤ دولي مريب وصمت عربي قاتل وأبرياء يستشهدون ومقاومة لا يلين لها ساعد...
هذا هو المشهد المخضّب بدم الشهداء والشاهد على الإجرام الصهيوني العريق وإرهاب الدولة العظمى التي يديرها اليمين المتصهين المنتهك لكل القوانين والأعراف والمعاهدات والمواثيق الدولية... عنصرية العدوان تحميها وتدعمها إدارة أميركية فاشية متحلّلة من جميع القيم الإنسانية والأخلاقية، تزرع الموت والدمار في منطقة تمتد من كابول الى غزة ثأراً لمشروعها المنهزم في العراق والعاجز في إيران والمكبّل في سوريا والخاسر في لبنان... والمستحيل في فلسطين..
بين عشرة آلاف معتقل أو يزيد اختُطفوا من منازلهم ومن مزارعهم وحقولهم ومصادر رزقهم ومن بين أحضان الأمهات والآباء ومن أعين الأطفال الى معتقلات الارهاب الصهيوني، ممنوع على أصحاب القضية أن يطالبوا بالإفراج عنهم.. بين هؤلاء وجندي واحد يُؤسر وهو في موقع حربي يعتدي على أصحاب الحق والأرض مفارقة تكشف مدى العنصرية الحاكمة في العالم والمتحكّمة بالشعوب المستضعفة ومدى التمييز ظلماً بين شعب وآخر، بين إنسان وآخر، وتظهر الخلل الفاضح في موازين العالم الجديد الذي نحن العرب، بفضل أيدينا، مدعوون الى الدخول في نظامه أصفاراً على اليسار مستتبعين ومحتقرين.
لقد نسي العالم فلسطين الأسيرة وإذ قضيته قضية جندي أسير بات في عينيه الضحية، وشعب منكوب ومعتقل بأسره بات في عينيه جلاده!
حكومات الدول الغربية تعيش في رُهاب صهيوني مرضي اسمه «اسرائيليو فوبيا»... وهي تعيش كذلك في افلاس أخلاقي ينصر الجلاد على الضحية ويصمت عن شلالات الدم الفلسطيني التي تفجرها قذائف العدوان ويقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل جندي أسير حرب لم يخدش له جبين ولم تقطر من كفه نقطة دم.. شواطئ غزة بحر من دماء العوائل والأطفال، وأهل غزة، نساءً وشيوخاً وأطفالاً وطلاباً ورجالاً مقاومين، هم برسم الذبح اليومي وهم في أعين العالم الأعور لا يستحقون الحياة ولا الكرامة.. إنهم من «الأغيار» (الغوييم).. أما الآخرون فلهم الحق كاملاً بالحياة ولو كانوا معتدين، ولهم الحق كاملاً بالكرامة ولو كانوا قتلة أو إرهابيين..!
حكومات الدول الغربية مصابة بداء الصهيونية المزمن وليس لها منه شفاء...
جندي من جنود الاحتلال والعدوان والارهاب يقع أسير حرب بما تعنيه هذه الكلمة في معجم القوانين والمواثيق الدولية، فيقدّم له آسروه العناية الواجبة ويحظى باهتمام دولي معروفة أسبابه. أما أن يشكل هذا الحدث وسيلة ضغط عربي رسمي حكومي على الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم في تحرير أبنائهم الشهداء الأحياء من معتقلات التعذيب والارهاب فأمر معروفة أسبابه كذلك، ولكنها مستنكرة ولو لم تكن مستغربة في زمن الانهزام النفسي والمصلحي الضاغط على معظم الحكام العرب.
الكل يبحث عن خلاصه الفردي.. مُتعِب هو الدرس الفلسطيني لهؤلاء الحكام في الديموقراطية والمقاومة... السلطة الفلطسينية بوزرائها ونوابها المنتخبين بإرادة شعبية حاسمة ووفق آليات ديموقراطية سليمة تُعتقل وتُدمر ويُمنع عنها المال ويُعاقب الشعب الذي دعي الى اختيار نهجه وقياداته ففعل.. هذه السلطة الفلسطينية بنهجها الديموقراطي المقاوم مستفردة ومستهدفة منذ البداية لأن الديموقراطية فزّاعة الحكومات والأنظمة ولأن المقاومة تمنع حكام الاستسلام والانهزام من الإيغال أكثر في التبعية المطلقة...
إن أفظع ما بات يخشاه أحرار العرب هو أن يصبح الكيان الصهيوني شرط ضرورة وكفاية وأمان للحكومات والأنظمة العربية القائمة...!
حكومات الدول العربية أصابها تخدير أميركي تام طرحها في غيبوبة تامة فلا وعي عندها ولا وزن لها... لا بل من غرائب أمرها أن يتحول بعضها من شقيق مناصر الى وسيط ضاغط على شقيقه المظلوم لمصلحة عدوه الظالم... ومن غرائب أمر هذه الحكومات كذلك أنها تفتقر الى مفهوم للأمن القومي العربي، وفاقد الحس بالشيء لا يعي أهمية الحفاظ عليه... هذه الحكومات يستبد بها أمن النظام فتقايض الادارة الاميركية فلا تثير في وجهها قضايا الأمة ولا الادارة تثير في وجه الحكومات قضايا الأنظمة!
الهدف المعلن مما تتعرض له غزة هو تحرير جندي أسير حرب... وهدفه المخفي تحرير «السلطة الفلسطينية» من قيادة «حماس» وتصفية قياداتها وتهديم بنيانها والعودة بالقضية الى المربع الاول حيث لا دولة ولا انسحاب ولا قدس عربية ولا عودة للاجئ ولا اعتراف بحقوق شعب ولا شريك ولا تفاوض... الهدف الحقيقي إذاً لهذه الحرب على غزة هو تحرير «السلطة الفلسطينية» من حماس وإبقاؤها ضعيفة مدجّنة وخاضعة لشروط الاحتلال وشروط سلمه...
غزة هي بداية التحول لتفجير كبير أعده اليمين الاميركي المتصهين للوطن العربي من غزة الى لبنان وسوريا وسائر الأقطار إنقاذاً لجيش الاحتلال من عراق مقاوم.
غزة بصمودها هي بداية التحول لانهزام كبير أعدته المقاومة في الوطن العربي كله لمشروع السيطرة والنهب والتقسيم والترحيل والاحتلال والقضاء على الهوية القومية...
صمود غزة وحده لا يكفي لإدارة الصراع مع العدوان... لا بد من استراتيجيا سياسية فلسطينية موحدة مدعمة بموقف عربي واحد، ولو كان بعيد المنال فالسعي إليه واجب وضرورة، لفتح الآفاق الدولية على إعادة النظر في موقفها من حقيقة الصراع العربي الصهيوني... ولا بد كذلك من تأليف حكومة وحدة وطنية تنطلق، في عملها وموقفها من الكيان وفي مخاطبتها حكومات العالم، من مجموعة التفاهمات التي عقدتها أطراف فلسطينية متعددة حول «وثيقة الأسرى».. ولا بد كذلك من إعادة تأليف المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل حقيقة الشعب في الشتات وفي الداخل والذي له الحق وحده في أن يكون مركز حسم الخلافات...
بمثل هذا الأداء الوطني الفلسطيني المطلوب، فضلاً عن صمود غزة، يُدار الصراع في مرحلة دقيقة وحاسمة ملأى بالتحديات التي تواجه العرب مجتمعين ومنفردين من المحيط الى الخليج...
* عضو المؤتمر القومي العربي