غالباً ما يُطلق على سوريا «ملتقى الحضارات»، وهو تعبير فارغ المعنى بصورة أو أخرى. في هذا الأوان، «هي ملتقى للمصالح أكثر منه للحضارات». كل من أصحاب المصالح يسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة من دون اعتبار لسوريا أو للسوريين. قد يكون هذا الكلام قاسياً، لكنه ــ للأسف! ــ صحيح. وكلما اقترب السوريون من إدراك هذه الحقيقة، عاد عليهم ذلك بفائدة كبرى، والأمر الوحيد الذي يمكنهم فعله الآن هو أن يحاولوا قلب هذا الوضع بما يتوافق مع مصالحهم.
يمكن البدء بذلك، مثلاً، عبر تغيير مصطلح «الملتقى» الرومانسي إلى مصطلح أكثر واقعية كـ«منصّة». إن ذلك أقل عاطفية وإن كان الاصطلاح يطرح أي تداعيات يمكننا مبدئياً ربطه بالبراغماتية والرؤية الأكثر واقعية إلى المسألة. إن ذلك يمكّننا من التعامل مع المسألة على نحو أكثر فعالية.
هذا ما يمكن أن ينتج من مقاربة تكمن في صميم التفكير الواقعي للبلدان المتوسطة الحجم، التي تعلم من جهة أنها لا تستطيع العمل من دون اللجوء إلى القوى الكبرى، ولكن من جهة أخرى تطمح إلى الحفاظ على سيادتها على الأقل في المناطق الأساسية. يبدو من المثاليّ أن يكون من الممكن واقعياً تحقيق توازن مشترك لحضور القوى الأجنبية على التراب السوري، أو أفضل من ذلك: إذا ما كانت هذه القوى في بعض الحالات متصارعة (كما هو الأمر عادة في الواقع وكما تجري الأمور حالياً في النطاق السوري)، فيجب مثالياً إبقاؤها عند حدود الصراع السياسي.
حيادياً، يجب فعل ذلك إن أمكن من دون السماح لتلك «الطريقة في إيجاد توازن مشترك» أن تأخذ مكانها عسكرياً. يجب فعل ذلك حتى تكون سوريا على دراية بتبعات نسج تلك الشبكة من العلاقات، كما يجب أن تعلم الحدود التي لا يجب تجاوزها. بكلمات أخرى: يجب فعل ذلك بمهارة عالية للاستفادة من الطاقة العالية التي ينتجها اللاعبون الكبار عبر الضغوط المقابلة. هذا يجب أن يكون، رغم ذلك، من دون السماح لهؤلاء اللاعبين بالخروج عن قواعد اللعبة. إن هذا ليس سهلاً. إن ذلك باختصار أقرب الى أن يكون قَدَرَ البلدان الصغيرة أو المتوسطة الحجم. حتى هذه البلدان، رغم ذلك، يمكنها بنجاح تغيير ما يبدو أنه نقمة داخل نعمة إن تم التعامل مع ذلك بالأسلوب المناسب.
من زاوية نظر اقتصادية، هذه الرؤية تنبع منطقياً تحت الاصطلاح المخلّص المحفّز الذي هو «الاستثمار». لأكثر من سنتين تقريباً، استمرّ المسؤولون والمخططون السوريون بالتلويح بهذا الاصطلاح، كما يلوّح المظفّرون بسيوفهم، لكن ماهيّة مقدار معرفتهم بحقيقة الأمر (أو ما يعنيه بحده الأقصى) تبقى سؤالاً. من الممكن التخمين عبر بيروقراطيي واستشاريي الحكومة أنه بالنسبة إلى غالبيتهم «الاستثمار» يعني شعاراً يكرر للحفاظ على فعاليتهم لعدة أشهر أخرى، بالإضافة إلى أنه يعطيهم موضوعاً للتحدث عنه والظهور بمظهر الأذكياء، المهمين، والضروريين، الذين بإمكانهم أن يقيموا مؤتمراً حول الموضوع ويكتبوا عنه، ويضعوا له الخطط والتقارير، لكن من الصعب أن نلاحظ حدوث أي شيء في الواقع.
