بتاريخ 12/8/2016 قام الشهيد ناهض حتر بإعادة نشر رسم كاريكاتيري يسخر من«الدواعش» بعنوان «رب الدواعش» على صفحته الشخصية في موقع «فايسبوك». ولم يكن هو أول من قام بذلك، إنما سبقه ولحقه العديدون ممن نشروا هذا الرسم على صفحاتهم في الموقع نفسه.
ما إن نُشر الرسم حتى شُنت حملة منظمة بقيادة الإخوان المسلمين وممن يؤيدون فكرهم، وتزعمها محامون وجريدة «السبيل» ونواب سابقون، تتهمه زوراً بالإساءة إلى الذات الإلهية، الأمر الذي كان يؤكد أن الحملة لم تكن تلقائية أو رد فعل، بل كانت منسقة تنسيقاً كاملاً (يتأكد ذلك التنسيق الواضح في حملة الشكاوى التي قدمت للمدعي العام).

لقد تفاعلت هذه الحملة في غضون ساعات قليلة على مواقع التواصل الاجتماعي، تبعها تدخل مباشر من رئيس الوزراء هاني الملقي، في الليلة ذاتها (وكان الملقي قد بعث في تموز 2016 برسائل شفهية تهديدية للشهيد، محمولة مع أشخاص محددين، على خلفية مقال له نشر في وكالة عمون الإخبارية بعنوان «هل تجاوز الملقي حدوده ؟»)، فأوعز على الفور إلى وزير داخليته بعدة طلبات يتناقض أحدها مع الآخر. من جهة طلب منه استدعاء الشهيد والتحقيق معه من خلال الحاكم الإداري، لكنه في هذا الطلب يصدر حكمه حول فعل الشهيد بالقول: «اتخاذ المقتضى القانوني بحقه». وشدد الملقي على أن القوانين ستطبق بحزم على كل من يقوم بمثل هذه الممارسات الطارئة على مجتمعنا، أي إنه كان قد أصدر حكمه مباشرة بعدما طلب من وزير الداخلية «بالتحقق بما نسب إلى الكاتب حتر حول نشره مادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تمس الذات الإلهية».
وساهم إعلان وزير الداخلية في رفع الغطاء عن الشهيد، وفتح شهية فئتين من الحاقدين للانتقام منه: فئة الإخوان المسلمين ومؤيدوهم، وفئة الفاسدين في السلطة الذين كان الشهيد عدوهم الأول.
قام الشهيد ناهض حتر بتوضيح قصده وبأن الرسم يسخر من «الدواعش» فقط، بعد صدور أوامر الاعتقال والحملة المنظمة. ونشر التوضيح التالي على وكالة عمون الإخبارية:
«شاركت منشوراً يتضمن كاريكاتيراً بعنوان «رب الدواعش» لا علاقة لي به إطلاقا كما يروج الإخوان. الكاريكاتير وهو يسخر من الإرهابيين وتصورهم للرب والجنة ولا يمسّ الذات الإلهية من قريب أو بعيد بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروجه الإرهابييون. الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان: أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري. وإخونج داعشيون يحملون المخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون».
لقد خالف رئيس الوزراء القانون وتجاوز صلاحياته حين اغتصب اختصاص النيابة العامة، ثم حين شارك بحملة التحريض وشق المجتمع بالإعلان عبر وسائل الإعلام عن ما أوعز به إلى وزير داخليته، لا بل إنه استخدم في الإعلان تعابير ترتقي إلى تعابير تحريضيه، وتعمل على شق وحدة المجتمع الأردني.
بعد هذا الإعلان بدقائق قامت أجهزة الأمن بمداهمة منزل الشهيد وأصرت على الاقتحام، دون إذن تفتيش، مهددة بكسر الباب! كما تم تهديد ابنه بالاعتقال في حال تبين أن الشهيد كان في المنزل. وقد تمت مداهمة المنزل بوجود عدد كبير من رجال الأمن والمخابرات والأمن الوقائي.
