هذا رجل يعُدّ الأيّام بثوانيها، وبأعشار الثواني. ينظر إلى رقّاص الساعة... على مدار الساعة. يُقدِم أو لا يُقدم، هذا هو السؤال. يتمنّع أو لا يتمنّع، هذا هو السؤال. ماذا يفعل في مُلك قد يفلت من أصابعه في أي لحظة. حدث ذلك لأولاد الجيل الثاني من آل سعود. أولاد فهد بن عبد العزيز عاثوا في الدنيا خراباً وموبقات ــ بحسب التعريف الديني المُتزمّت المفروض على مواطني المملكة ــ في سنوات حكم والدهم. عبد العزيز بن فهد جلس في مجلس الوزراء وهو غلام، وقابل ــ في خرق للبروتوكول ــ الملكة إليزابيت، فقط لأن عرّافة اعتبرته حَسن الطالع على والده وهو طفل صغير. انزوى أولاد فهد مع ثرواتهم بعد رحيله، والأمير عبد العزيز يجول في مدينة نيويورك في قافلة من ١٥ سيّارة «مرسيدس» متطابقة للنقاهة من محاولة تسمّم روى خفاياها على «تويتر». تكرّرت اللعبة مع أولاد عبدالله بن عبد العزيز. الأمير متعب كادَ أن يستوي على العرش. أخوه عبد العزيز بن عبدالله تربّع في وزارة الخارجيّة، منتظراً أن يرثها من سعود الفيصل. متعب عقد صفقات وتحالفات في المملكة وخارجها كي يقترب من العرش. كان محمد بن زايد حليفاً له في مخطّطه. مخطّطه نجح ــ أو كاد ــ لكنه تأخّر. كان من المفترض أن يُعيَّن متعب وليّاً للعهد في حياة عبدالله، لكن متعب تأخّر ومات أبوه. ظنّ أن مشيئة أبيه في تولّيه السلطة ستُحترم من بعده. سارع سلمان بن عبد العزيز إلى تغيير تسلسل الخلافة، حارماً أولاد عبدالله. اقترب محمد بن سلمان من العرش، حتى كاد أن يلامسه. لكن هنا المعضلة.المعضلة الأولى تكمن في رغبة محمد بن سلمان في الوصول إلى العرش قبل وفاة والده لأن الفرصة تزول في اللحظة التي يموت فيها الملك. إن سابقة تغيير تسلسل الوراثة السياسيّة في العائلة التي سجّلها ابن سلمان عند وصوله إلى الحكم ستنقلب ضدّه بمجرّد أن تُعلن وفاة أبيه. إن سرعة تغيير سلّم الوراثة في بداية عهد سلمان ستضمن لجوء محمد بن نايف إلى الأسلوب نفسه كي يقضي على منافسه في السلطة. لن يحصل محمد بن سلمان على ضمانة من محمد بن نايف للبقاء وليّاً للعهد مهما حصل. ليس لمحمد بن نايف أي مصلحة في الحفاظ على وليّ عهد نافسه في السلطة حتى عندما كان أدنى منه مرتبة في سلّم الوراثة العائليّة. هذا يحتّم على محمد بن سلمان التسريع في تغيير التراتبيّة الوراثيّة كي يصبح هو وليّاً للعهد في حياة والده. هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على السلطة وإلا خسرها بالسرعة التي خسر فيها متعب بن عبد العزيز السلطة عندما مات والده. لكن هنا معضلة محمد بن سلمان: متى يتحرّك ومتى يضرب ضربته؟ إن إطاحة مقرن بن عبد العزيز كانت أسهل من إطاحة محمد بن نايف لأن مقرن لا ينتمي إلى جناح قوي في العائلة (ووالدته يمنيّة وهذه نقيصة بمقياس الدم في آل سعود)، كما أن لمحمد بن نايف قاعدة في الجهاز الأمني داخل المملكة، وله ــ خلافاً لمقرن ــ حلفاء في الأجهزة الأمنيّة ــ الاستخباريّة في دول الغرب. ثم، هل ستكون إطاحة محمد بن نايف من دون عواقب في داخل العائلة المالكة؟ وماذا ستكون كلفتها؟ لكن، لو أن محمد بن سلمان أخذ وقته وتريّث قبل الإقدام على خطوته، سيحلّ به ما حلّ بمتعب بن عبدالله. سيقضي متعب باقي عمره يتحسّر على إضاعة فرصة لن تتكرّر. على محمد بن سلمان أن يتحرّك، لكن عليه أيضاً ألا يبدو متسرّعاً كثيراً، لكن كيف سيستقيم له ذلك؟
ستغفر واشنطن
لمحمد بن نايف كما غفرت لغيره من الطغاة الحلفاء

لكن هناك معضلة متلازمة لهذه المعضلة: كلّما تمهّل محمد بن سلمان في الإقدام على خطوته، أعطى غريمه محمد بن نايف فرصة لضربة استباقيّة. صحيح أن هذا النوع من الضربات نادر في تاريخ العائلة، لكن سلمان وابنه سجّلا سابقة في تاريخ الوراثة السياسيّة. ماذا لو أن محمد بن نايف (معتمداً على جهازه الأمني) تحالف ظرفيّاً مع متعب بن عبدالله (معتمداً على الحرس الوطني) وأقصيا بالقوّة محمد بن سلمان؟ صحيح أن هذه الخطوة لا تتآلف مع التاريخ المعاصر للعائلة، لكنها لن تؤدّي إلى عواقب خطيرة في تحالفات المملكة الدوليّة. ستغفر الحكومة الأميركيّة لمحمد بن نايف كما غفرت لغيره من الطغاة الحلفاء: تستبدل قرّة عينها بقرّة أخرى، وتسير المصالح الأميركيّة. لكن خطوة محمد بن نايف محفوفة بالمخاطر لأنها مُوجّهة ضد ملك حالي، وهذا لم يحدث من قبل منذ أن تمرّد فيصل وحلفاؤه الأمراء ضد الملك سعود. لكن انقلاب فيصل تلته تحضيرات دقيقة دامت لسنوات، وتطلّبت موافقة أمراء أساسيّين، مثل فهد والسديريّين. متعب بن عبدالله لا يتمتّع بنفس صفات وقوّة فهد في حينه، كما أن محمد بن نايف ــ مثل أبيه ــ لا يتمتّع بشعبيّة. وفي هذا، تفوّق محمد بن سلمان على أقرانه في محاولة بناء شعبيّة للقفز على تراتبيّة الأسرة الحاكمة وللاعتماد على قاعدة شعبيّة إذا ما جرت المواجهة مع الأسرة. محمد بن سلمان يحتاج إلى أن يتصرّف بسرعة، لكن السرعة في التصرّف لها عواقب. وفي التمهّل مجازفة لأن الملك يمكن أن يموت في أي لحظة، وفي موته ضمانة لإقصاء محمد بن نايف.
