في ضوء ما نُسب إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، عن نيّة لديه للمبادرة مع رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، لتأليف حكومة جديدة تخلف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولو لم تكن قادرة على نيل ثقة مجلس النواب في حال عدم التفاهم مع الكتل النيابية على صيغة حكومية، ينبغي التصدّي لسؤالين مركزيين: الأول، هل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، حرّان في تأليف الحكومة وفاقاً لرغبتيهما من دون تقييد، أم أنّهما ملزمان بتوجهات الكتل النيابية؟ والثاني: ماذا لو أعلن الرئيسان مراسيم حكومة جديدة لا تراعي رأي الأكثرية النيابية أو المستلزمات الميثاقية؟1- من الراهن أنّه بموجب تعديلات 1990 المنبثقة من وثيقة الوفاق الوطني التي اتفق عليها النواب اللبنانيون في مدينة الطائف السعودية حصل تبدّل جوهري في النصّ الدستوري الخاص بتأليف الحكومة، إذ إنّ النصّ السابق للمادّة 53 من الدستور كان يقضي بأنّ «رئيس الجمهورية يعيّن الوزراء ويسمّي منهم رئيساً ويقيلهم ...»، وإن كان العرف الدستوري قد درج حتى قبل تعديلات الطائف على أن يختار رئيس الجمهورية رئيس الحكومة بناءً على استشارات نيابية غير ملزمة، ومن ثمّ يتفق الرئيسان على التشكيلة الوزارية، ولكن مع حفظ دور قوي ورأي مرجح لرئيس البلاد في عملية التأليف؛ لكون النصّ الدستوري كان يعطيه الاختصاص منفرداً.
أما بعد تعديلات 1990، فباتت المادّة 53 تنصّ على أن «... يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها.(و). يصدر (رئيس الجمهورية) مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً.(و) يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم.(و). يصدر منفرداً المراسيم بقبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة».
2- ترجمةً لتحوّل نظامنا الدستوري من نظام شبه رئاسي إلى نظام برلماني بموجب تعديلات الطائف، انسحب التبدّل على نصّ المادّة 64 من الدستور التي باتت تتضمّن في فقرتها الثانية أنّ «على الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، في حين أنّ نصّها السابق كان يخلو من مثل هذا الإلزام.
3- إنّ قراءة دقيقة وعميقة للدستور نصاً وروحاً تقودنا إلى التأكيد من غير تردّد أنّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف مقيّدان، وليسا حرّين بنحو مطلق واستنسابي في اختيارهما الوزراء، وذلك للاعتبارات الآتية:
أ- لقد جعلت التعديلات الدستورية التي انبثقت من اتفاق الطائف السلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً (المادّتان 17 و65 من الدستور)، بدلاً من أن تكون مركّزة في يد رئيس الجمهورية، كما كانت الحال عليه في السابق، وذلك من أجل منع استئثار جهة محتسبة على طائفة معيّنة في الحكم، وجعل السلطة بيد ائتلاف الطوائف المتمثل في مجلس الوزراء وكأنّه أشبه بمجلس ملّي.
لذا أصبح للفقرة أ من المادّة 95 من الدستور المتضمّنة أن «تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة» معنى أعمق وأبعد مما كان عليه قبل اتفاق الطائف، ولم تعد عدالة التمثيل بين الطوائف في مجلس الوزراء تقتصر على العدد، بل صارت تشمل النوع، وتحديداً القوة التمثيلية، وإلا فقدت عملية نقل السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء قسماً كبيراً من جدواها وبقي بإمكان رئيس البلاد ورئيس الحكومة الاحتفاظ بتمركز السلطة معهما من خلال تعيين وزراء يدينون لهما بالولاء ولو كانوا ينتمون إلى طوائف مختلفة.
وقد تعزّزت فاعلية الفقرة أ من المادّة 95 من الدستور من خلال استحداث الفقرة ي من مقدّمة الدستور بموجب تعديلات «الطائف» التي قضت صراحةً بأن «لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
وما يؤكّد حرص الدستور على توفير التنوع التمثيلي في مجلس الوزراء وعدم احتكار التمثيل من جانب مرجعية أحادية أو ثنائية هو اشتراطه أكثريات موصوفة في العديد من الحالات في مجلس الوزراء بغرض منع وزراء يمثلون طائفة واحدة أو طائفتين من توفير نصاب الاجتماعات أو القرارات منفردين. ونذكر على سبيل المثال اشتراط المادّة 65 توافر أكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراء لتأمين نصاب انعقاده وكذلك اشتراطها موافقة الأكثرية ذاتها على المواضيع الأساسية التي حددتها حصراً في حال تعذر التوافق.
ولا ريب في أنّ عدالة التمثيل بين الطوائف في مجلس الوزراء تعني أنّ يكون تمثيل كل طائفة في تشكيلة الحكومة من خلال الجهة التي تمثل الأكثرية السياسية فيها، إلا إذا رفضت المشاركة على قدر حجمها، ما يعني أنّ الوزير يجب أن يمثل طائفته في التشكيلة الحكومية، لا رئيس الجمهورية ولا رئيس المجلس النيابي ولا رئيس الحكومة ولا أيّ مسؤول آخر، وإن كان عليه أن يعمل من أجل كلّ لبنان.