بعد انتهاء المداهمة بدقائق فقط، أعلنت وسائل الإعلام أن وزراة الداخلية تعد الكاتب ناهض حتر «فاراً من وجه العدالة»، وطلبت إحضاره مخفوراً وبالسرعة الممكنة وفقاً لما أفاد به محافظ العاصمة خالد أبو زيد. وبذلك، فإنّ حملة التحريض ورفع الغطاء عن الشهيد تعززت وأصبحت أكثر وضوحاً. وكانت وزارة الداخلية قد اغتصبت بذلك دور النيابة العامة أيضاً، المؤسسة الوحيدة التي تملك الحق القانوني في التقرير إن كان شخص ما «مجرماً فاراً» أو لا، كما ورد في المادة (243) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
بتاريخ 13/8/2016 سلم الشهيد نفسه إلى محافظ العاصمة، الذي قام بدوره بإحالته إلى المدعي العام في اليوم التالي مباشرة. في هذا الوقت نفسه كان الإخوان المسلمون يواصلون حملتهم المنظمة المنسقة، وكانوا بدأوا برفع الشكاوى ضد الشهيد في أكثر من منطقة: من مدعي عام الكرك إلى جنوب عمان إلى قصر العدل، لتقام هذه الشكاوى في معظمها من محامين معروفي الانتماء إلى التيار الإخواني.
على إثر ذلك، تم توقيف الشهيد في سجن ماركا على ذمة التحقيق، الفعل الذي شكل فصلاً جديداً في اغتيال شخصيتة، ولا سيما أنه بات موقوفاً ولا يملك فرصة الرد. ففضلاً عن موجة التجييش والتحريض التي أطلقها الإخوان المسلمون وحصنها رئيس الوزراء الملقي، وأكملها وزير داخليته، شنت دائرة الإفتاء ومجمع الكنائس وصحافيون وكتاب وفاسدون وحاقدون، حملة لا مثيل لها ضد الشهيد، نالت منه ومن شخصيته، وطاولت مواقفه السياسية التي لا علاقة لها بالكاريكاتير، كما طاولت تاريخه السياسي والنضالي، وعلاقاته المحلية والعربية والدولية، منتهزة فرصة كونه بلا حماية مسلوب الحق في الرد أو في الدفاع، لا بل وأصبح الدفاع عنه بمثابة الجريمة.
وفي التوقيف بدأ فصل آخر من فصول هذه القضية، التي أصبح المستفيدون منها أكثر وعياً للأهداف التي يريدون تحقيقها، إذ طاولت الشهيد وهو في السجن صنوف من الإهانة والتعذيب نسجل منها ما يأتي:
1- تم تصنيفه في السجن «مجرماً خطيراً».
2- كبل بالأغلال في اليدين والقدمين.
3- نقل مغطى الرأس في الطريق من السجن إلى المستشفى.
4- عندما وصل المستشفى ربط بالأغلال إلى السرير.
5- طلب الطبيب من الشرطي فك قيده حتى يستطيع فحصه لكن الشرطي رفض.
6- عندما تعب الشهيد وتقيأ، طلب أن يوضع على بطنه حتى لا يختنق، بيد أنهم أبقوه ممداً على ظهره، ومقيداً إلى السرير.
7- بعد أن فحصه الطبيب واللجنة، ووضع له العلاج اللازم بواسطة الإبر، دخلت مجموعة من أفراد الأمن وفصلوا الإبر بشكل همجي، ونقلوه إلى غرفة السجن في المستشفى.
8- قدمت دعوى من قبل أخيه ومحامية بحق وزير الداخلية ومدير مستشفى البشير ووزير الصحة ومدير الأمن، بتهمة الشروع بالقتل، وسلمت للنائب العام، ولكنه رفض استلامها، بعدما انتظروه من العاشرة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر، وقال لهم: «القضية لم تعد عندي راجعوا القاضية أمل أبو عبيد».