المعضلة الثانية هي معضلة الإصلاح. من الواضح أن الأمير الشاب يحاول أن يبني شعبيّة خاصّة به لأنه يفتقر إلى شعبيّة في داخل الأسرة، حيث ينظر أفرادها إليه بعين الريبة لما له من صفات غير مألوفة. هذا الرجل لا يستطيع أن يعتمد لبناء قوّته على الإخوة غير الأشقّاء من أولاد سلمان لأنه تجاهلهم في الصعود إلى العرش. وكل ملك يأتي ويعد بالإصلاح: قد تكون إصلاحات فيصل، على هزالها في جسم مملكة مبنيّة على أسس قروسطيّة، هي الأكثر جديّة، لكنها كانت جذريّة بمقياس المملكة وبديهيّة بمقياس القرن العشرين (مثل إعتاق العبيد). وفهد بن عبد العزيز وعد بالإصلاح (كما وعد بالجهاد لتحرير فلسطين، فكان أن أعلن الجهاد لعيون أميركا لمحاربة الشيوعيّة)، لكنه أخلف وعوده وأصدر قرارات بتشكيل مجلس شورى صُوَري لا صلاحيّة له، ولا تمثيل. عبدالله بن عبد العزيز وصل إلى العرش بحماسة شعبية نادرة، لأنه لم يكن يرتبط هو وأولاده بصورة فهد وبممارسات وسرقات أولاده. وعد عبدالله بإصلاحات، وخصوصاً أن أميركا طالبت بها تجميلاً لصورة الحليف القبيح في الأذهان الشعبيّة التي حمّلت آل سعود قسطاً من المسؤوليّة عن ١١ أيلول. لكن عبدالله تباطأ ولم يحقّق إنجازاً واحداً في الإصلاح، وكانت سنوات حكمه مماطلة وتصريف الوقت. لكن حزمة وعود محمد بن سلمان في «رؤيته» (أصبح لشيوخ وأمراء النفط والغاز رؤىً) ليست واضحة تماماً، وبعض الإصلاحات مبهمة، وحتى متناقضة. كيف يمكن أن يُرضي محمد بن سلمان الراعي الأميركي (الذي بارك حماسته للعرش وتنافست مراكز الأبحاث الأميركيّة الصهيونيّة التي تتلقّى تمويلاً سعوديّاً في تلميع صورة الأمير) وأن يُرضي المجتمع السعودي الذي يقول عنه إنه مُحافظ؟ هو يتحدّث عن المرأة وعن «تنمية مواهبها» (في الحياكة؟ أم في إدارة المنزل؟) لكنه يضيف كلاماً عن تمكّن المرأة من الحصول «على الفرص المناسبة». التناسب هنا وفق العقيدة الوهابيّة، إذ إن الأمير سارع في اليوم التالي إلى التذرّع بتقاليد المجتمع لتسويغ الاستمرار في منع المرأة من قيادة السيّارة.
يرغب محمد بن سلمان
في الوصول إلى العرش قبل وفاة والده

كما أن الرؤية تتحدّث عن تحقيق ميزانيّة لا تحتاج إلى إيراد نفطي، لكن هذا الوعد أو التمنّي بات موسميّاً في الدول المصدّرة للنفط في زمن هبوط أسعار النفط. لكن، كيف يتحقّق كل هذا؟ كيف يمكن في سنوات قصيرة أن يتغيّر الاقتصاد السعودي الذي يعتمد في ٨٠٪ منه على واردات النفط؟ والمتحف الإسلامي الموعود لن يجلب الملايين من الزوّار، حتى لو أضيفت إليه مقتنيات متحف الملك عبد العزيز آل سعود ــ الذي يتضمّن نعله الخاص. وكيف يمكن التوفيق بين جلب المستثمرين والسيّاح والزوّار إلى المملكة في ظل الجو الاجتماعي الخانق؟ وماذا لو وقع السيّاح بالصدفة على عمليّة قطع الرؤوس في ساحة عامّة اثناء التجوال؟ أم أن قطع الرؤوس سيُسوَّق كواحدة من جاذبات السياحة؟ هل ستتضمّن الجولات السياحيّة زيارة مواقع الرجم والجلد، مثلاً؟ أم أن فندق «هيلتون» في مكّة سيُصوَّر على أنه معلَم من معالم الدين الحنيف؟