من الممكن أن يكون لدى الأكاديميين المختصين أو الأفراد من القطاع الخاص فكرة أكثر تماسكاً ووضوحاً. لكن، كأشخاص متمرّسين، من المتوقع افتقار الأرقام الكبيرة والمشاريع الضخمة، بالإضافة إلى غياب إعلان المشروع الاستثماري الكلّي ذي العنوان العريض، الذي سيخدم كمحفّز نفسي لجعل الاستثمارات تبدأ بالتحقق في سوريا. إن مشروعاً كذلك لمّا ينطلق بعد، وليس هنالك ضمان بأن انتظاره لن يحقق الأمثولة المسرحية لصموئيل بيكيت «في انتظار غودو». إن الإصرار على انتظار كهذا، الناجم عن الفكرة التقليدية القائلة إن «الاستثمار» يساوي تدفق «المرة الواحدة» للمال بكميات كبيرة من دون أي تبعات، يمكنه أن يتسبب في الوقت نفسه في تشتيت الانتباه باتجاه الضياع الكامل أو على الأقل نحو عالم أحلام اليقظة، لا الواقع.
أيضاً، هذا الإصرار يجعل من المستحيل رؤية أن فرص الاستثمار كانت موجودة هنا مسبقاً، وهي موجودة الآن، وستستمر كذلك مستقبلاً. نحن فقط بحاجة إلى نزع العُصابات عن أعيننا وأن نعيد تقييم الكيفية التي نريد عبرها رؤية، وفهم، وإدراك «الاستثمار»، كما نحتاج إلى التفكير: هل نحن على درجة من الجاهزية لإعادة تعيين الأولويات المرافقة لذلك، وهل نريد الذهاب في طرق بديلة؟ ليس من الضرورة أن يكون الطريق البديل مبهرجاً أو أن تتساقط عليه نعمُ السماء؛ كلما استطاع هذا الطريق توفير رضى أكبر، مثّل نقلةً بنيوية حقيقية نحو دمج أكثر تركيباً لاقتصاد الأمة، وتطوره، والعمالة المرافقة له، والفعالية الذاتية، والنشاط (في المرحلة الأخيرة، الاكتفاء، والوفاء الوطني) لمواطنيه.
كيف، إذاً، يمكننا فعل ذلك، وما الذي يجب علينا توقعه منه؟ من أين يجب علينا البدء، وأي تغيير في زاوية النظر يجب تحقيقه هنا؟ بالتأكيد، سوف يفكر الأشخاص الحاذقون بشيء من قبيل «يجب علينا أن نعرف كيفية جذب المستثمرين»، «يجب علينا أن نعرف كيفية التعامل مع الاستثمار بذكاء»، أو مثلاً «يجب علينا أن نعرف أفضل طريقة يتم عبرها إعادة توزيع منافع الاستثمار على الاقتصاد بطريقة علاجية ومنشطة لأكبر عدد من قطاعات الاقتصاد». إن ذلك يبدو رائعاً ومتنوّراً، ولكن إن أدركنا حقيقة أنه لا يمتلك أحد حتى الآن فكرة جيدة عن نقطة الانطلاق، وبأي رؤية، ومع أي آمال بالضبط وبالنسبة إلى أي أرباح، وبأي ترتيب للأولويات، وضمن أي إطار قانوني يجب علينا ويمكننا أن نستثمر... فإن ذلك بمجمله مجرد أحلام يقظة ناجمة عن الإصرار على إعلان المشاريع الضخمة. في الوضع الحالي، لا يمكننا الاعتماد على المشاريع الضخمة ولا على الهذيان المرافق لها، وهو هذيان يتشكل من عبارات عريضة عامة مبهجة، إنما مفتقرة إلى محتوى محدد.

يفترض العقل البيروقراطي إمكانية تلبية أي مطلب وأن المستثمر معطاءٌ ومتصدّق

لمعرفة مصدر هذا الشكل من التفكير ــ المنفصل كلياً عن الواقع ــ يمكننا أن ندقق بتفصيل أكبر تسلسل أفكار البيروقراطي (المتحمس ربما إنما غير المتمرس). إنه في حلم اليقظة، على الأرجح، يرى أجنبياً يحمل حقيبة مليئة بالمال ويقف خلفه معمل صناعي مبنيّ بثقة، ثم يبدأ بالإنتاج، التصدير، دفع الضرائب، ضخ الأموال في الاقتصاد. يرى البيروقراطي من زاويته معملاً مزدهراً، وآخر ثانياً بجانبه. في النهاية، يرى مدينة كاملة مملوءة بعمّالٍ سعداء وآباءٍ مبتسمين يذهبون إلى العمل، فيما تحضر زوجاتهم الغداء في المنزل، والأطفال في المدرسة، وهنالك عملٌ ولعب... في نهاية الأمر، كل شيءٍ مزدهر!
