ما إن أعلنت قناة «العربية» التابعة لنظام آل سعود أن العنوان الرئيسي والأبرز للقاء الذي جمع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو كشف السعودية، عبر مصادر خاصة لها، أن الاخيرة تعتزم بناء 16 مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية ومصادر الطاقة والمياه، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات السعوديين الذين أعربوا عن سعادتهم واعتزازهم بهذا الإنجاز، فهللوا وكبّروا وحمدوا الله على «نعمة» وجود «سلمان الحزم» وابنه، حتى أن الحميّة أخذت البعض منهم في اعتبار هذا الاعلان صفعة قوية لأوباما «الشيعي»، وأن زمن الارتهان للأميركي قد انتهى الى غير رجعة.
الخبر لافت لا شك، ولكن أن تكتفي وكالة الانباء السعودية والصحف الرسمية بالاشارة الى توقيع اتفاقات في مجال الطاقة والمياه والتعاون العسكري خلال زيارة بن سلمان الى موسكو فقط من دون ذكر اي تفاصيل، فإن ذلك يوحي بغموض حول دقة المعلومة. هل تم الاتفاق على أن تبني موسكو المفاعلات الـ 16 منفردة، أم أنها ستتعاون اضافة الى دول نووية أخرى في بنائها؟
سعي موسكو لتعزيز وجودها في المياه الدافئة يتكرس كل يوم

الثابت حتى الآن أن آل سعود اتخذوا قرار إنشاء برنامج نووي للأغراض السلمية «كما يدعون»، لكن هناك علامات استفهام تحوم حول الخطوة السعودية، خصوصاً إن إعلانها جاء على مسافة عشرة ايام فقط من انتهاء المهلة المحددة لإنجاز اتفاق نهائي بين الدول الست وايران حول ملفها النووي.
لماذا استقر الإعلان السعودي على 16 مفاعلاً وليس 8 أو 10 مثلاً؟ هل للأمر علاقة بالمفاعلات النووية الايرانية التي يبلغ عدد المنتجة منها لليورانيوم المخصب 4 على ان ينضم اليها بوشهر قريباً؟ هل لقصة العدد خلفيات كيدية بدوية كأن يضربوا عدد المفاعلات النووية الايرانية بأربعة للإيحاء بالتفوق على الايرانيين؟
أسئلة كثيرة وكبيرة بحاجة الى توضيح تتعلق بقدرة السعوديين على تدشين برنامج نووي، فإسلام أباد أعلنت الشهر الماضي صراحة رفضها القاطع لبيع اي قطعة من ترسانتها النووية لأي دولة كانت، او حتى نقل التقنية الى اي طرف آخر التزاماً منها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي.
ثم لماذا اللجوء الى روسيا لإنجاز برنامج كهذا في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا لم يذهبوا الى حليفتهم واشنطن لتنجز لهم ما يطمحون اليه؟ وهل الأمر لا يعدوا كونه مجرد «فشة خلق» في وجه أوباما الذي أدار لهم ظهره بإصراره على انجاز الاتفاق مع ايران من دون أخذ مخاوفهم بعين الاعتبار؟
أما السؤال الأكبر فهو: هل سترضى «إسرائيل» بوجود برنامج نووي عربي في المنطقة؟ أم أن الجنرال الصغير ابن سلمان ضمن موافقة الصهاينة على برنامجه المزعوم، في ظل تقاطع المصالح بين مملكة أجداده و»إسرائيل» في الآونة الأخيرة على خلفية تكريس ايران كقوة نووية في منطقة الشرق الأوسط باعتراف غربي بذلك؟
ويبقى هناك تساؤل مشروع يتعلق بقدرة آل سعود على حماية برنامجهم النووي إن قُدِّر له أن يرى النور، فنظامهم يحوي أكبر قاعدة مؤيدة لفكر «داعش» وممارساته ويفرّخ عناصر وقيادات تدعو للإطاحة بنظام آل سعود. هل يضمنون لحلفائهم الغربيين أن المفاعلات لن تقع بأيدي «داعش»، او على الأقل ضمان حمايتها من هجمات داعشية؟
أما بالنسبة إلى الروس، فإنّ بوتين يعلم جيداً أن السعودي إنما أتى اليه على قدميه. المؤكد أن سعي موسكو لتعزيز وجودها في المياه الدافئة يتكرس كل يوم، فمن سوريا وتفكيك أذرع ضربها من قبل الغرب قبل عامين الى مصر وصفقات التسلح التي تم توقيعها مع السيسي وصولاً الى اتفاق نووي مع السعودية حتى وإن تبين لاحقاً أنه مجرد فقاعة إعلامية في وجه أوباما، يعلن بوتين للأميركيين أنه يستحوذ على أوراق نفوذهم في منطقة الشرق الاوسط ويواجههم في شرق اوروبا، ولا يمكن إغفال الحاجة الروسية للمال السعودي في هذه المرحلة، والغرب يفرض عليه العقوبات ويحاصره اقتصادياً. لكن لا يميلنّ أحد الى الاعتقاد بأن التقرّب السعودي من بوتين سوف يكون على حساب موقفه من سوريا، فبندر ابن عم ابن سلمان يمتلك حنكة في السياسة أكثر من الامير الصغير حديث العهد، ولن يفلح في انجاز ما اخفق ابن عمه قبله في تحقيقه ولو دفع عشرات مليارات الدولارات.
*صحافي لبناني