منظر قيام كرد في كردستان العراق برفع أعلام كيان العدو الصهيوني إلى جانب أعلامهم الوطنية أمر يسيء إلى الكرد أكثر من أي طرف آخر، ويستفزّ مشاعر كل شعوب العالم الساعية إلى التحرر من الاستعمار، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني. فخلال سنوات انخراطي في الحركة الوطنية الفلسطينية إبّان ما كان يسمّى العمل الفدائي، كان الكرد الأقرب لنا، نحن الفلسطينيين، من قوميات الإقليم.
وكنا نرى فيهم قوة داعمة لقضيتنا الوطنية/ القومية، وحليفاً مهماً ضد أنظمة التخاذل والتآمر العربية. ربما لم نكن بالوعي الكافي لإدراك مدى معاناتهم القومية في العراق وتركيا، ولم نكن على دراية بعمق آلامهم على يد نظام صدام حسين وعسكر تركيا، لكننا كنا معهم، بالفطرة، وهم كانوا يعدّون أنفسهم فلسطينيين بالقدر ذاته الذي كنّا نعد فيه أنفسنا كرداً، وربما أكثر.
العمل الوطني الفلسطيني، إبان فترة «العمل الفدائي»، استقبل مناضلين يساريين من كل بقاع الأرض، وأقام علاقات تحالف مع قوى يسارية في مختلف بقاع العالم، في العالم العربي وفي أوروبا وفي أميركا الجنوبية. عمّان كانت مكة الوفود «الأممية»، وبوصلة النضال التحرري العالمي، ولذا تكالب عرب أميركا وكل قوى اليمين في العالم على قتل العمل الفدائي وفرض قيادات فلسطينية مرتبطة بها، ووصاية البترودولار من الأموال التي سطا عليها أحفاد مسيلمة الكذاب، على بقاياه، وتدجينه تمهيداً لتسليم فلسطين للعدو الصهيوني والقبول بسايكس بيكو وتقسيماتها كحل نهائي لمشاكل الإقليم.
في فترة لاحقة، بعد الخروج من الأردن، الذي تم بمؤامرة أنظمة وزعماء وزعامات عرب في مؤتمر القمة في الإسكندرية عام 1970، استكمالاً لمؤامراتهم في مؤتمر الخرطوم عام 1967، استسلمت قيادات العمل الوطني الفلسطيني لإغواء السلطة وأداتها مال الفساد والإفساد، وتبنّت برامج الأنظمة العربية الاستسلامية المنبطحة تحت البسطار الصهيوأميركي ودولاراته، واستبدلت التحالف مع الأنظمة العربية الفاسدة بالتحالف مع شعوبنا وحركاتها الشعبية، ومن ضمنها التحالف مع الكرد.
إنني أذكر كم كان لنا رفاق كرد في حركة فتح، وكنت على علم بتبنّيها رعاية بعض قيادات الكرد في العراق واحتضانهم، وأعلم عن جهود فلسطينية لتوحيد الحركات الكردية، وبعضها تم في برلين في ألمانيا الشرقية.
هذه أمور تعرفها قيادات كردية عراقية وإيرانية قبل غيرها، وتعلم أن انحياز الشعب الفلسطيني إلى الحركة الوطنية/ القومية الكردية كان صادقاً، وإن لم يتفق معها في كافة التفاصيل.
لذلك من البديهي أن نتوقع قيام تلك القيادات الكردية اليسارية الواعية، غير المنخرطة في المشاريع الصهيو ــ أميركية، بحملة توعية بين جماهير الكرد للتحالف القاعدي التاريخي بين مناضلي فلسطين والكرد، وتأكيد الطابع الوطني التحرري للمسألة الفلسطينية، وطبيعة العدو الصهيوني العنصرية والاستعمارية، المغرقة في رجعيته.
إن حماسة العدو الصهيوني لمحاولات قيادات كردية الانفصال عن العراق ومن بعد عن سوريا، ليست سوى مرآة لطبيعته التآمرية الرجعية العنصرية. وحماسة واشنطن وأذنابها من الأعراب والعرب، غير المعلنة لهذه المحاولات، ليست بسبب اهتمامها بالكرد الذين باعتهم في الماضي، بل وتخلت عنهم وتركت أمرهم أكثر من مرة لنظام صدام حسين المغرق في عصبيته وحماقاته، بل وفي إجرامه غير المسبوق بحق كل من لم يخضع لأهوائه الجنونية.
إن تحالف قيادات كردية مع العدو الصهيوني والسير في خططه التآمرية سوف لن يعودا بأي خير على الكرد ولا على قضيتهم ولا على قضية العلاقات التاريخية بيننا؛ فواشنطن سترمي بتحالفاتها الآنية فور تحولها إلى مصدر متاعب لها، وأميركا تطرد من المنطقة والعدو الصهيوني يعيش مرحلته الوجودية الأخيرة. لكن المسألة في ظني لا تكمن في تحالف خاطئ، بل في تحالف مع الصهيونية التي هي حركة وفكر عنصري مجرم، يقوم على إلغاء الآخر والرقص على جثته. لا نودّ تصديق أن الكرد جميعاً أو أغلبهم يودّون التماهي مع هكذا مجرمين وإجرام.
من الأفضل للكرد، إخواننا في الوطن والأوطان، التماهي مع كل ما هو إيجابي في شعوبنا وتواريخنا المشتركة، من صلاح الدين الأيوبي إلى محمد علي حاكم مصر، وأمير الشعراء أحمد شوقي، ومحمد عبدو وعباس العقاد، وغيرهم كثر، في الماضيين القديم والحديث، وأن لا يتماهوا مع قوى كردية لا تقل رجعية وحماقة عن القومجيين العرب، تضطهد متى سنحت لها الفرصة كل من سكن كردستان العراق من القوميات الأخرى، وفي مقدمتهم السريان والإيزيديين.
لنتذكّر أولاً وأخيراً،أن أيّ شعب يَضطهد شعباً آخر ليس حراً.