يقف الحزب الشيوعي اللبناني أمام مجموعة من التحديات والاستحقاقات، وبخاصة لجهة تظهير موقفه السياسي بما يتناسب والنتائج التي خرج بها مؤتمره الحادي عشر. فاستنهاض الحزب لا يمكن أن يكون على المستوى التنظيمي فقط، بل يجب أن يرتبط بشكل جدلي مع الاستنهاض على المستويين السياسي والفكري. في المرحلة السابقة للمؤتمر الحادي عشر، ساد في الحزب نهج استسلم لـ«الهزيمة» التي تعرض لها الشيوعيون في العالم منذ ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وقد تعاطى هذا النهج مع كل الملفات من منطلق «عدم القدرة على الفعل»، فكان له الآثار السلبية على مجمل ميادين عمل الحزب، بدءاً بالعمود الفقري للحزب أي الموضوع النظري الذي يحكم كل تحليلاته وعمله، مروراً بالموقف السياسي والمهام المترتبة عليه، وصولاً إلى الميادين التي كان الحزب رائداً فيها كالمقاومة المسلحة والعمل النقابي والطلابي... والتي ترتبط جميعها بالتحديد النظري وبالتالي السياسي ومهامه. وهنا لا نحمّل هذا النهج المسؤولية الكاملة عن التراجع من دون النظر في ظروف تلك المرحلة، إلا أنه ما كان يمكن تبريره حتى عام 1998، أصبح من الصعب تبريره بعد هذا التاريخ، وبخاصة أن الأفق أمام طروحاتنا عاد لينفتح، بينما انغلق هذا الأفق أمام أعدائنا ومشروعهم الإمبريالي.
ولكن هذا النهج ما كان ليستطيع النظر إلى هذا التغيير وذلك لأنه نهج دفاعي بطبيعته، نشأ على هذه الأرضية ولم يكن ليستطيع الانتقال إلى الهجوم مما كان يحتم تغييره للانطلاق مجدداً في أفق التغيير والتحرير.
الحزب مدعو اليوم إلى تخطي هذا النهج على كل المستويات، وأهمها النظري والسياسي. فالحزب اكتفى في الفترة السابقة بالتحليل السياسي والتوصيف، وعليه اليوم الانتقال إلى تحديد مهام واضحة ليخوض معركة التغيير على أساسها، خصوصاً أن المؤتمر حدد مدة زمنية لمرحلة انتقالية في الحزب على أن تكون أهداف هذه المرحلة إنجاز هذه المهام السياسية والتنظيمية والفكرية.
هذه المهام يجب أن ترى الواقع بشموليته، فلا يمكن مثلاً النظر في عملية التغيير في لبنان من دون النظر إلى التغيرات والتحولات والمخاضات التي تحصل على المستوى الإقليمي والدولي، ولا يمكن ربط كل ذلك من دون أن تحدد الأرضية النظرية لهذا الموقف السياسي، والذي من خلاله يمكن ربط كل هذه المواقف بعضها ببعض، ما يسمح للحزب ببناء خط سياسي قادر على رؤية الآتي والتصدي له، لا أن يكون موقفاً ارتجالياً مبنياً على التحليل الآني للأخبار. وبهذه الطريقة يتمكن الحزب من أخذ موقف ويبني له تحالفات من موقع المستقل الساعي لتحقيق مطالب الفئات التي يمثل والمدافع عن حقوق شعوب هذه المنطقة، من دون الخوف من التبعية للمحاور. فمن يملك مشروعاً لا يمكن أن يكون تابعاً، أما من لا يملك هذا المشروع فهو بالضرورة تابع.
بناء على كل ذلك، فإن الحزب مدعو لإنتاج هذه الرؤية ووضع برنامجه للتغيير بشكل مفصل، فعلى المستوى الداخلي هناك العديد من الاستحقاقات الأساسية وعلى رأسها الانتخابات النيابية التي يجب تحديد موقف واضح وسريع منها ومن قانون الانتخاب. وعلى أساس هذا الموقف، يبدأ العمل على بناء أوسع تحالف لخوض هذه الانتخابات (ترشح أو مقاطعة أو ورقة بيضاء) يشمل كل المتضررين من هذا النظام والساعين لتغييره. من الضروري عدم الركون لاعتبارات هي من أهم ظواهر مرحلة التراجع كالخوف من التحالفات والقول إن كل من حولنا هو طائفي وبالتالي لا يمكن التقاطع مع أحد، ما يبرر الانعزال السياسي وبالتالي استحالة إمكانية إقامة خرق في بنية هذا النظام.
إن الموقف السياسي يبقى «لا موقف»، إن لم يتحول إلى مهام. وكي تنجز، تحتاج هذه المهام إلى جرأة في أخذ القرارات، أي أنها بحاجة إلى قيادة ثورية تستطيع القول إنها مستعدة لتحمّل مسؤولية الخيارات التي ستتخذها. وبالتالي فإن أصابت يكون شعبنا هو المستفيد وإن أخفقت تحاسب من قبل الشيوعيين. أما عدم أخذ القرارات، فيعني عدم وجود نتائج إلا نتيجة واحدة وهي الفشل في تحقيق أي شيء... وبالنسبة إلى حزب مقتنع بالتغيير الديموقراطي، فهذه هي الخطيئة الكبرى.
أمام كل هذه التحديات على الحزب التخلي عن كل أوهام الهزيمة، والتطلع إلى ما ينتظره منه عشرات آلاف المستغَلين في هذا البلد.
* باحث لبناني