«يمكنك أن تقيدني، يمكنك أن تعذبني، يمكنك حتى أن تقوم بتدمير هذا الجسد، ولكنك لن تنجح أبداً في احتجاز ذهني». غاندي

أين حقوق الإنسان في البحرين؟ أين أولئك الذين يتشدقون دائماً بعباراتهم الرنانة؟ لا نسمع أصواتهم تعلو على آل خليفة وانتهاكاتهم المتكررة لحقوق الإنسان في هذه المملكة الصغيرة، علماً بأن هذه الانتهاكات ليست بجديدة فهي ممتدة منذ فترة التسعينيات.

لم يعد مجرد الكلام يكفي ولا البيانات المنددة تكفي، يجب التحرك سريعاً لإنقاذ شعب يقتل بدم بارد، بسوط الجلاد الظالم. لعل كثراً لا يعرفون أن المسجونين والمعذبين في البحرين، هم من نخب المجتمع، منهم الطبيب، المحامي، الأستاذ الجامعي أو المدرس والمربي، وكذلك الصحافي، لا بل إن المبعدين أيضاً هم من تلك الشريحة والذي لا يعلم فليسأل أهل المعرفة بهم، هؤلاء لا يمكن أن يتصورهم الشخص بغير حلة الإنسان الواعي الغيور على بلده، الذي يريد أن يرى هذا البلد الصغير يعيش الأمن والأمان ويتمتع بالحريات ويصل إلى أعلى مراتب العلم والمعرفة.
نعم، هناك بعض البيانات للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، لزيارة المنامة، أو التحركات أو النقاشات التي تحصل في مجلس حقوق الإنسان لكن ذلك كله لا يكفي، يجب وضع حدود ومحاسبة كل من يتعدى على حقوق المتظاهرين ومنع الإيقاف التعسفي والتعذيب والمعاملة القاسية في السجون وصولاً حتى منع الإفلات من العقاب.
لكن للأسف فنحن دائماً نرى الازدواجية الدولية في التعامل مع شعب البحرين المظلوم، وقد نسيت الإدارة الأميركية التي تدعي بأنها «أم الديموقراطية» أن في البحرين شعباً يعذب ويقتل من نظام مستبد تتجاوز سنيه في الحكم الأربعين عاماً، ونسي المجتمع الدولي أن النظام البحريني يستخدم القوة المفرطة لقمع الحريات.
وللأسف، فإن حرية الرأي والتعبير التي هي من المبادئ الأساسية في حقوق الإنسان ليست لها قيمة لدى نظام آل خليفة، علماً بأنها مكفولة في العديد من المواثيق والإعلانات الدولية. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948 تنص المادة 19 منه على أن «لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي وبالتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين».

نحن دائماً نرى الازدواجية الدولية في التعامل مع شعب البحرين المظلوم

وقد عبّرت منظمة «العفو الدولية» عن قلقها الشديد من استئناف عمليات الإعدام والاستخدام المفرط للقوة والتضييق على حرية التجمع السلمي في البحرين. وفي مداخلة شفوية تحت البند الرابع ضمن أعمال الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قالت المنظمة: «إننا قلقون بشدة من أنّ الصلاحيات قد أعيدت إلى جهاز الأمن البحريني الوطني، وإتاحة إمكانية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية». هذا كله يحصل إذاً، في ظل غياب الرقابة الدولية عن أفعال النظام البحريني، وفي ظل الإفلات من العقاب الذي يمكن تعريفه قانونياً، بأنه غياب العقوبة وغياب المسؤولية الجنائية عن المنتهكين لحقوق الإنسان. والإفلات من العقاب، هو عبارة عن إهدار الحقوق الأساسية للمتضرر، مقابل تراخي المسؤول في القيام بواجباته بتنفيذ حقوق شعبه، وأهم حقوق المتضرر هو الحق بالعدالة. ويمكننا القول إن الافلات من العقاب هو عندما يقوم شخص بالتصرف مع وجود حصانة تحميه من العقاب، وهذا يعني بأنه لن يكون هناك عواقب لتصرفاته.
وتقول المادة 16 من اتفاقية مناهضة التعذيب إن: «كل دولة طرف تتعهد بأن تمنع، في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1، عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها».
ويعتبر تقرير بسيوني مهماً جداً في هذا الصدد، لأن لجان التحقيق وعلى الرغم من أنها تعدّ آليات غير قضائية، أي إنها لا تحاسب مباشرة، إلا أنها تساعد في المتابعة والمساعدة وتقديم الأدلة لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، حيث يمكن لها أن تكمل عمل النيابة الجنائية بجمعها وتصنيفها وحفظها للأدلة التي يمكن استخدامها في توجيه الاتهام الجنائي، والمحاسبة القضائية.
وبما أن الانتهاكات التي خلص لها تقرير بسيوني تطابقت مع الانتهاكات الخطيرة التي تحدث عنها نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، حول جرائم الحرب وضد الإنسانية، فإن نفاذ هذا النظام والالتزامات الناشئة عنه من شأنها أن تضع حداً لإفلات المجرمين في البحرين. وذلك لأن المحاكم البحرينية عاجزة عن التحقيق في هذه الجرائم.
* باحث لبناني