من الواضح أن هناك ما يشبه العدوى الوبائية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط والمتمحورة حول موضوع الطاقة النووية. وبالرغم من أن دولاً عدة في المنطقة لديها طموح في بناء مفاعلات نووية، فإن خططها المتعلقة بهذا الموضوع ـــ على الأقل على الورق وفي الخطابات الرسمية ـــ قد اكتسبت زخماً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، منذ أصبح واضحاً أن إيران لن تنهي برنامجها النووي وأن الإمارات العربية المتحدة قد باشرت في بناء مفاعلات نووية.
نشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت مؤخراً ملخص دراسة بعنوان «تخصيب اليورانيوم وفرص التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط» والتي حاولت من خلالها شرح إمكانية تحويل برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم المثير للجدل إلى برنامج تعاون إقليمي ذي فوائد اقتصادية وسياسية جمة، على الرغم من كل عوائق المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
النقاش حول برنامج إيران النووي، وحول السرعة التي يمكن لإيران من خلالها أن تبني قنبلتها النووية، قد خبا بشكل كبير. أثر هذا على الأمن الإقليمي، في كل الأحوال، ما زال بحاجة إلى المزيد من الدراسة عن قرب. وبالرغم من أن الاهتمام بالطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط كان موجوداً حتى قبل موجة المفاوضات الأخيرة بين إيران والمجتمع الدولي التي بدأت عام 2013، إن الاعتراف والقبول ببرنامج إيران النووي سوف يحفز القوى الإقليمية الأخرى لملاحقة الطموح نفسه.

بالرغم من الفوائد، يبقى تخصيب اليورانيوم في الشرق الأوسط نوعاً من التحدي

من حسن الحظ، فإن الغالبية العظمى من عقود الطاقة النووية المطروحة الآن في المنطقة من المتوقع أن تتضمن تزويداً من خارج المنطقة بوقود اليورانيوم المخصب واسترداد النفايات النووية، بالرغم من أنه ليس من الواضح أن ترتيباً كهذا سوف يغطي كامل البرامج النووية أو أنه، أي الترتيب، سيبقى مستمراً في المستقبل، هذا من دون ذكر إمكانية وجود محاولات غير معلن عنها من قبل الدول لتأسيس برنامج تسليح نووي.
هناك سيناريو مأزقي محدد سيظهر في حال طالبت الدول في المنطقة بأن تسيطر على إجراءات تخصيب اليورانيوم أو معالجة النفايات النووية المحتوية على البلوتونيوم، إذ إن الأمرين كليهما يعتبران بمثابة ممر باتجاه القنبلة النووية. ويفرض التداخل الكبير بين المتطلبات التقنية للتطبيقات النووية السلمية وغير السلمية مخاطرة كبيرة باتجاه التسليح، خصوصاً في منطقة مقسمة سياسياً وطائفياً وعرقياً.
وطالما أن هناك مفاعلات أكثر ستُبنى، فإن تدفق اليورانيوم المخصب سيزداد وكذلك بالنسبة إلى عدد وحدات الطرد المركزية، وهذا ما يمكن إعادة ترتيبه بطريقة يخصب فيها اليورانيوم إلى سوية التسليح. كذلك فإن النفايات النووية بحد ذاتها مشكلة، خصوصاً عندما يكون البلوتونيوم فيها قد تم فصله عن طريق إعادة المعالجة. المشكلة هي أن نشاطات كهذه مسيطر عليها من قبل دول المنطقة كل على حدة، ستقود في حالة زيادة التوتر إلى إمكانية تحول البرامج النووية إلى برامج تسليح بشكل مؤسف.
الطريقة الوحيدة لمعالجة هذا القلق عبر جعل الانتشار النووي في الشرق الأوسط مبني على الاتفاق الذي تم مع إيران وذلك بأن تكون خطط التخصيب الوطنية للسنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة، بما فيها الخطة الإيرانية، خاضعة لمبادرة متعددة الجنسيات تتضمن أيضا شركاء دوليين مثل روسيا والولايات المتحدة. وهذه يمكن أن تكون خطوة فعالة باتجاه تقليل خطورة محاولات الدول لبناء سلاح نووي. أكثر من هذا، فإن خطوة كهذه سوف تدعم الجهود الدولية للحد من الانتشار النووي، تلك الجهود المقيدة بسبب افتقادها إلى تمييز دقيق بين الاستخدامات السلمية والاستخدامات العسكرية للأنشطة النووية في معاهدة الحد من الانتشار النووي.
يمكن أيضاً للترتيب المتعدد الجنسيات أن يزيد من شفافية البرامج النووية في المنطقة، بما فيها البرنامج الإيراني، ويجعل من الصعب على أي جهة ـــ سواء كانت موجهة من قبل كيان سياسي أو من قبل فاعل غير تابع لدولة ـــ أن تباشر في نشاطات نووية سرية. التحكم المتعدد الجنسيات بهكذا برامج يمكن أن يعزز التعاون والثقة بين دول المنطقة ويؤدي إلى منافع اقتصادية إضافية مثل تزويد أكثر أمناً بالوقود النووي.
المسوّغ الاقتصادي لتحوّل كهذا من برامج التخصيب الوطنية إلى برامج ومنشآت تحت إدارة متعددة الجنسيات قوي جداً. الاستثمار في برامج تخصيب يورانيوم وطنية يفرض عبئاً مالياً ضخماً مضافاً إلى تلك الكلفة الضخمة بطبيعة الأحوال لبناء محطات طاقة نووية. سيكون أقل تكلفة بكثير لدول المنطقة التي لا تمتلك التكنولوجيا النووية الكافية والإمكانيات الكبيرة على مستوى الموارد البشرية أن تحصل على الوقود من منشآت متعددة الجنسيات بكلفة أقل بالتأكيد، مستفيدة من سوية الخبرات المتوفرة عند الشركاء الدوليين مثل روسيا والولايات المتحدة.
وبالرغم من الفوائد الاقتصادية والسياسية، يبقى تخصيب اليورانيوم بإشراف متعدد الجنسيات في الشرق الأوسط نوعاً من التحدي المستقبلي. إذ إنه ليس من الواضح بعد إلى أي مدى يمكن لإيران أن تتقبل مثل هذه الفكرة، آخذين بعين الاعتبار استثماراتها السابقة وجهودها لتطوير قدرات التخصيب الخاصة بها، وما هو حجم الاهتمام الحقيقي بهذه الفكرة في مصر والأردن والسعودية والإمارات. لا يوجد شك بأننا بحاجة إلى الإرادة السياسية في المنطقة للشروع في هكذا مشاريع أساسية للتعاون، ولكن وحتى في ظل وجود دعم سياسي، فإن أسئلة كبيرة مثل أين ستبنى المنشأة المتعددة الجنسيات وكيف يمكن أن تدار، وأي الأطراف ستزودها بالخبرات التكنولوجية المطلوبة، ستبقى بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتفحص.

* مدير برنامج سياسات الطاقة والأمن في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت