لم تأتِ القمم الثلاث التي عقدت في الرياض بالجديد الذي من شأنه أن يفرض على الأطراف المتصارعة إعادة الحسابات والبحث عن البدائل في علاج المشكلات العالقة في منطقة الشرق الأوسط. بل جاءت كتأكيد على أن الخلافات الخليجية والعربية والإسلامية قد بلغت من العمق مرحلة اللاعودة.
كل ما ورد بالقمم الثلاث من خطابات، كان ترسيخاً لحالة عدم الارتياح فيما بين القيادات العربية والإسلامية المتصارعة، والتزاماً بسياسة ولغة الغمز واللمز في صياغة الخطابات وتوزيع الأدوار والكلمات، وهو الأمر الذي انعكس بدوره على طبيعة الحلول المطروحة على الطاولة لتلك المشكلات سواء كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية.
لغة المؤتمرات الثلاثة والبيان الختامي في ما بعد، لم تكن بالوضوح الكافي لتحديد مواضع الألم الحقيقية، التي يعاني منها جسد الشرق الأوسط المريض. ولم تعبر بمجملها عن كافة الرؤى لحل المشكلات، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا ترسم خريطة طريق واضحة، تمنهج العمل المستقبلي في إطار الشراكة والتفاهم فيما بين الأطراف الخليجية من حيث المبدأ قبل أن تتسع الدائرة لتشمل المحيط العربي والإسلامي.
الحديث عن الإرهاب والتطرف كان طويلاً ومكرراً دون أن يكون هناك إجماع أو اتفاق من قبل الأطراف المؤتمرة على هذين المفهومين بشكل دقيق وشامل يسهل من خلاله تحديد الجماعات والشخوص الذين يتصفون بهاتين الصفتين.
فبالوقت الذي تصطف فيه القيادة المصرية والإماراتية والفلسطينية صراحة لتدين جماعة الإخوان المسلمين وتعتبرها جماعة إرهابية، إضافة إلى الموقف السعودي المتذبذب بموقفه مؤخراً من جماعة الإخوان، تقف في الصف الآخر المقابل القيادة التركية والقطرية والسودانية والتونسية رافضة تصنيف هذا التنظيم كجماعة إرهابية. هذا الانقسام عبّرت عنه كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أدان تلميحاً الجماعة، وكل ممثليها وداعميها سواء كانوا دولاً أو جماعات بالإشارة الى قطر وتركيا وحركة حماس. الأمر الذي دفع القيادة القطرية بعد يومين إلى الرد بالكشف عن حقيقة المستور خلف كواليس المؤتمرات الثلاثة التي عقدت بالرياض في مشهد مربك وخطير قد لا تنتهي تداعياته بسهولة.
التصريحات القطرية، حتى وإن نفيت فيما بعد، خطيرة لأنها تعبّر عن ثلاث حقائق مهمة مفادها: أنها أولاً كانت ردة فعل على المؤتمرات الثلاثة التي عقدت بالرياض، وتعبير صريح عن عدم الرضى والقبول بما سوق له من قبل المؤتمرين. وإعلان فشل ذريع للعمل العربي السني المشترك. وأن ما أعلن عنه خلال وبعد المؤتمر هو موقف بعض الأطراف وليس جميعها. ثانياً أن هذه التصريحات قد تكون بمثابة بالونات اختبار أو مقدمات للإعلان عن تشكيل جناح سياسي جديد تقوده قطر بشكل صريح وكل من يمثل الأخوان المسلمين للتحليق خارج السرب الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وهو الذي سوق له على أنه الخيار الأوحد والأقوى والأكثر تماسكاً لحماية أجواء المنطقة من الأخطار الخارجية والتقلبات. والأمر الثالث هو ما ستؤول إليه هذه الحالة التنافسية والخيارات التي سيفرضها الجناح الجديد على أرض الواقع. فالإخوان المسلمون اليوم من خلال الموقف القطري يعلنون رسمياً شق صف التحالف السني، والانفصال عن الجناح الآخر الذي تقوده المملكة العربية السعودية وهو الأمر الذي سينعكس على كل الميادين الساخنة سياسياً وعسكرياً على طول وعرض منطقة الشرق الأوسط وربما لن يكون من المستغرب لو أدى ذلك إلى ذهاب القيادة القطرية إلى دمشق للإعلان عن تحالفات جديدة يكون لإيران والإخوان المسلمين بها الحظوة والكفة الراجحة.
كل التطبيل والزخم الإعلامي الذي واكب القمم الثلاث لم يغير من الواقع المؤلم والفوضى السياسية التي يعيشها الشرق الأوسط في شيء، ولم يضف على القمم الثلاث شيئاً أكثر وضوحاً من أنها قمم فارغة من محتواها العملي وأنها مسرحية ضخمة لشرعنة دفع «الأتاوة» التي توعّد الرئيس الأميركي بأخذها من دول الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي لم تفشل بقيادة الملف الخليجي والعربي والإسلامي فحسب، بل فشلت قيادتها حتى باستصدار اعتذار صغير من قبل الرئيس الأميركي عن التصريحات المخزية والمتطرفة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية والتي قامت هي الأخرى على كيل الشتائم للمسلمين والعرب ورفع الشعارات العنصرية ضدهم!
* كاتب سعودي