إن هذه لفكرة مغلوطة كلياً. إنها كذلك بسبب ــ ولأسباب أخرى ــ أنها مبنية على افتراض تلبية أي مطلب وأن المستثمر معطاءٌ ومتصدّق. إن جوهر المشكلة يبقى كامناً في الرابط المفترض التقليدي بين الاستثمار وشيء ذي «أبعاد عليا» أو أمرٍ ما «خَلاصيّ»، أيضاً في اعتبار أن الاستثمار (حتماً أو في غالبية الحالات) يأتي «من الخارج». إن هذه نظرة انتقائية على نحو خطير، فهي من جانب، تتجاهل المعنى الحقيقي للاستثمار، ومن جانب آخر، تقوم على تسليم ضمني لفعالية الاستثمار إلى أيدي المستثمرين الأجانب (غالباً) بسبب مفهومها المحدود عن الواقع. عبر فعل ذلك، يبعد ذلك «الخلاص» عن الناس المحليين وعن قدرتهم على إظهار أنفسهم ليس فحسب كمستثمرين، بل حتى كمتسلّمين لما يمكن اعتباره استثماراً.
إن القاسم المشترك بين الإخفاق الممكن أن ينجم عن مزيج من الرغبات الكبيرة في جذب المستثمرين من جهة، والتردد الدائم من جهة أخرى، يمكنه أن يتشكل من دون الحاجة إلى أهداف كبرى نابعة من فهم اصطلاح «الاستثمار»، والمقيد ــ كمفارقة ــ بهوَس العظَمة. إن استطعنا توسيع هذا الفهم إلى حدوده القصوى، فإن طيفاً من الفرص الأكثر واقعية ومنفعة إنسانية، وعموماً أكثر قابلية للتحقيق سوف يظهر أمامنا. إن ذلك يَعِدُ على المدى البعيد بتقديم أكثر بنيوية لجوهر المجتمع (أي النشاطات الاقتصادية لعموم الناس «الشائعين»)، نمو القيم الاقتصادية بالعموم، وأيضاً تطور إيجابي مستقبلي عندما تصبح إطارات العمل مؤمّنة.
إن المفتاح لذلك ــ بالإضافة إلى السعي للتركيز فقط على تجديد المعامل الكبيرة أو تفعيل المناطق الصناعية الفارغة ــ هو تأسيس فهم محدد لـ«الاستثمار» من أجل تضمين إضافات أساسية مثل: تعليم الناس، الترويج لخصوصية الإنتاج المحلي، رفع مستوى التنافسية، تعليم الاقتصاد وطرق التمويل، أو أصول التسويق. أيضاً يجب أن تتضمن دعماً أو تنظيماً مباشراً من الدولة لأي نوع آخر من أنواع التدريب والتأهيل وبرامج التعليم، التي يمكن أن تعطي المواطنين على الأقل الأدوات الأساسية للبدء بمجرد التفكير في مثل تلك القضايا أو كحدّ أدنى البدء بنقاشٍ بنّاء حولها.
إن الخطوة اللاحقة يمكن أن تكون ببذل جهود لبناء أو تأمين «استثمار» البنية التحتية (على صورة إعانات أو تصريفات قانونية للاستثمار) ستأتي تباعاً للأفكار والآراء الناجمة عن نقاش كذاك. في ضوء المعرفة الحالية لسكان القرى أو البلدات الصغيرة، لا يمكنهم أن يجدوا فرصتهم، رغم ذلك، يمكنهم الحصول عليها لاحقاً بعد إرشادهم من شخص مؤهل نحو الاتجاه الصحيح.
