أثار «تشجيع» السيد حسن نصرالله للزواج المبكر حفيظة القيّمين والقيّمات على حقوق الإنسان. فبان السيد نصرالله «رجعياً» لا ينتمي إلى الحداثويّين، وهو ما يحرص الكثيرون عليه من مدنيّين ودينيّين ليكسبوا صكّ الانتماء إلى القرن الواحد والعشرين!تساؤلات عدّة مشروعة تطرح نفسها لمن يريد نقاشاً علمياً موضوعياً حول مسألة الزواج المبكر (ولنتخطَّ هنا تشجيع السيّد نصرالله له أو شجب الآخرين).

أولاً: ما هي الرؤية الكليّة والمنظومة القيمية التي ينتمي إليها الدينيون في مسألة العلاقة بين الجنسين؟ (حتى لو لم يكن جميعهم في سلّة واحدة، إلا أن ثمة قواعد انطلاق واحدة): بالنسبة إلى هذه المنظومة، مؤسّسة الزواج هي المساحة الوحيدة التي يسمح فيها بإقامة العلاقة الجنسية، والجنس بالنسبة إلى المنظومة عينها هو حاجة طبيعية تكمن القيمة في تلبيتها، لا في قمعها أو النظر إليها بدونية.
وبالتالي، إذا كانت المنظومة تقرّ بذلك وتدعو ــ في الوقت نفسه ــ إلى تأخير سنّ الزواج، فحتماً سنكون أمام «انفصام» وعدم واقعية في رؤية تلك المنظومة. وعلى هذا، فإنّ الزواج المبكر (لم نتحدّث بعد ماذا نعني بالمبكر) سيكون هو الخيار الطبيعي الذي نتوقّعه.
ثانياً: ما هي الإشكاليّات التي تُطرح في وجه الزواج المبكر؟
1ــ تُصوِّر بعض الطروحات العلاقة الجنسية بين زوجين «مبكرين» كأنّها أشبه بعملية وحشية يمارسها الزوج بحقّ الزوجة، في الوقت الذي تُعتبر فيه العلاقة الجنسية بين المراهقين والمراهقات في المرحلة الثانوية، وحتّى ما قبل، في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية مُتعةً لكلا الطرفين وتعبيراً عن نماء طبيعي لمرحلة المراهقة وما بعدها.

الزواج المبكر هو أحد العوامل التي تؤدّي إلى حجز المرأة ضمن «عالم الداخل»

2ــ يعتبر البعض أنّ قرار الزواج يحتاج إلى نضج فكري، وهذا الأخير يرتبط بتراكم خبرات وتجارب ــ لا تتحقّق بالحد الأدنى ــ إلا في عمر معيّن... مع أنّ عدداً من الدراسات بيّن أنه ليس هناك ارتباط بين تأخّر سنّ الزواج عند المتزوّجين وبين «نجاح» الزواج (لم تختلف نسب الطلاق عند المتزوجين في حال ما إذا كان الزواج مبكراً أو متأخراً)، مع أنّ عالمنا العربي يحتاج إلى جهد بحثي حثيث لا يزال يفتقده لتتبّع الطلاق المقنّع والعلاقة الحميمة بين الزوجين؛ لأنّ هذه المعايير لا تقلّ أهمية عن الطلاق لقياس نجاح مؤسسة الزواج أو عدمه.
3ــ يعتبر الزواج المبكر مسؤولية كبرى تُلقى باكراً جدّاً على عاتق المرأة، ولهذه النقطة تفاصيل عدّة؛ إذ تختلف المنظومة الدينية عن غيرها في النظر إلى سنّ المسؤولية، ففي الوقت الذي لا يزال فيه طفلاً أو طفلة (1) بالنسبة إلى غيرها، تعتبرُ المنظومة الإسلامية أنّ الإنسان يصبح مسؤولاً بمجرد بلوغه، إضافة إلى أنّ المسؤوليات المرتبطة بالزواج هي شأنٌ عرفي اجتماعي يصل أحياناً إلى حدّ التناقض مع التشريع والفتوى الدينية (كالواجبات المنزلية وخدمات الأسرة).
4ــ الزواج المبكر هو أحدّ أهمّ العوامل التي تؤدّي إلى حجز المرأة ضمن «عالم الداخل»، وهو للحقيقة ربطٌ صحيح تشير إليه الوقائع كما الدراسات الاجتماعية أيضاً، إلا أن ثمّة «متغيّرات عازلة» قد تقلب النتائج. فماذا عن الزواج المبكر مع تقنين الإنجاب، مع دعم العائلة الممتدّة للفتاة لإكمال الدراسة (حتّى الطب)، مع تغيّر رؤية المجتمع والفتاة لنفسها ودورها، مع وجود منظومة مجتمعية (أسرة/ مدرسة/ إعلام...) محفّزة للفتاة وتعلّمها وعملها. مع هذه العوامل وغيرها، قد لا يلعب الزواج المبكر (أكرّر في المنظومة الدينية) فقط دوراً غير سلبي، بل قد يلعب دوراً إيجابياً، حيث تشبع المرأة (المنتمية إلى تلك المنظومة) رغباتها الجنسية والعاطفية في سياق حياتي تلقائي.
ليس ما تقدّم لتشجيع الزواج المبكر، الذي حتماً إذا ما كان قبل 18 عاماً في هذا العصر فإنّ الأحرى أن يسمّى تزويجاً لا زواجاً، إنّما لمحاولة فكفكة صورة مفهومية عن الزواج المبكر أنتجناها أو أُنتجت لنا (لا فرق) ونكرّر حُكمَنا عليها وكأنّنا نتحدث عن شيءٍ ثابت وُلد في غابر الزّمان وبقي كما هو.
* باحثة في الاجتماع والأنثروبولوجيا