يتصرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدعم كامل من أثرياء اليهود الصهاينة، متمسكاً بولائه المطلق لإسرائيل وبعقليته التي تنتمي إلى مرحلة انتهت منذ زمن. يتصرف كأن الولايات المتحدة برج من الأبراج التي يملكها، ويستخدم إمكانات البلاد وقوتها العسكرية كأنها ملكه وتحت تصرفه بإدارة عقليته الصهيونية.
لاحظوا ما يأتي: كلما تحرك العالم أو مؤسساته، ومنها الأمم المتحدة ووكالاتها ضد العنصرية الدموية الصهيونية، يضع ترامب كل الولايات المتحدة ومستقبلها في خدمة الدفاع عن إسرائيل.
وفي كل الحالات، يشكّل موقف ترامب مصدر ضرر كبير للمصالح الأميركية ولحياة المواطن الأميركي الذي يدفع الضرائب ويدفع راتب الرئيس.
ليس هذا فحسب، فترامب يقامر بحياة مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين المنتسبين إلى القوات المسلحة الأميركية، عبر اتباع سياسة تعزل أميركا جنباً إلى جنب مع إسرائيل وتهدد أمن دول وسلامتها.
انسحب ترامب من «اليونسكو» لأن المنظمة اتخذت مواقف حقة من التراث الفلسطيني، وجاءت خطوته تعبيراً عن الولاء لإسرائيل.
انسحب ترامب من اتفاقية باريس للحد من انبعاث الغاز، مدمراً بذلك استراتيجية العالم للتخفيف من الاختناق، وحاول الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي أصبح بعد مواقفة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا اتفاقاً دولياً لا يحق لطرف من الأطراف أن يلغيه.
وصعّد ترامب عدوانه على إيران بإصدار تعليمات لوزارة المال الأميركية بإنزال عقوبات غير منطقية وغير محقة ضد الحرس الثوري الإيراني.
وتقول مصادرنا إن ترامب أعطى الضوء الأخضر للبنتاغون لوضع خطة لتوجيه ضربة صاروخية صاعقة لكل مصانع الصواريخ الإيرانية ومواقعها.
كل هذه الخطوات يتخذها ترامب ولاءً لإسرائيل التي ترى في إيران، النهج والقوة العسكرية وعلى رأسها الحرس الثوري والصواريخ والحلفاء في محور المقاومة، مصدر خطر يتهدد أمنها ووجودها.
لا نريد هنا أن نسلسل «حسب ونسب» فريق ترامب الذي يحكم الولايات المتحدة بحسب أوامره.
هذا الفريق يضمّ شخصيات أكل الدهر عليها وشرب ولا تتقن سوى تنفيذ الأوامر، أمثال وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس، كما يضم بين بقية أعضائه أناساً لا يدينون بالولاء إلا لإسرائيل، وذلك حتى قبل ولائهم للولايات المتحدة.
لقد أعلن ترامب من دون مواربة، أثناء حملته الانتخابية، أن نجاحه في الانتخابات «سوف يكون أفضل ما حلمت به إسرائيل».
لذلك اختار معظم أعضاء فريقه، وخصوصاً في الأمن القومي والمسؤولين عن إدارة شؤون الشرق الوسط ومشاكله من عتاة الصهاينة، وعلى رأسهم زوج ابنته جاريد كوشنر، «عصارة الصهيونية» الذي يعتبر بنيامين نتنياهو معتدلاً. ويأتي كوشنر في طليعة قائمة اليهود الأميركيين الذين يدعمون استراتيجية تهويد الضفة الغربية والقدس ويموّلونها ويحمونها، ويرفعون شعار «إسرائيل من البحر الى نهر الفرات».
إسرائيل تبتلع الأرض الفلسطينية، وهذا ما يريده ترامب، لذلك يعتبر أن كل من يقف في وجه إرهاب إسرائيل الدموي لتحقيق هذا التمدد، هو عدو مباشر له.
ويعتبر ترامب أن إيران تقف على رأس هؤلاء الأعداء. فالقاعدة عند ترامب هي أن من يواجه إرهاب الدولة المنظم الذي تشنه إسرائيل والولايات المتحدة ضد الشعوب يكون هو «الإرهابي»، ولأن إيران تواجه هذا الإرهاب المنظم، فهي «إرهابية» بالنسبة إليه.