9- أصر وزير الداخلية سلامة حماد، على أنّ ناهض «يدعي المرض» لذا تم تشكيل لجنة طبية لفحصه مجدداً، وذلك بعد تدخل الدكتور رجائي المعشر، ووافق ناهض على الرجوع إلى المستشفى، لكنهم أعادوه بالطريقة المذلة نفسها.
10- عندما عاد الشهيد من المستشفى إلى السجن أوصل رسالة لأخيه خالد قائلاً فيها:
«حتى لو متّ في السجن ما ترجعوني على المستشفى» وقال لأكثر من شاهد: «أسوأ أيام حياتي حين ذهبت لمستشفى البشير».
وأثناء الاعتقال انطلقت حملة تحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد الشهيد، ومن المحرضين من طالب بإعدامه أمام الجامع الحسيني، ومنهم من طالب بتعذيبه بوسائل تعذيب لم تخطر على بال أعتى الجناة. غير أن أية من هذه الدعوات المتوحشه لم تثر حفيظة الدولة، أو جهازاً من أجهزتها، فلم تحرك ساكناً، فاتحة المجال لحملة التحريض كي تشتد، في فعل يرفع الغطاء عن الشهيد ويقدم لاغتياله، كما لو أن هذا هو مبتغاها. وكما قمنا بتسليم محافظ العاصمة قائمة موثقة بالأشخاص الذي حرضوا على قتل الشهيد، ولم تتم محاسبة أي شخص منهم.
بعد اشتداد حملة التحريض، طالبنا نحن عائلة الشهيد، ويشمل ذلك والدة الشهيد وزوجته وأبنائه وإخوانه، طالبنا بالحماية، فقدمنا شكوى لمحافظ العاصمة خالد أبو زيد، بشأن التهديدات، إلا أن أية حماية لم تقدم لنا. المحافظ رفض توفيرها بحجج واهية وقال بالحرف: «هذه تهديدات كرتونية».
بتاريخ 8/9/2016 تم الإفراج عن الشهيد من السجن بكفالة مالية، وقبل الإفراج تم الطلب من نائب مدير شرطة عمان طلال العبدالات، تأمين الحماية له. أجرى العبدلات اتصالاً مع جهة ما (لا ندري من هي)، وبعدها قال للشهيد ولمن رافقه: «أمنك الشخصي مسؤوليتك ومراسلاتنا الأمنية تشير إلى أن نسبة الخطر عليك أقل من 0/100، ضع اسمك على صباحك وإمشي أمام الجامع الحسيني».
وهكذا، خرج الشهيد من التوقيف بعد زيارة المحافظ مكشوفاً من أي حماية، ليصبح لاحقاً هدفاً سهلاً، ومحملاً بتطمينات أمنية لا تترك مجالاً للشك، في الوقت الذي كان فيه بعض الأشخاص الذين تعرضوا لأخطار في السابق (تقل بكثير عما كان يهدد الشهيد)، قد منحوا الحماية الأمنية وأجبروا في بعض الأحيان عليها، مثل ليث شبيلات، وتوجان فيصل، وزليخه أبو ريشة، وغيرهم.
قام خالد حتر، وهو شقيق الشهيد، بطلب الحماية أيضاً من قائد أمن إقليم العاصمة العميد عبيد الله المعايطة، ولم يستجب لطلبه.

/2016/25/9؛ اغتيال ناهض حتر أمام قصر العدل.

لقد أمر الملك عبد الله الثاني بتشكيل لجنة تحقيق بالملابسات التي وردت في هذا البيان، والتي تم شرحها له في بيت العزاء، وبعد مرور ما يزيد على ستة أشهر من الاغتيال، تبين لنا وفي لقاء طلبناه مع وزير العدل، أنه ليس هنالك لجنة تحقيق، بل «لجنة تحقق». عندما استفسرنا من الوزير عن سبب عدم التواصل مع العائلة ومحامي الشهيد، طلب الوزير اجتماعاً آخر لاستكمال البحث، إلا أنه تم تأجيل الموعد ثلاث مرات ولم يعقد الاجتماع.
