بين علي جمعة والفوزان... لمصلحة من هذا التّحريض؟

  • 0
  • ض
  • ض

تُفاجأ أحياناً، وأحياناً أخرى لا يفاجئك أن تصدر تصريحات ومواقف تمارس أكثر من تشويه او تشكيك او تحريض مذهبي بحق طوائف إسلاميّة بعينها. قد يكون من المعتاد عليه أن تسمع من البيئة الوهابيّة ودعاتها تحريضاً ودعوات إلى ممارسة أشكال الكراهيّة والعدوان بحق تلك الطائفة الإسلاميّة وغيرها من الطوائف، فهذه هي معتقداتهم وثقافتهم والتّربية التي ينشِئون عليها مجتمعاتهم، لكن أن يصدر كلام مشابه من بيئة الإسلام الوسطي والمعتدل، وتحديداً من شخصيّة كشخصيّة الدّكتور علي جمعة مفتي الجمهوريّة المصريّة السابق، فهذا يدعو إلى التّأمل في دلالات هذه المواقف والكلمات ومعانيها. لكن قبل هذا أريد القول انّ الظّاهرة الداعشيّة التي نشهد لم تولد من فراغ؛ هناك عوامل عديدة أدت إلى إنتاج هذه الظّاهرة وتجليّاتها، لكن من أهم تلك العوامل العامل الإيديولوجي _ الثّقافي، والذي يقوم على رفض الآخر – أي آخر – وتكفيره وتضليله ورميه بالشّرك والبدع وشيطنته... وصولاً إلى اتخاذ ذلك مستنداً لممارسة مختلف ألوان العنف والإجرام والوحشيّة بحقه، لا لشيء إلا لأنّه يختلف عن ذلك المعتقد الدّاعشي وثقافته وما يذهب إليه. هذا ويمكن تلمس تلك الظاهرة الداعشية في الإعلام والسّياسة والخطاب الدّيني ومناهج التّعليم في المدارس والجامعات لبعض الدول، وفي التّراث والمنشورات التي تمارس أكثر من تحريض على الآخر المذهبي والدّيني وصولاً إلى شيطنته كمقدمة لاستباحته عنفاً وإجراماً.

الا يستفيد العنف المذهبي من هذا النوع من الكلام؟
في مقابلة له على قناة "سي بي سي" في برنامج "والله أعلم" ساق الدّكتور جمعة اتهامات عدّة للمسلمين الشيعة، حيث ذهب الى أنّهم يتهمون الرّسول الكريم بما ليس فيه، معرضاً بقضية السب واللعن وتشييع السنة... ليثير في كلامه مجموعة من الشّكوك حول المسلمين الشّيعة ومعتقداتهم وما يذهبون إليه... أمّا عبد العزيز الفوزان الداعيّة الوهابي، وفي حديث له مع قناة "الرّسالة" السّعودية، فإنّه يؤكد كفر المسلمين الشّيعة وانحرافهم وشركهم... وهذا ليس بالجديد ولا المفاجئ في خطاب دعاة الوهابيّة وإعلامها. لكن الذي يستحق الوقوف عنده هو كلام الدكتور جمعة حيث يجب أن يُسأل: ما الحكمة من طرح هذه القضايا، واطلاق هذه الاتهامات ذات البعد المذهبي في هذه الظروف العصيبة؟ ومن يستفيد من زرع الشكوك بين المسلمين، ومن على وسائل الاعلام، وبطريقة تدعم المبررات التي يعتمد عليها من يمارس القتل والاجرام؟ ألا يخدم هذا المنطق الظاهرة الدّاعشيّة، ألا يؤدي إلى تعزيز التّطرف والأحاديّة؟ ألا يحرّض على الآخر ورفضه؟ ألا يشجع على ممارسة العنف الأعمى بحقه؟ ألا يغذي هذا الكلام الكراهيّة؟ ألا يقود إلى صبّ الماء في طاحونة من يمارس جميع أشكال الإجرام والعنصريّة؟ إن المنطق الدّاعشي يكفر الآخر ويتهمه بالشّرك ويرميه بالضّلال والانحراف... ثمّ يتّخذ من ذلك ذريعة إلى ممارسة شهوة القتل ووحشيّة الإجرام وألوان الإرهاب بحقه. ومن هنا نسال: ألا يستفيد العنف المذهبي من هذا النوع من الكلام؟ هل ينقص أمتنا تشجيع على التباغض والتنازع والتشكيك والتباعد؟ هل يحتاج داعش واخواته إلى مستند شرعي أكثر مما لديهم لممارسة القتل والاجرام؟ وهل تعزز هذه التّصريحات منطق الحوار وثقافة التّسامح وقيم التّعايش ومعاني الأخوة وأخلاق الرحمة، وقبول الآخر ونبذ العنف والتّطرف؟ ان ما ينبغي قوله هو أنه إذا أردنا ان ننتصر فعلاً على تلك الظاهرة بجميع تمظهراتها، علينا اولاً ان نعالج جميع الرسوبات الداعشية الموجودة فينا وفي تراثنا وفي ثقافتنا وخطابنا... لأن داعش لم يولد من فراغ ولم يوجد من عدم؛ فإن استطعنا ذلك يمكن عندها أن نؤسس لمواجهة العنف الداعشي واستئصال مختلف اشكال الارهاب والتطرف. * أستاذ جامعي

0 تعليق

التعليقات