في الوقت نفسه، من المنطقي أن استثماراً كهذا يجب أن يتجه أساساً إلى المناطق الطرفية والبلدات الصغيرة، مع الحد الأعلى من الدعم المقدم للعمليات المتوسطة والصغيرة، الشركات العائلية الصغيرة، المَزَارع، التصنيع الحرفي، مصادر أخرى من الخصوصية (الحرفية أو غيرها) السورية. الأرياف والبلدات الصغيرة عموماً (وحول العالم) تعاني نقصاً حاداً في التمويل. لذلك في رأيي، هذه المناطق والناس القاطنون فيها يمثلون الفرصة الأكبر للاستثمار (هي أكبر وأكثر نزاهة من مشاريع نظريّة كعملة البيتكوين أو شركة تسلا «التي لا تسبب التلوث» الخاصة بإلون موسك).
إذا أرادت سوريا أن تلعب دوراً لائقاً في المنطقة والسياق العالمي، فإن هذه الفرصة متاحة. بالإضافة إلى ذلك، أياً من كان يملك عقلاً يمكنه أن يرى ما يمكن الحصول عليه من دعم الأرياف وسكانها، الذين هم غالياً غير راضين. بينما يتسبب الدعم غير المحدود للمدن أو المشاريع الضخمة الصناعية عادةً في إشكالات ديموغرافية واجتماعية. إن التطوير السّلس للريف (بالإضافة إلى كثير من الميزات الأخرى) هو أفضل طريق لمنع مضاعفات الدعم المطلق للمدن.
في ما يخص المدن أو المشاريع الصناعية الكبيرة، في رأيي أن الطريق الأكثر واقعية والاستثمار الأكثر عقلانية في المستقبل القريب أو البعيد هو في تأسيس إمكانات معرفية لإدخال تكنولوجيا من مستويات أعلى إلى الصناعات الإنتاجية. وليس من الواجب أن تكون المنتجات واعدة بالتصدير إلى مناطق مجاورة (المتوسط، أفريقيا، العراق، إلخ) إنما يمكنها أن تتضمن حيازة التكنولوجيا وأشكال أخرى من القيمة المضافة يمكن أن تساعد ليس فقط في حيازة العملة الأجنبية، إنما أيضاً إطلاق وصيانة الفعالية الذاتية للسوق الوطنية السورية. من الممكن أن تكون أشكال متنوعة من الوكالات: إنتاج مصرح به أو أي منهجية تصنيع أخرى (أو حتى منهجية إدارية)، يمكن أن تدفع بنوعية الاقتصاد السوري إلى الأمام. يمكن فعل ذلك رغم الحظر، والمقاطعة، والأشكال الأخرى من «الصراع التنافسي العالمي» عموماً.
من الواضح أنه إذا تم اتخاذ كل ما سبق بجدية، فإن ذلك يفترض بيئة مبينة بشفافية وصدقية تعرض القاعدة القانونية الضرورية التي يمكنها تأمين شعور أو انطباع على الأقل الحقوق المطبقة (ما يتضمن على سبيل المثال الملكية الفكرية). في بيئة كتلك، إن دعم الأرياف، والناس، والمشاريع المتوسطة وملء الحقول بإمكانات حقيقية أصيلة واستثنائية (التجارة، صناعة تكنولوجيا المعلومات، التكنولوجيا عموماً) في المرحلة الأولى يمكن أن تقود إلى التفاؤل، وكسب الثقة، والتفاعل، وفي المرحلة المتقدمة، تقود إلى عملية ناجحة من توطين الصناعة وجعلها محلية... زيادة في التصدير، والطلب، وسمعة رائعة للبلاد، وأساساً رفع مستوى ظهورها العالمي وتصنيفها («الحقيقي»).
في الوقت نفسه، كل ما سيأتي ضمن هذا الطرح يشكل قاعدة وشرطاً لازماً لظهور ما يسمّى «مستثمر X» الكبير المفاجئ يوماً ما. إن اتخاذ الطريق إلى ذلك لهو أمرٌ ملتبس ويتسبب في الأزمات، إذ إن النتائج لن تظهر بين ليلة وضحاها ولا بذاتها من دون أي تدخل. كما الحال في أي مكان آخر، فإن القاعدة نفسها تنطبق هنا: من الضروري: 1) أخذ كل ذلك بجدية كبيرة وفي الوقت نفسه أن 2) نفكّر!
بالنسبة إلى الوقت الحالي، نرى النقيض تماماً: إننا أمام مؤسسات رسمية تترك بنيتها للتساقط عوضاً عن بنائها بشكل طبيعي. في هذا السياق، يبقى غياب الثقة تجاه الأفراد المتعلمين ظاهرةً مرضيّة مزمنة، وبشكل مماثل ــ ومن الممكن هنا أكثر من بقية الأماكن ــ في الأرياف المنبوذة. يظهر لنا السوق شحّاً في الخصوصية، ومرة أخرى، أولئك الذين يملكون الرغبة في صناعة أمر ما استثنائي يواجَهون بالشكوك، وغياب الثقة، وبعض الأحيان بالتجريح: من جانب الصناعيين، هنالك ليس فقط نفور من صناعة الأصالة أو أي شيء يخرج عن سياق الصيغة المألوفة، إنما أيضاً إعراضٌ عن دمج القدرة الإبداعية لأحدهم أو (لا سمح الله!) الاستثمار في تعليم مواهب جديدة في الجامعات.
ليست هذه العلاقات هي غير الفعالة فحسب (الشركة - الجامعة)، إنما أيضاً غالبية الروابط التي يمكنها الحفاظ على تماسك الاقتصاد وإعادة إنتاجه. الحسد، الشكوك، الشراسة، الحيل القذرة، والاستخفاف بالمواهب ــ المترافق مع الولع بالوسطيّة ــ هي أمور شديدة الحضور حالياً. هذه السمات (الموصوفة أحياناً بسوء فهم على أنها «قومية» أو محدّدات «خصوصية») هي في الآن نفسه الأفاعي الأكثر حقداً التي تتغذى على السوق المحلي، الاقتصاد، وكل المجتمع. لذلك، إذا لم يوجد في بنية الدولة أو الحكومة أحد ما يفكر في الأجيال المقبلة بنزاهة أو حتى ما بعد الجيل المقبل، فإنه لا يبدو أن شيئاً سيتغير.
وصفات التغيير متوافرة: الخبراء يعلمون بها ويمتلكونها بأيديهم (مراجع، تجارب الدول الأخرى، الإنترنت). إنهم الهواة فحسب من «يدافعون» عن البلاد ضد التطور، التفاعل، النمو، والإبداعات. أينما عُزل شيء ما، فإنه يبدأ بالانحطاط. أما إن تم كشف البلاد على الواقع، فإنها ستقوى على أن تصبح أكثر فعالية ونجاحاً في العمل. هذا ما يجب أن يتحقق ضمن إطار من القانونية والشفافية، والقواعد الواضحة للعبة، ونقاش حول المساحات والحدود الموضوعة، وبالمحصلة التطور والتقدم. هذا التقدم سيجلب جاذبية وخصوصية مع ازدياد في مستوى اكتفاء الناس «الشائعين» (في النتيجة أيضاً ابتكارات بنيوية)، ما سيخلق «حلقات نزاهة» من «تجديدات الذات» المتطور.
آنذاك فقط، سوف نستيقظ من أحلام اليقظة إلى التحقيق الصحّي للمقدرات التي يعرضها علينا «ملتقى الطرق» هذا (أو المنصّة تلك). إن هذا يبدو أكثر وضوحاً في ضوء حقيقة أننا لسنا في موقع يمكننا أن نسميه موقع «استلام زمام الأمور». لكن إن وجدنا الشجاعة الكافية للدفع بأكثر التحولات البنيوية والإصلاحات ضرورةً، فإن نمو مصالح من هم حولنا سيضعنا في هذا الموقع بسرعة.
إذا وجدت سوريا نفسها في موقع كهذا، فإن هذا التفوق المستجد لا يجب أن يتم السماح بتحوله إلى غرور. إن العمل الحقيقي لن يبدأ إلّا بعد استعادة المواقع المفقودة، كما يعلم أي «قبطان» صناعي حقيقي بأن النصر الحقيقي ليس في الحصول على موقع ما، وإنما في الحفاظ عليه على المدى البعيد.
* كاتب، ومؤسس موقع Rebuildsyria.cz المرتكز على إعادة بناء سوريا والإقليم