ملاحظات حول الأزمة في الواقع الفلسطيني

  • 0
  • ض
  • ض

ينذر الوضع في فلسطين بالخطورة... الأمر الذي ليس بجديد كخبر ولكن تطورات متلاحقة استدعت هذه الملاحظات التي يمكن تسجيلها للتعبير عن الأزمة التي بدأت تلوح بشكل وملامح جديدة. الأزمة الجديدة ستطال ضفاف الوضع الفلسطيني على امتداداته السياسية والجغرافية، فالوضع في الضفة الغربية يشير إلى صراع مثلث الرؤوس مع الاحتلال أولاً، ومع الجار الشقيق والأقرب في الأردن، وكذلك مع الشقيقة الكبرى مصر.

يعطي الاحتلال ظهره للسلطة الفلسطينية وكأنها غير موجودة ويعمل على إذلالها وتهميشها، وما يشيعه قادة الاحتلال عن هزالها وضعف رئيسها محمود عباس، والذي لم يعد الرئيس المنتهية ولايته فقط وإنما المنتفية وظيفته أيضاً وفقاً لهؤلاء. ويترافق هذا مع الاقتحامات لمناطق السلطة والاجتياحات غير المبررة وإطلاق يد المستوطنين في العديد من الأماكن المقدسة، مثل قبر يوسف وقبة راحيل، وذلك بشكل يومي، ناهيك عن الاعتقالات ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وإصدار تشريعات من الكنيست تغطي على كل ما تقدم من إجراءات.
العلاقات مع الجار والشقيق الأقرب الأردن سيئة، ومحكومة بانعدام الثقة وغياب التنسيق المشترك حول قضايا عديدة، ومن مظاهرها الخلاف حول إدارة وضع الحرم القدسي الشريف، حيث يتحفّظ الطرف الفلسطيني على الطريقة الأردنية بإدارة هذا الملف، ويعترض على سعي الأردن لتركيب كاميرات تصوير تراقب ما يجري في ساحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
أما الشقيقة الكبرى مصر فها هي تسعى بجد وجهد للدخول في وساطة محايدة ما بين السلطة والاحتلال، يكون لها فيه دور نزيه و«غير منحاز»، وتتخلى بذلك عن دورها التاريخي بالوقوف مع الشعب الفلسطيني في نضاله ومقاومته ضد إسرائيل، فالواضح للفلسطينيين أنَّ دور شقيقتهم الكبرى الإقليمي الذي طالما لعبته حتى في أزمان الحصار والانحصار يتراجع، وهذا ما كان واضحاً في زيارة وزير الخارجية سامح شكري الأخيرة لكل من رام الله وتل أبيب. فمصر تريد تحويل السلام البارد إلى سلام دافئ وذلك عبر العودة للتفاوض في هزيع ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، رغم تحوله إلى بطة عرجاء تنتظر نتائج الانتخابات لتسليم ملفاتها للرئيس القادم. يزيد الدور المصري على ذلك ببذل الجهد لتوحيد صفوف طرفي النزاع الفلسطيني الداخلي، وذلك عبر السعي لإنجاز مصالحة فلسطينية بين فتح وحماس من جانب، وعبر العمل على تشكيل حكومة جامعة في الطرف الآخر، إسرائيل، يشترك فيها المعسكر الصهيوني بقيادة زعيم حزب العمل إسحاق هيرتزوغ. وليس هذا الجهد المصري ببعيد عن المبادرة الفرنسية الأخيرة، لا بل هو في حقيقته امتدادٌ لها، وهو يحظى بمباركة بقايا النظام العربي الذي يبدي استعجالاً لإنهاء ملف الصراع الوجودي والأساسي مع إسرائيل حول مسألة فلسطين المركزية، وذلك لحساب الخطر الذي يعتبره الأدهى والأمرّ، وهو خطر الصراع مع إيران، والذي يراه الكثير من حكّام العرب الخطر الأكبر، والذي يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً مركزياً فيه، وأن تساهم في التصدي للقوة الإيرانية المتصاعدة والنامية بسرعة.