ثم كيف يوفّق الأمير بين الحديث عن الترفيه وإنشاء النوادي، وبين المحافظة على الثقافة الوهابيّة المتزمّتة التي لا تسمح بفتح دور سينما أو إنشاء مسارح؟ ويبدو أن الترفيه في المملكة لا يزال هو هو، يعتمد على الرياضات الذكوريّة التي تلهي الناس عن السياسة، وتنسيهم أن هناك ترفيهاً خارج النطاق الرياضي. وهل أن الترفيه الذي يتحدّث عنه يسمح بالفنون والمسارح، أم أن المسارح والفنون والأفلام تقتصر على الرياضة فقط؟ وهل سيتضمّن الترفيه مشاهدة حلقات من برامج الواقع عن نهارات عبد العزيز بن فهد ولياليه، مثلاً؟
المعضلة الثالثة هي معضلة التناقض في داخل جسم العائلة المالكة. يحتاج هذا الأمير الشاب إلى دعم العائلة المالكة حتى لو تحقّق له حلم العرش. لكن مشروعه يتضارب مع مصالح العائلة المالكة، إلا إذا كان المشروع صوَرَيّاً، وهذا هو الأرجح طبعاً. عندما يتحدّث الأمير عن البذخ والإسراف في القواعد العسكريّة السعوديّة، مقارنةً بالقواعد العسكريّة الأميركيّة، فهو يدين بطريقة يعرفها كل سعودي وسعوديّة حكم الأمير سلطان بن عبد العزيز وأولاده الذين سيطروا على وزارة الدفاع والقطاع العسكري لعقود طويلة. إن أي إدانة للماضي (وهي ضروريّة في إسباغ مشروعيّة على الإصلاح) تعني حكماً إدانة لجناح في آل سعود، وهذا سيزيد من مصاعب الأمير في الحفاظ على وحدة العائلة خلفه لو صار ملكاً. وكيف سيحافظ على وحدة العائلة لو أنه أقصى محمد بن نايف، وإقصاء الأخير هو طريقه الوحيد إلى العرش؟ وكيف سيقنع إخوته غير الأشقّاء بأنه الأكفأ فيهم؟
المعضلة الرابعة هي معضلة الإقدام. يريد هذا الأمير أن يعكس الأداء السياسي التقليدي لآل سعود الذي يتسم بالتحفّظ والسريّة والمداهنة والنفاق والحذر والنطق بلسانين والتردّد البطيء. هو يريد من خلال «عاصفة الحزم» ومن خلال السياسات التي تعكس علناً أكاذيب السريّة في السياسة الخارجيّة السعوديّة (التي كانت تلهج بحمد الجهاد في الصراع مع العدوّ الإسرائيلي، فيما كانت هي، من سنوات حرب اليمن في الستينيات، متحالفة مع إسرائيل)، أن يظهر بمظهر القائد الجسور. وفي هذا إدانة واضحة لحقبة الملك عبدالله، لكن هذا الإقدام يمكن أن يأتي بمردود لو ينجح. الإقدام تحوّل بسرعة في ظل قيادة محمد بن سلمان إلى مغامرات هوجاء غير محمودة. العدوان على اليمن هو في أعلى قائمة سيرته الذاتيّة، وهو من أفشل المغامرات العسكريّة المعاصرة. الحرب التي شُنت تحت عنوان إقصاء الحوثيّين عن السلطة انتهت بدعوتهم إلى السعوديّة للتفاوض. كما أن إنهاء الحرب كان بضغط مباشر (غير سرّي) من الحكومة الأميركيّة الراعية. ومشاريع محمد بن سلمان في سوريا وفي مصر وفي صدّ إيران كلّها تعثّرت. ألا يسند هذا منطق السياسة التقليديّة المتحفّظة (في العلن) لآل سعود؟ ألا يمكن لهذا أن يدعم حجّة منافسي آل سعود في المملكة في داخل الأسرة؟ إن الفترة القصيرة لحكم محمد بن سلمان مليئة بالوعود وبالفشل الذريع وخالية من الإنجازات الحقيقيّة، إلا إذا عددنا الجهر بالتحالف مع العدوّ الإسرائيلي من الإنجازات. ومجلّة «بلومبرغ» روت كيف أن محمد بن سلمان يروي لأعضاء الكونغرس الزائرين عن التصوّر المشترك للنظام السعودي ولإسرائيل عن الوضع في المنطقة.
المعضلة الخامسة هي ضرورة إرضاء أميركا. تحاول الحكومة السعوديّة الجديدة إرضاء أميركا بشتّى الطرق، وهي عبّرت في «الرؤية» ــ مثل رؤية الأنبياء والقدّيسين ــ عن قرارها بتنظيم التعليم (وفق مشيئة الكونغرس الأميركي ووفق «رؤية» اللوبي الصهيوني الذي يريد إزالة تلك الإشارات في الإسلام التي يمكن أن تُستخدم ضد العدوّ الصهيوني)، لكن إرضاء أميركا يتناقض مع أساسيّات ليس فقط في المبادئ العامّة التي لا يزال الرأي العام العربي يؤمن بها، بالرغم من تأثير التحريض الطائفي الذي ترعاه أنظمة النفط والغاز. إذ يتناقض الإرضاء أيضاً مع الأسس الوهابيّة التي بُنيَ النظام السعودي عليها. وهذا النظام السعودي ذهب أبعد من غيره في التحالف مع إسرائيل لإرضاء الكونغرس (وإرضاء الكونغرس أهم من إرضاء أوباما لأن الأوّل أقرب إلى إسرائيل، الحليف الوثيق لجناح أولاد سلمان الذين ــ من خلال إعلامهم ــ كانوا أوّل من جاهر بين آل سعود بالتحالف مع الليكود الإسرائيلي، وكانت جريدة «الشرق الأوسط» السبّاقة في اعتناق الصهيونيّة). ثم هل يمكن أن تتوافق رؤية بن سلمان مع إرضاء أميركا؟ يريد أن ينفق نصف الميزانيّة العسكريّة على تصنيع عسكري سعودي. هل ستسمح أميركا بذلك؟ أميركا بعدما جنح أنور السادات نحو التحالف معها، قضت فوراً على التصنيع العسكري المصري وعلى كل التصنيع المدني المصري، وقضت أيضاً على القطاع العام. هذا ما سماه السادات «الانفتاح» الذي أنتج «القطط السمان». إن التشارك العسكري في التصنيع هو حظوة خاصّة بالعدوّ الإسرائيلي، ولا يمكن أن يسمح الكونغرس الأميركي بها. إن الإنفاق العسكري السعودي الباذخ في أميركا هو أحد عناصر التحالف بين الدولتين، ولا يمكن أن تسمح أميركا بالإخلال به. وميزان القوى بين الطرفين اختلّ بعدما ضعُفت المكانة الاستراتيجيّة للمملكة في ضوء الانخفاض الذريع في أسعار النفط واكتشاف استخراج النفط الصخري. ومسألة ١١ أيلول لا تزال تلقي بظلالها على العلاقة بين الطرفين: حاولت «الشرق الأوسط» تشويه قرار لمحكمة في «نيويورك» ضد إيران، فيما كان القرار مبنيّاً فقط على مقاطعة إيران للمحكمة، ما أدّى إلى قرار ضدّها (مثل المباراة الرياضيّة)، لكنها تجاهلت المحاولات الحثيثة لمقاضاة آل سعود في المحاكم الأميركيّة (لكن الحكومة تتدخّل بذرائع الأمن القومي لحماية آل سعود، كما في بريطانيا). لكن الضغط الشعبي والإعلامي على الحكومة الأميركيّة يزداد للإفراج عن الـ ٢٨ صفحة السريّة من التقرير الرسمي عن ١١ أيلول، والذي يتضمّن إدانة لأمراء في آل سعود وللسفارة السعوديّة في واشنطن ولأعضاء في المخابرات السعوديّة في أميركا وللأميرة هيفاء بن فيصل. باتت الحكومة الأميركيّة تجد صعوبة بالغة في حماية آل سعود من غضب عائلات الضحايا. كيف سيتعامل آل سعود مع هذا الخطر؟ كان لمحاولة عادل الجبير ابتزاز الأميركيّين ردود فعل عكسيّة وصدرت صحيفة نيويوركيّة بغلاف يظهر فيه الملك السعودي تحت عنوان «الحثالة الملكيّة».
