لم يشخّص مؤتمر ميونيخ السبب الرئيسي للصراعات في الشرق الأوسط. فشل التشخيص أدى إلى فشل المؤتمر في اتخاذ أي خطوة للحدّ من تفجيرات الوضع في الشرق الأوسط. قضية فلسطين التي تشكّل جوهر قضايا الصراع غابت، فغاب القرار. المؤتمر تحوّل إلى منبر للتهديد باستخدام القوة العسكرية، لا للحدّ من الحروب، فقد قبل أن يستمع إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان كلامه عصارة التضليل والعنجهية العنصرية والاستعلاء الفاشي الذي يعتبر قتل الأطفال والمدنيين من قبل الطغاة والمستعمرين قضية ثانوية.
لم يعترض المؤتمرون على السماح لنتنياهو بإلقاء باقة من أكاذيبه والتبجح بتهديداته بشنّ مزيد من الحروب وإحداث المزيد من الدمار والتوسع في ارتكاب الجرائم الجماعية بجميع أنواعها: التهجير، تدمير المنازل ومصادرة الأراضي والحريات، سرقة النفط والغاز الفلسطيني وفرض الحصار المجرم على ملايين المدنيين في قطاع غزة.
إن إطلاق النار على الأطفال واعتقال القصّر وتقديمهم للمحاكم العسكرية يشكّل سبباً كافياً للأوروبيين لمقاطعة نتنياهو، فكيف إذا أضفنا بقية الجرائم التي ارتكبها.
نتنياهو يتخذ، هو وحكومته، قرارات يومية بالتمدد والتوسع الاستعماري الاستيطاني من دون أن تتخذ منه أوروبا موقفاً، وبعض الدول الأوروبية تخضع لحسابات دبلوماسية لم تعد قائمة في علم الحساب السياسي هذه الأيام، وهي أن اتخاذ موقف حازم من إسرائيل سيجعل دورها في العملية السياسية في الشرق الأوسط هامشياً.
حسابات اليوم هي العكسية فاتخاذ موقف حازم سوف يرعب العنصريين في إسرائيل ويجعلهم يفكرون أكثر من مرة، لكن السبب الأهم الذي ننتقد الأوروبيين ومؤتمر الأمن عليه هو عدم الإشارة، لا من قريب أو بعيد، إلى رفض إسرائيل تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 الذي اتخذ بالإجماع عام 1967، وصاغته الدول الغربية في مجلس الأمن بقلم اللورد كارادون، وراحوا يبحثون في اتفاق إيران النووي الذي صاغته دول أوروبا والولايات المتحدة.
واعترف جون كيلي، الدبلوماسي الأميركي السابق، بأن إسرائيل ومبارك والملك السعودي السابق حثوا وضغطوا على الولايات المتحدة لتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران. كل هذا يشير إلى عدم التعامل مع السبب الجوهري لسفك الدماء في الشرق الأوسط، وهو إسرائيل وعدوانها وتمددها واستيطان أرضها بقوة السلاح وبمخطط التمزيق والتدمير في سوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن الذي صاغته إسرائيل والولايات المتحدة.
إن اعترافه «الشكلي»، وكلام نتنياهو هو الموقف ذاته، وهذا يعني أن واشنطن وتل أبيب والعائلة الحاكمة في الجزيرة العربية قرروا المضي في إشعال الحروب وتصعيدها، وارتكاب مجازر ضد المدنيين، والعودة إلى محاولات تقسيم البلاد في سوريا والعراق واليمن ومصر، وقرروا أن تحال قضايا حدود لبنان البحرية والبرية على الخبراء للتفاوض حول «صفقة حل» على طريقة ترامب.
من ناحية أخرى، بات واضحاً كالسابق، وتأكد مرة أخرى أن واشنطن وتل أبيب والرياض ستصعّد استخدام أسلحة الدمار في محاولة لتعديل ميزان القوى الذي نجح معسكر المقاومة في تعديله بفضل بطولات الجيشين العربيين العراقي والسوري، وبفضل قوى المقاومة في العراق «الحشد»، وحزب الله والمقاومة الفلسطينية.
نعود مرة أخرى لنقول: هذا العدو المتبجح لا يتوقع من معسكر المقاومة أن يبادر بهجوم دفاعي متعدد الأشكال، وهو يتوقع« الرد على العدوان». علينا أن نتعامل مع الحقيقة، وهي أن العدوان قائم، ويمارَس كل لحظة، لذلك إن الهجوم في البطن والخاصرة هو دفاع عن النفس، ورد لعدوان قائم.
* كاتب وسياسي فلسطيني