كان الاجتماع الذي عُقد أخيراً في جنيف بين المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ووفد «روج آفا» (المكون من ممثلي «الإدارة الذاتية الديمقراطية» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» PYD)، في إطار الإعداد لمؤتمر «جنيف 3» تتويجاً للتحوّل الإيجابي الهائل في المواقف الدولية الأممية حيال ثورة «روج آفا» وتجربتها الديمقراطية، بوصفها البقعة الوحيدة من سوريا التي يمكن الحديث فيها عن ثورة. وهي تقدم نموذجاً واعداً للحل الديمقراطي للمعضلة الوجودية السورية على أسس التعدد والتنوع والتشارك، وبوصفها الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب الدولي، كما تبدّى جلياً في ملحمة كوباني الأسطورية، بعد طول محاولات فاشلة من جملة قوى إقليمية وسورية، وحتى كردستانية، للتضييق على ثورة «روج آفا» والعمل على محاصرتها عسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً.
فالحال أن بين «جنيف 2» و«جنيف 3» بوناً شاسعاً ووقائع ومعطيات فرضت نفسها، وتحولات دراماتيكية كبرى في مجمل المشهد السوري والإقليمي.
الحال أن بين «جنيف 2»
و«جنيف 3» بوناً شاسعاً ووقائع
فرضت نفسها

المشهد في روج آفا وكردستان عامة ترجم في المعترك الدبلوماسي حضوراً وتمثيلاً كردياً في مختلف المحافل المعنية بالأزمة السورية، من موسكو والقاهرة، وصولاً إلى جنيف التي يبدو واضحاً في نسختها الثالثة قيد التبلور أن الكرد بما يملكونه من وزن سياسي وعسكري غدوا طرفاً وازناً ومحورياً، في حين أنه في «جنيف 2» وصلت المؤامرة عليهم إلى ذروتها لدرجة محاولة إعادة إنتاج لوزان ثانية في جنيف عبر تغييبهم.
تلك المؤامرة ولدت ميتة، إذ في يوم عقد المؤتمر من دون الطرف الكردي كانت حركة التاريخ تخطو خطوتها التأسيسية الكبرى في «روج آفا» عبر إعلان ولادة «الإدارة الذاتية الديمقراطية» في كانتون الجزيرة لتذهب كل الرهانات على تهميش الكرد وإجهاض ثورتهم ودورهم الريادي في دمقرطة سورية أدراج الرياح.
ومن نافل القول إنّ السبب الرئيس في فشل جنيف وانسداد الأفق السياسي هو التمثيل المنقوص والانتقائي للمعارضة وتهميش، بل تغييب، مكونات سورية كبرى، كما الحال مثلاً مع المكون الكردي ومحاولة تنصيبب الائتلاف العنصري الطائفي ممثلاً لكافة المكونات وقوى المعارضة.
ولعل ما يبعث على الأمل في إمكانية نجاح «جنيف 3» في إعادة إحياء الآمال السلمية ورد الاعتبار للحل السياسي التوافقي هو هذا النفس الأممي الجديد في التعاطي والتشاور مع مختلف القوى الرئيسية، وفي مقدمها الكرد... ففي ظل المؤتمرات والمنتديات المتلاحقة للبحث عن مخرج من مستنقع الدم السوري، بات الكرد الرقم الوازن والفاعل المبادر ببرنامج عمل وخريطة طريق للخروج من الأزمة وتعميم تجربتهم في الإدارة الذاتية على الصعيد السوري ككل، بما يكفل بناء سورية ديمقراطية تعددية لا مركزية. والمؤمل هنا أن تعتمد «جنيف 3» هذه الوصفة التي وحدها هي الكفيلة بإخراج البلاد من النفق الدموي المظلم والتوصل إلى تعاقد وطني اجتماعي جديد قوامه استلهام روحية ثورة «روج آفا» الممأسسة في إطار نموذجها الحضاري: الإدارة الذاتية الديمقراطية في الكانتونات الثلاثة.
* كاتب كردي