المعضلة السادسة حول الوعد بالمحاسبة والتطوير والحداثة. هذه معضلة عويصة أمام الأمير الشاب. يعد محمد بن سلمان بتطوير المملكة وبالمحاسبة والشفافية والحَوْكمة ــ والكلمة الأخيرة هي كلمة السرّ في خطاب آل سعود والـ«إن جي أو» هذه الأيّام ــ وبين طبيعة الحكم المتخلّف في المملكة. إن الوعد بتطوير المجتمع والدولة سيزيد من آمال الشعب في المملكة ومن توقّعاتهم وطموحاتهم. كيف سيلبّي الأمير هذه الطموحات؟ المحاسبة في مملكة آل سعود لا تعني إلا محاسبة من الملك والأمراء للشعب العادي وللوزراء المدنيّين. لكن السلطة الحقيقيّة والنفوذ الحقيقي والثروات الكبيرة هي بأيدي آل سعود وأتباعهم. مَن سيحاسب هؤلاء؟ هل سيحاسب بن سلمان أولاد سلطان لتاريخ طويل من الرشى والفساد والعمولات؟ مَن سيحاسب وزارة الداخليّة على خروقات حقوق الإنسان؟ وكيف يتحدّث عن التطوير والحوكمة، ونظام الحكم في السعوديّة يزداد قمعاً وانغلاقاً وتوتّراً وضيقاً؟ إن تقييد الحريّات (المعدومة) ازداد في عهد الأمير «العصري».
المعضلة السابعة هي «أرامكو». يقول محمد بن سلمان إنّ ٥٪ فقط ستُعرض في اكتتاب عام، لكنه أشار إلى أن الشفافيّة ستسم كل عمليّات «أرامكو» وميزانيّتها. هل سيُنشئ محمد شركة صغيرة متفرّعة عن «أرامكو» لعرضها على الاكتتاب العام، أم أنه سيعرض ٥٪ من الشركة الأساسيّة؟ لكن «أرامكو» هي التي تمدّ آل سعود بمداخيلهم وكنوزهم وثرواتهم، وهي التي تمدّ الدولة بنفقات سياستها وحروبها الهائلة، السريّة منها والعلنيّة. هل سيقبل أمراء آل سعود بهذه الخطّة بعد أن تشحّ موارد الأمراء؟ وماذا عن موارد أولاد سلمان؟ هل هي أيضاً ستتأثّر في دولة الشفافية والحَوْكمة التي يعد محمد بن سلمان بها؟
يعاني محمد بن سلمان من تسرّع في طلب العرش. ليس أمامه متسع من الوقت. في غضون أشهر قليلة، سيتقرّر ما إذا كان هذا الرجل سيحكم المملكة، أم أنه سيعاني في منفاه ما يعانيه عبد العزيز آل سعود الذي لم تلق حكاياته على «تويتر» عن محاولة لتسميمه تجاوباً وتعاطفاً، بل هي أدّت كالعادة إلى تلقّيه طلبات للمال من سعوديّين. لكن شخصيّة محمد بن سلمان مقامرة، وفي هذا اختلاف عن نهج أولاد عبد العزيز، والكثير منهم امتهنوا القمار في نوادي أوروبا. إن خسارة محمد بن سلمان ــ وإن تربّع على العرش ــ قد تعجّل في نهاية محتومة لمملكة القهر. هذه المملكة تتناقض مع القرن الواحد والعشرين، وهي لا يمكن أن تستمر من دون المال الوفير. كان دونالد ترامب يقول ما يدور في خلد الكثيرين عندما تحدّى آل سعود بالقول إنه لولا الحماية الأميركيّة لما استمرّت العائلة في الحكم.
لكن آل سعود يتّحدون أمام خطر السقوط. والسقوط لم يعد مستحيلاً. أبواق الأمير في الإعلام العربي والغربي يقارنون الأمير محمد بن سلمان بغورباتشوف. قد تكون المقارنة صائبة في معنى واحد: غورباتشوف قاد الاتحاد السوفياتي إلى التهلكة، وعسى أن يقود محمد بن سلمان النظام السعودي إلى التهلكة. وفي هذا نفعٌ لنا جميعاً.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:angryarab.blogspot.com)