لكلّ مواطن يحسن التفكير والتخطيط والجمع والطرح أولويّاته الخاصة. فإذا كنتَ تعتبر إنهاء زواج أختك على خير أو شراء مكيّف أو قضاء عطلة صيفية مريحة للظهر ومتعبة للجيب في إحدى المناطق الساحلية، من إحدى أولوياتك في هذه الفترة، فذلك لأنك لا تفكر في مستقبل بلدك، ولست من أولئك الذين يجيدون ترتيب أولوياتهم ويخافون على البلد. لكننا يجب أن لا نصاب بعذاب الضمير بسبب هذه المسألة، لأن الخبر السعيد هو أن رئيس الحكومة الجديد قد حدّد أولويات حكومته الكبرى بناء على وثيقة قرطاج حتى يتسنى لك إتمام ترتيبات زواج أختك وأنت مرتاح البال. هو الذي سيسهر على مقاومة الإرهاب وعلى إنعاش الاقتصاد ومحاربة الفساد بينما نكون نحن نيام. لذلك فليتذكر كل مواطن قبل خُلوده للنوم أن هناك رئيس حكومة مازال "سهراناً"، وليدعو له بالتوفيق.
كل الرؤساء السابقين وعدوا بـ«العمل على»
كل الرؤساء السابقين وعدوا بـ"العمل على" التقليص من نسب البطالة، و"العمل على" إنقاذ الاقتصاد الذي يقف على حافة الإفلاس. لاحظوا معي جيداً أن هذه الوعود تتضمن كلمة "العمل على..."، وقد تعوّدنا دائماً أن كل حكوماتنا "تعمل على..." لكنها لا تبلغ أبداً ما تعمل عليه، بمعنى أننا نحن أصحاب الأولويات الصغرى لا يجب أن نُحس، في حياتنا، بما بعد الـ"على..."، لأنه وفي تلك اللحظة ستتوقف حكومتنا عن العمل. هذا يعني أنهم يتقاضون رواتبهم مقابل "عملهم على.."، وهذا أمر منطقي فمادام هناك مجهود مبذول فالأجر نظير ذلك المجهود هو واجب علينا نحن أصحاب الأولويات الصغيرة. لكن المأزق الكبير الذي سنجد أنفسنا فيه هو يوم ينجح أحدهم فعلاً بعد أن "يعمل على ..." في بلوغ تلك الأهداف. هل سندفع راتب وزير لا "يعمل على..."، ولا "يسهر على..."؟
لهذه الأسباب لا أخفيكم سراً أنني منذ سمعت رئيس الحكومة يتحدّث بتلك النبرة الجادة والصارمة أقلعت عن عادة الدعوة لرئيس الحكومة "السهران" وتمنّيت، من كل قلبي، أن ينام الرجل مثلنا وأن لا يُرهق نفسه في السهر. السبب وراء ذلك أنني تنبهتُ لمسألة في غاية الخطورة: يبدو رئيس الحكومة الجديد عازماً فعلاً على تحقيق تلك الأولويات، فإذا أضفنا لعزمه هذا دعواتنا فإن فرضية نجاحه قد تكون فعلاً حقيقية. عندها سنكون أمام مأزق كبير: سنجد أنفسنا مضطرّين لدفع راتب رئيس حكومة لا يفعل شيئاً لأن كل الأمور على ما يرام. وممّا يزيد هذه الفرضية فداحة وخطورة أن رئيس الحكومة الذي سيخلفه لن يجد ما يقوم به، وتفقد رئاسة الحكومة معنى وجودها، وينتهي دور المؤسسات التي كانت "تعمل على..." ولم يعُد هناك ما تعمل عليه. ونعيش من دون مسؤولين "يسهرون على...".
قد يُجادلني أحدكم قائلاً إنه وفي حال تحسّنت الأوضاع الاقتصادية وجرى القضاء على الإرهاب والبطالة، فلا مانع من دفع رواتب أعضاء الحكومة لأننا سنكون في "بحبوحة" من العيش، ولن تؤثر تلك الرواتب في وضعنا المالي. إذا فكرتم بهذه الطريقة فأجدني مضطراً لتذكيركم بمثل شعبي يقول "الإبل تمشي على كبارها". فمن يضمن أننا سنواصل العمل ولن تتوقف دورة الإنتاج إذا كانت حكومتنا لا "تسهر على..."، ولا "تعمل على..."؟ حينها، سيسير الناس على خطى الحكومة العاطلة وسيعم التوكل ويسود الكسل، فنعود إلى نقطة الصفر وربما لما تحت الصفر. أضف إلى ذلك أنه، وفي حال نجح رئيس الحكومة الجديد، فإن الجميع سيجد نفسه مطالباً بإيجاد أولويات جديدة عوض الأولويات القديمة (الإرهاب، الفساد، الاقتصاد، البطالة) التي ظلّت ثابتة تراوح مكانها، منذ ما يزيد عن خمس سنوات. وهذا من شأنه أن يُدخل حالة من الفوضى والضبابيّة بعد حالة الاستقرار ووضوح الأولويات. وقد تجد نفسك مُطالباً بترك ترتيبات زواج أختك الأخرى لتفكر معنا في أولويات جديدة. فمن غير المعقول أن نعيش دون أولويات.
إذن فإنّه، ومن مُنطلق الدفاع عن قيمة العمل والاستقرار ووضوح الرؤية والأوليات، أتمنى أن يفشل رئيس الحكومة الجديد.
* كاتب تونسي