محمد سيد رصاص *
وصفت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حرب تموز 2006 في لبنان بأنها «آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد»، فيما قدمت الولايات المتحدة «مشروع الشرق الأوسط الكبير» (13 شباط 2004) بعد عشرة أشهر من سقوط بغداد بأيديها، وكان من الواضح آنذاك أن هذا المشروع هو جدول الأعمال، سياسياً وثقافياً واقتصادياً وأمنياً، لما قالت واشنطن بأنه «إعادة صياغة المنطقة» بوصفه الهدف من غزو العراق على حد تصريح وزير الخارجية الأميركي كولن باول قبيل أسبوعين من بدء ذلك الغزو.
يوحي تصريح رايس بأن هناك إعادة اعتبار للدور الاسرائيلي في المنطقة (يذكّر بما كانت عليه الأمور بين صيفي 1967 و1982) وإلى مراجعة دور «الوكيل»، بعد طول تهميش له بدأ في حرب 1991 عندما منعته من الرد على الصواريخ العراقية أو الاشتراك في حرب رسمت معالم الشرق الأوسط اللاحق ثم أجبرته على حضور مؤتمر مدريد، فيما كان واضحاً بأن واشنطن بعد حضورها المباشر إلى إقليم الشرق الأوسط، في عام 2003، قد اتجهت إلى إعادة النظر بكل أدوار الدول الإقليمية الكبرى، ومنها إسرائيل،ما ولّد مفاعيل كبرى برزت في لبنان 2004ـ 2005 حيال الدور السوري هناك،ثم ظهرت منذ آب 2005 مع إيران التي اتجهت عبر استئناف برنامج التخصيب إلى حركة هجومية استباقية لتثبيت مكاسبها في العراق، ولاستغلال أوراقها في لبنان وفلسطين، قبل أن تفاجئها واشنطن بشيء شبيه بما جرى للسوريين في بيروت 2005.
هنا، من المؤكد بأن تل أبيب قد شعرت بارتياح كبير لما جرى في العراق بعد يوم 9 نيسان 2003، إلا أن الكثير من المحللين الاستراتيجيين الاسرائيليين، ومنهم زئيف شيف، قد أبدوا الكثير من القلق حيال مصير الدور الاسرائيلي بعد مجيء واشنطن إلى المنطقة لـ«قلع أشواكها بأيديها»، وهو مناخ لم يكن بعيداً عن أجواء السياسيين الاسرائيليين، وخاصة في اليمين الليكودي الذي كان تاريخياً أبعد من العماليين عن واشنطن، ولو أن شارون وناتنياهو وأولمرت ـ عندما كانوا في حكومة واحدة ـ قد أجمعوا على أن انشغال أميركا في العراق يتيح مجالاً لإسرائيل من أجل إنشاء وقائع جديدة على الأرض في الضفة الغربية والجولان، لم تكن متاحة بين مؤتمر مدريد وفشل عملية التسوية في صيف2000 أثناء مؤتمر كامب دافيد بين عرفات وباراك.
في هذا الإطار، كان لافتاً طرح أولمرت تنفيذ (القرار 1559) بوصفه هدفاً من أهداف حرب 12 تموز 2006 الاسرائيلية، فيما كان هذا القرار، مع صدوره في 2 أيلول 2004، يعبر عن آلية تنفيذية لعملية إعادة الصياغة الأميركية للمنطقة الممتدة بين كابول وغزة، وكان يشكّل الجرافة لإزالة العقبات أمام ما بدأ في 9 نيسان 2003 ببغداد. وقد تلاقت الولايات المتحدة مع آليات داخلية لبنانية في ربيع 2005 لتنفيذ الشق المتعلق بالوجود السوري في لبنان بسبب التراكمات السلبية التي ولّدها الأداء السوري عند غالبية البنية الاجتماعية اللبنانية، إلا أنها لم تستطع أن توجد آليات مماثلة فعالة تجاه الشق المنصوص عليه بالقرار في ما يتعلق بحزب الله، وقد كان واضحاً، بين صيفي 2004 و2006، بأن المشروع الأميركي للمنطقة قد اصطدم بمحور (طهران ـ دمشق ـ حزب الله ـ حماس)، الذي شكل حالة ممانعة له، وبأن واشنطن، عبر صعوباتها وتعثراتها في العراق، لم تعد تستطيع أن تكون في حالة هجومية حيال هذا المحور منذ صيف 2005، بخلاف ما كانت عليه الأمور بين خريف 2004 وربيع 2005.
من الواضح الآن، منذ تاريخ 25حزيران 2006 في غزة ومنــــــذ 12تـــموز 2006 في لبنان، بأن اسرائـــــيل قـــد تولّت مركز رأس الحربة الهجومي ضد هذا المحور الرباعي لإنهاء أو شـــلّ ذراعيه، بتــــفويض أمـــــيركي ـ أوروبي واسع وصريح.
السؤال الرئيس الآن: ماذا يعني فشل هذه القابلة الجديدة، عبر الحرب الأخيرة، في توليد هذا المولود الذي بدأ الحمل به مع سقوط بغداد في يوم 9 نيسان 2003؟... أي: هل يعني هذا حصول حالة إجهاض للمشروع الأميركي في المنطقة............ أم أن هناك مجرد تعثر في الولادة ستضطر «الوالد» إلى التدخل المباشر للقيام بعملية التوليد بيديه؟........... أخيراً: ماذا يعني ذلك كله،على صعيد نظرة الغرب ـ بشقّيه الأميركي والأوروبي ـ إلى الدور الاسرائيلي بعد فشل تل أبيب في تحقيق المهمة عبر الحرب الأخيرة؟
* كاتب سوري