وطن البصل
«لما توصلا كول من بصلا»، مثل قديم قيل إعتقاداً بأن اﻷكل من بصل بلد هو بمثابة دواء ينفع في الوقاية من أمراض تلك البلد الموسمية... قد يكون عن معرفة أو عن تجربة أو خزعبلة مثل كل الخزعبلات التي بتنا نراها على شاشات التلفزة في أيامنا هذه، وما أكثرهأ
وللبصل شهرة واسعة لا تقل عن شهرة سياسيينا، و»أمثاله» كثيرة، كالتي تغنت به كـ «كول البصل وإنسى اللي حصل» الذي حتى اﻵن لم أعرف المغزى منه...

أو التي ذمته كـ «يا داخل بين البصلة وقشرتا ما بنوبك إلا ريحتا» أو «بصلتو محروقة» وغيرها من اﻷمثال الشعبية المحلية أو العالمية التي تتخذ من البصل منطلقاً للتعبير أو التعريف أو حتى التلميح لشيء ما أو أحد ما أو كليهما معاً. وهذه الشهرة لم تمنعها الرائحة الحادة للبصل من الإنتشار رغم أن الناس تحب الروائح الزكية والفرحة.
وهكذا هي حالنا في هذا البلد المتلاطم موجه على شواطئ سياسييه الصخرية الذين، رغم رائحة فسادهم النتنة، لا زلنا نجد من يتغنى بهم ويضرب بهم اﻷمثال ويصنع لهم التماثيل ويشعل لهم فوهات البنادق كلما نطقوا ببنت شفة، ويضعهم في غير مواضعهم ويجلسهم في غير أماكنهم بحجة أن البلد لا يمكن أن يمشي من دون رعايتهم ولمساتهم السحرية، تماماً كالبصل الذي لا يكاد يخلو منه مطبخ ولا تكاد تخلو منه طبخة. كأنهم أساس كل شيء وعماده، لا نكهة للوطن من دونهم ولا زكاوة لرائحته من دون نفاياتهم النفيسة، ولا شفاء لداء بغير دوائهم الفاسد، ولا شبع لفقير بغير مطاحنهم العفنة، ولا سلامة لشبابنا إلا بجبهاتهم المفتوحة، ولا ركيزة للوطن إلا بتحالفاتهم المريبة، ولا تربية ﻷولادنا إلا في مدارسهم الخاصة الفاتقة لجيوبنا الراتقة لجيوبهم. هذا هو حالنا في هذا البلد...
تماماً كالبصل... أبكوا مدامعنا عنوة وقهرا، وكالبصل تعلقت نتانتهم على هندام أيامنا، وكالبصل صاروا أمثالاً يتغنى بهم البسطاء منا كأنه لا ثمار على أشجارنا ولا ورود في حدائقنا. نعم ربما ﻷنهم اقتلعوا ورودنا ولوثوا عطر زهورنا واقتلعوا شبابنا وهجروه إلى غياهب المجهول ولوثوا فكر المتبقين منهم بأفكارهم الجهنمية طمعاً بتبعية جهل وعمى تضمن لهم الفوز بكرسي عظمة وسلطة ينبع لهم منه ذهب...
متى نصحو ونستبدل البصل بالريحان والجهل بالعرفان والغربة باﻷوطان والخوف باﻷمان؟
إبراهيم مالك