إننا نزداد قناعة يوماً بعد يوم بأن الحكومة ممثلة برئيس وزرائها هاني الملقي، قد ساهمت بشكل مباشر في اغتيال الشهيد، مرة حين حرضت الرأي العام ضده ووصفته بالمجرم الفار من العدالة واعتقلته تعسفاً وصنفته مجرماً خطيراً، وأخرى حين لم توفر له الحماية، ومرة حينما لم تحم حرية التعبير والرأي الحر، كما تكفلتها القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية. ومرة حينما تركت المحرضين على قتله واغتيال شخصه قبل اغتيال جسده، أحراراً دون محاكمة. إنّ كل ذلك سهل اغتيال الشهيد، ومما زاد الأمر وضوحاً انكشاف أن القاتل موظف رسمي في أجهزة الدولة، ومعروف لدى الأجهزة الأمنية سابقاً.
الشهيد ناهض حتر كاتب صحافي ومفكر أردني. اعتقل عدة مرات بسبب نشاطه السياسي وكتاباته الصحفية (1978، 2016,1996,1979) وتعرض لمحاولة اغتيال عام 1998 أدت إلى إصابات بالغة احتاج على إثرها لعدد من العمليات الجراحية. استمر الشهيد في نشاطه السياسي والفكري المعارض، ما دفع السلطات الأردنية إلى منعه من الكتابة في الصحافة المحلية منذ عام 2008 وحتى تاريخ استشهاده.
يعتبر الشهيد ناهض حتر منظِّراً للهوية الوطنية الأردنية وعراباً للحركة الوطنية الأردنية، حيث قدم من خلال دراساته ومؤلفاته تحليلاً للبنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الأردني. دافع الشهيد حتر عن الأردن في مواجهة المشروع الصهيوني المتمثل بالوطن البديل وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وفلسطين معاً، ووقف في وجه السياسات الليبرالية والكمبرادور الذي سعى إلى تحطيم مؤسسات الدولة والطبقة الوسطى. كذلك عمل على تجديد طروحات حركة التحرر الوطني الاجتماعي، وإعادة اكتشاف مركزية الدولة الوطنية ومفاهيم التنمية والديموقراطية المضادة والثقافة المشرقية والمقاومة في مواجهة مشاريع الاستعمار وأدواته التكفيرية في المنطقة، وخصوصاً في سوريا.
وعليه، فإننا عائلة الشهيد ناهض حتر، الذين نعتز ونفتخر به وبتاريخه النضالي، ونفتخر أيضاً بأنه عمّد مسيرته الفكرية والنضالية بدمه وقدم روحه شهيداً في سبيل وطنه الأردن الذي أحب، ووهب حياته من أجله، وفي سبيل حماية الحريات العامة وصونها، نستنكر تجاهل الحكومة لأوامر الملك، ويؤكد لنا ذلك التجاهل تورطها رسمياً في الاغتيال. نطالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة غير حكومية، مكوّنة من مراكز وجمعيات حقوق الإنسان، ومن نواب ومن النائب العام، وتعطى الصلاحيات الكاملة للتحقيق في الملابسات التي رافقت القضية حتى يوم الاغتيال، وتملك الصلاحيات الكاملة في التحقيق مع أي ممن له علاقة بهذه القضية وعلى رأسهم رئيس الوزراء هالني الملقي، وأن تقوم بنشر نتائج التحقيق، ومن ثم إحالة من يثبت تورطه في القضية للقضاء المختص، كما يكون من ضمن اختصاصها الاطلاع على الملف الأمني للقاتل (هذا إن وجد أصلاً) وارتباطات القاتل الداخلية والخارجية، والجهة التي دربته ووفرت له السلاح والمعلومات وأرسلته لتنفيذ الاغتيال.
وإننا في حال تجاهل مطالبنا، سوف نلجأ إلى محاكم حقوق الإنسان الدولية، واستخدام كل القوانين الدولية الإنسانية في سبيل ذلك، والذهاب إلى أية جهة دولية مختصة.
عائلة الشهيد ناهض حتر