حركة حماس وحكومة
غزة لا تبدوان قادرتين على تجاوز الجماعة الأم


تخسر السلطة الفلسطينية دولياً في معاركها الدبلوماسية، لدرجة انتخاب دولة الاحتلال رئيساً للجنة القانون الدولي في هيئة الأمم المتحدة، رغم أنَّها الدولة الأكثر مخالفةً وانتهاكاً لتلك القوانين، وقد حصلت على أصوات 109 من الدول من مجموع 193 دولة. ولعل هذا يشير إلى أنّه لا يمكن انتظار مواقف جادة منَ الدول التي منحت أصواتها لإسرائيل باتجاه ردع التغول الإسرائيلي أو ممارسة ضغط عليها للدخول في مفاوضات جادة، دون أن ننسى بالطبع أن أربع دول عربية صوّتت لصالح إسرائيل. وبما أن الأخبار السيئة هذه الأيام لا تأتي فرادى فقد صدر تقرير الرباعية الدولية ناطقاً بلسان دولة الاحتلال، فلم يدن الاستيطان، ولم يعتبره عملاً غير مشروع، وإنما قام بالتركيز على دور السلطة الفلسطينية السلبي، حيث اتهمها بالتحريض على العنف، وطالبها بوقفة لتوفير الظروف المناسبة للعودة للتفاوض. ولعل ذلك يشير بوضوح إلى عقم أي رهان على أنَّه من الممكن لهذه الدول أن تمارس ضغطاً حقيقياً باتجاه دعم الحقوق الفلسطينية، أو أن تلعب دوراً إيجابياً في أية عمليةٍ سياسيةٍ قادمة.
الوضع في غزة ليس أفضل حالاً، إذ تتالى الضربات من كل حدب وصوب، وتتهاوى معها الرهانات الغزية، فتركيا استدارت استدارةً كاملةً باتجاه تطبيع علاقاتها مع تل أبيب، متنازلةً عن شروطها السابقة التي تعلقت بها آمال الغزيين من رفعٍ للحصار إلى إنشاء ميناءٍ ومطار، وستكتفي تركيا بتقديم الدعم المعنوي وبعض المساعدات الإنسانية والغذائية، ولا يبدو أنَّ حكومة أنقرة ستتجاوز هذا الدور في المدى المنظور.
أما علاقة حماس وحكومة غزة مع مصر فلا زالت محكومةً بأجواء انعدام الثقة، نتيجة للتوتر بين نظام السيسي والإخوان المسلمين، وخصوصاً أنّ حركة حماس وحكومة غزة لا تبدوان قادرتين على تجاوز الجماعة الأم. والملاحظ أنَّ مصر لا تبدي استعجالاً لتطوير العلاقة إلا ضمن شروطها ورؤيتها. في جانبٍ آخر، فإنَّ تصريحات الأمير ورجل الاستخبارات السعودي تركي الفيصل الأخيرة خلال كلمته في مؤتمر المعارضة الإيرانية بأنَّ حركة حماس عميلة لإيران تتضمن إشارة واضحة لتأزم العلاقات مع العربية السعودية، وسرعان ما أتت الضربة الرابعة من إيران، المتهمة حماس بالعمالة لها، إذ صرح المسؤول الإيراني خسرو عروج بأن حركة حماس تسعي للاتصال والاتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي لتوقيع معاهدة سلام معه عبر وساطة تركية.
تشير هذه الملاحظات والقراءات للواقع الفلسطيني ولعلاقته بالواقعين العربي والدولي إلى انسدادٍ في الأفق، فلا حلم تحرير فلسطين بالمقاومة المسلحة يبدو ممكناً، ولا مشروع الدولة الفلسطينية على أراضي 67 بقي قائماً. على أنّ الأيام حبلى بالتغيّرات والمفاجآت، ولعلّ فشل المشروع التكفيري الهادف الى تمزيق العرب والمسلمين سيكون فاتحةً لتراجع وانحسار النفوذ الغربي والإسرائيلي.
* كاتب فلسطيني

  • الوضع في غزة ليس أفضل حالاً، إذ تتوالى الضربات من كل حدب وصوب

    الوضع في غزة ليس أفضل حالاً، إذ تتوالى الضربات من كل حدب وصوب (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات