لا يسعني ونحن على أبواب تشرين الأوّل 2016، الشهر الذي انتصرت فيه الثورة البولشيفية السوفياتية منذ قرن تقريباً، إلا أن أذكر أسباب التفكك السوفياتي منذ 25 عاماً، ما دامت الأكثرية تعرف أسباب انتصار الثورة، ويجهل القسم الأكبر منها أهمّ أسباب تفكك ذلك الاتحاد الفولاذي.لقد وضع فلاديمير لينين أسس بناء الاتحاد السوفياتي، وبرغم أن التنميتين الصناعية والزراعية لم تتحقّقا في عهد ستالين جراء وفاته عام 1953، وجرّاء حاجة الاتحاد السوفياتي لفترة أطول من التقاط الأنفاس بعد خروجه منتصراً من حرب ضروس مع النازية، إلا أن أكثر ما وضعه لينين من أسس طُبّق في عهد ستالين. لقد ولدت بداية الانهيار في عهد خروتشيف، عندما تناسى تحقيق التنميتين الصناعية والزراعية، ورمى بالاتحاد السوفياتي في سوق الرأسمالية العالمية، فطبّق قانون القيمة الرأسمالية على حساب تطبيق قانون القيمة الوطنية الاشتراكية، ما جعل الاتحاد السوفياتي يدخل في فلك علاقات التبادل اللامتكافئ من الانخراط الخروتشيفي في النظام الرأسمالي، وقاد إلى تدهور القاعدة الإنتاجية داخل الاتحاد، فاتجه الاقتصاد على نحو جنوني إلى التصدير.
لقد شوّه خروتشيف بسياسته تلك، علاقات الإنتاج الاشتراكية إلى درجة التسبب بالأذية لأسس الملكية العامة ولوسائل الإنتاج. إن السوق المحلية يجب أن تكون مزدهرة، لكنها لم تكن كذلك إبّان عهد خروتشيف، لأن التعامل مع الأسواق الأجنبية العالمية، لم يقلَّص، لكي يكون الاقتصاد الاشتراكي قويّاً، وهذا ما كان سائداً في حقبة ستالين. لقد تحقق التخطيط المركزي في عهد ستالين، أمّا خروتشيف، فقد حدّ في فترة حكمه من سلطة المخططين المركزيين، وكان ذلك لمصلحة المديرين لا المنتجين ما أدى إلى تغلغل الفساد الفردي داخل الاتحاد السوفياتي، خصوصاً أن خروتشيف استبدل التثقيف الاشتراكي بالتثقيف الرأسمالي، وعلاوة على ذلك ابتكر نخبة المديرين، التي أدت دور الوسيط بين وسائل الإنتاج والمنتجين، والكارثة تجلّت بأن المديرين لم يكونوا وسطاء كما صوّرهم خروتشيف، بل كانوا المتحكمين الفعليين في العملية الإنتاجية، الامر الذي مكّنهم من حصد المنافع المادية لجيوبهم، ما عجّل في بداية التفكك. لقد ضاعفت سياسة خروتشيف التبادل اللامتكافئ تجاه العالم الثالث، وتلك السياسة اعتمدت الربح، وأهملت التنمية على الأسس الاشتراكية، مع العلم أن تصدير الماكينات كان يؤمل منه زيادة الرسملة لتقوية الطبقة العاملة في العالم الثالث. لقد حفر خروتشيف حفرة كبيرة للاقتصاد الاشتراكي، من خلال ممارساته تلك، فوقع فيها من بعده بريجنيف واندروبوف، إلى أن أتى ملك البرويسترويكا غورباتشوف بدعم أميركي، وأجهز على ما بقي وكان التفكك السوفياتي.
ريمون ميشال هنود