العالم الذي يفكر بحرية ويميز بين الخير والشر والظالم والمظلوم يعلم أن إيران تدافع عن المظلومين وتتصدى لإرهاب الدولة المنظم، وعلى رأس هذه الدول التي تستخدم هذه القوى البطاشة لإرهاب الشعوب، الولايات المتحدة وإسرائيل.
ترامب الذي بحث من دون جدوى عن خرق إيراني للاتفاق النووي، لم يجد إلا خرق «روح الاتفاق». وما يقصده ترامب بـ«روح الاتفاق» هو ضمان أمن إسرائيل. ولم يجد في الحرس الثوري عيباً سوى دعمه للمظلومين.
إلى متى يقبل العالم ويصمت على مهازل الصهيوني ترامب؟ إن مواقف الرئيس الأميركي تفتح الأبواب على مصراعيها أمام حرب عالمية كارثية.
ولكن على القوى المظلومة أن تدقق وترى أن هذه الأبواب التي فتحها ترامب بممارسة إرهاب الدولة والابتزاز بالقوة وحرب تدمير البلدان وقتل الآلاف من المدنيين من دون أن يجرؤ أحد في الغرب على التعبير عما يسميه «الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان»، هذه الأبواب هي نفسها التي ستعود بالكوارث على الغرب. يعتقد ترامب أن العالم يصدقه، بينما في الحقيقة أصبح ترامب مهزلة مضحكة ومخيفة في آن واحد.
ويعتقد ترامب أن الصهيونية قادرة على حكم العالم وهي قادرة على حمايته، لذلك يرى أن القوات المسلحة الأميركية وقوتها الضاربة سلاحه الفردي، يتصرف به كيفما شاء وحيث شاء.
لذلك أمام كل هذا، على محور المقاومة الذي يستند إلى دعم شعبي هائل، ظاهراً كان أو خفياً، وإلى إرادة صلبة مصرة على انتزاع الحرية والاستقلال والرقي، أن يعلم أن من أول واجباته الآن رسم استراتيجية هجومية دفاعية تختلف عن التصدي لـ«داعش» و«النصرة» والتنظيمات الإرهابية.
إنها استراتيجية الهجوم الدفاعي على إرهاب الدولة المنظم.
لقد فتح ترامب الأبواب للهجوم على الشعوب، وعلينا استخدام الأبواب للهجوم على الهجوم، ولنضرب مثلاً على ذلك:
الجميع يعلم أن منطقتي الرقة ودير الزور تشهدان غزواً أميركياً مباشراً مصدره التنف ومسعود البرزاني، أما علم منظمة سوريا الديموقراطية الكردي فهو «لهّاية أطفال».
التحالف بين الولايات المتحدة و«داعش» أصبح مكشوفاً جداً عندما وصل الأمر إلى مياه سد الفرات وحقول الغاز والنفط في الرقة ودير الزور والحسكة.
إذا كان «داعش» والولايات المتحدة متحالفين ويعتديان على الجيش العربي السوري، فإن من واجب محور المقاومة أن ينزل بـ«داعش» وحلفائه ضربات صاعقة لا تتوقف، حتى يخرج الأميركيون من المنطقة كما خرجوا بعد الضربة الصاعقة البطولية لقوات المارينز في بيروت في الثمانينيات.
أما إسرائيل، فان هجومها مستمر ولم يتوقف لحظة واحدة. فإضافةً إلى التمدد السرطاني الاستيطاني، تتدخل إسرائيل بكثافة عسكرياَ وأمنياً في سوريا والعراق وليبيا واليمن والجزائر وتونس ومصر والأردن، وتحاول عبر أجهزتها الاستخبارية وجواسيسها وحلفائها في لبنان تفجير صراع داخلي يشتت قوى حزب الله.
فماذا ننتظر، نقول إذا اعتدت إسرائيل نرد، لكن إسرائيل لم تتوقف عن العدوان لحظة.
والرد على العدوان يجب أن يبدأ بالهجوم الدفاعي المصوب للآلة الإسرائيلية وليس للقشور. وإسرائيل تعمل الآن على إنجاز مشروعها الإقليمي الذي يستهدف القضاء على القضية الفلسطينية وتدمير إيران. فماذا ننتظر؟
إن الدفاع عن إيران وحماية منهجها الثوري واجب على كل ثوري ومقاوم للظلم والظالمين. والدفاع عن إيران لا يتم إلا بالهجوم الدفاعي. أما الدفاع الهجومي، فله ألف شكل وشكل.
* سياسي وكاتب فلسطيني