«السرديات هي كقطع الـlego كلّ واحد منّا يبنيها بطريقة مختلفة، تماماً كاختلاف بناء الدول» هكذا شبّه البروفيسور المساعد في قسم العلاقات الدولية في جامعة قطر عماد منصور، موضوع محاضرته وكتابه حول «القدرة السياسية على بناء الدولة في منطقة الشرق الأوسط».
في محاضرته في الجامعة الأميركية في بيروت قبل أيام، تناول منصور علاقة السرد بالأفكار والمجتمع، «كالسرد المحلّي الذي يربط الدولة بتاريخ مجتمعها وطموحاته والسرد الخارجي الذي يربطها بالعالم». شارحاً أهمية الأفكار وطريقة سردها في المجتمعات بشكل عام ومجتمعات الشرق الأوسط بشكل خاص، قال منصور إن «السرد المتماسك للأفكار يحفظ توازن واستقرار بعض الحقائق المعقّدة ويسمح بتنفيذ الأفعال». في هذا السياق، اختار منصور مصر وإيران كمثلين على كيفية تأثير سرد الأفكار المتوارثة في بناء سياسة الدول وأهمية ذلك (علماً أن الكتاب يضمّ أيضاً دراسة للموضوع في كلّ من سوريا وتركيا والسعودية وإسرائيل). عن مصر انطلق الكاتب المحاضِر من الفكرة السردية الجيوسياسية التي تقول إن «لمصر واجباً تجاه نفسها وتجاه العالم»، والتي تعود في الأصل إلى وجود نهر النيل ورمزيته، ما أعطى للمصريين فكرة أن «مصر متجذّرة في العالم» وما أعطى للمواطن المصري شعوراً بـ«عدم القلق تجاه إثبات وجوده فيه». فكرة أهمية الدولة المصرية تلك، انقسمت خلال العهود الحديثة الماضية إلى مدرستين، حسب منصور: واحدة تقول إن «على مصر أن تنطلق وتبادر وتساهم في العالم الخارجي، وهذا ما اعتمده الرئيس السابق جمال عبد الناصر»، والثانية ترى أنه يجب أن «ننتظر ليأتي العالم إلينا من دون أن نقوم بأي فعل، وتلك كانت مدرسة الرئيس السابق أنور السادات». ظلّت الأفكار حول الدور المصري تدور في فلك تلك المدرستين حتى حلول فترة الثمانينيات والتسعينيات حيث بات «الأمن هو الأهمّ» في بناء الدولة بنظر الحكومة المصرية ما «قتل مخيّلة المصريين» يقول منصور. لكن هل تتناقض الأفكار حول أهمية مصر ودورها مع حرب ٦٧ والهزيمة وما تبعها من تراجع لدور مصر؟ يقول الكاتب إن ذلك «لا يعني أن الأفكار حينها كانت سيئة، بل هو فشل السياسات المعتمدة لتحقيق تلك الأفكار».
إيران، من جهتها، تشبه مصر في رؤيتها لنفسها كلاعب دور أساسي في العالم. هذا الدور، اتخذ شكل «الدفاع عن المستضعفين ضد المستكبرين» في مراحل عدّة من تاريخ إيران التي واجهت الاحتلال والحروب والغزوات، بنظر الكاتب. ولعلّ الثورة الإسلامية هي أحد أبرز المحطات التي استخدمت تلك السردية كأساس لاعتماد فكرة «وجوب بناء دولة قوية»، وهذا ما تبلور لاحقاً في القدرات النووية والتعليم والمجتمع، لاحظ منصور. «قبل الثورة الإسلامية في إيران، كانت تلك الأفكار موجودة لكن النظام السياسي القائم، أي نظام الشاه، كان يعرقل تحقيقها وهذا ما أدى إلى الثورة». هكذا، ثبّتت إيران فكرة تبنّيها دور «الدفاع عن المستضعفين» انطلاقاً أيضاً من تاريخ طويل بمواجهة فكرة سائدة متطرفة تتهم الطائفة الشيعية بأنها «شكل منقوص من الإسلام». وبناءً على هذا الدور، «انطلقت إيران بعد الثورة بمهمّتين: قتال المستكبرين والدفاع عن الضعفاء، فكان دعمها لحزب الله ولمجموعات اخرى»، رأى الكاتب. لكن، ماذا عن محادثاتها مع الولايات المتحدة الأميركية؟ يشرح منصور أنه «انطلاقاً من فكرة وجوب حماية الدولة والتصرف كلاعب أساسي بنفس الوقت، يصبح من المفهوم قبول طهران بالتحاور مع واشنطن في هذا الإطار».