وغنيّ عن البيان أنّ تحديد الأكثرية السياسية في كلّ طائفة يجب أن يستند إلى الخلاصات والنتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية، وليس إلى أيّ أمر آخر، وبتعبير أوضح، إنّ ما تضمره الفقرة أ من المادة 95 بتمثيل الطوائف هو تمثيل الاكثرية الشعبية في ما خص كل طائفة من خلال الكتلة السياسية التي نالت تأييد الاكثرية العادية من ناخبي الطائفة المعنية في الانتخابات النيابية، والا فقدت هذه الفقرة الميثاقية معناها وجدواها وأصبح التمثيل الطائفي شكلاً بلا مضمون وشرّعنا الابواب امام هيمنة طائفية مقنعة، وذلك لأنّ الانتخابات تمثّل الآلية المعتمدة للتفويض الشعبي، ولأنّ الشعب مصدر السلطات بحسب الفقرة «د» من مقدّمة الدستور.
ب- لقد اعتمد لبنان بموجب تعديلات الطائف النظام البرلماني الطائفي واستبعد النظام الرئاسي ونصّت الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور على أنّ «لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية»، ما يعني أنّ الوزراء يجب أن يعبّروا عن إرادة الكتل النيابية بصفتهم شركاء في السلطة الإجرائية وليسوا معاونين لرئيس الجمهورية كما هي الحال في الأنظمة الرئاسية أو شبه الرئاسية (وهو ما كان عليه دستورنا قبل تعديلات الطائف وإن كانت الأعراف تكفلت بالتقليل نسبياً من حدّة النص). كذلك فإنّ الوزراء ليسوا معاونين لرئيس مجلس الوزراء؛ لأنّ الحكومة في لبنان ليست نتاج أغلبية حزبية بسيطة، بل هي نتاج أغلبية مركبة تجمع بين دعم الأكثرية النيابية من جهة وتأييد الأكثرية السياسية لدى كلّ من الطوائف من جهة ثانية.
لذا يمكن القول: الحكومة في لبنان ليست حكومة رئيس الجمهورية ولا حكومة رئيس الحكومة، بل هي حكومة الأكثريتين الميثاقية والنيابية.
ج- نجد من المفيد أن نلفت إلى أنّ الدستور الذي خوّل رئيس الجمهورية في الفقرة 4 من المادّة 53 أن «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة» تحاشى استخدام أيّ عبارة تفيد بأنّ رئيس البلاد يعيّن الوزراء أو يسميهم، كما كانت الحال قبل تعديلات الطائف، كذلك فإنّه لم يستخدم أيّ عبارة بهذا المعنى في حديثه على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف ولا في حديثه على صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة معاً، لكأنّ المشترع الدستوريّ أراد من خلال ذلك أن يؤكد أنّ صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف في إصدار مرسوم تأليف الحكومة ليست مطلقة وليس لهما سلطة استنسابية في تعيين الوزراء، بل إنّهما مقيّدان بترشيحات الكتل النيابية التي تؤمن تأييد الأكثرية النيابية من جهة وبترشيحات الأكثرية السياسية لدى الطوائف التي تعبّر عنها الكتل النيابية عينها ضمانة لعدالة التمثيل بين الطوائف من جهة ثانية، لا بل لكأنّ المشترع الدستوري أراد القول إنّ مرسوم تأليف الحكومة هو أقرب إلى العمل الإعلاني منه إلى العمل الإنشائي.
وهنا، من المفيد القول، إذا كان من حق رئيسي الجمهورية والحكومة إصدار مرسوم تأليف الحكومة، فذلك لا يعني أنّ لهما حق صناعته وما أدلّ على ذلك أنّ المادّ 53 من الدستور إيّاها خولت رئيس الجمهورية إصدار مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً من غير أن تعطيه حق اختياره استنسابياً بل تركته (مبدئياً) بيد الاستشارات النيابية الملزمة والتشاور مع رئيس مجلس النواب، كذلك فإنّها أعطته صلاحية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة من غير أن يكون هذا المرسوم صنيعة إرادته، بل رهن الحالات التي حدّدها الدستور، فضلاً عن أنّ المادّة عينها أعطت رئيسي الجمهورية والحكومة صلاحية إصدار مرسوم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم، في حين أنّ قرار إقالة الوزراء معقود لأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها بحسب المادّة 65 من الدستور وليس لإرادة رئيسي الجمهورية والحكومة، وكذلك خولت المادّة 56 رئيس الجمهورية إصدار المراسيم التي يقرّها مجلس الوزراء وطلب نشرها من غير أن يكون قد قرّرها أو حتى اشترك في التصويت عليها، على أن يوقع عليها مع رئيس الحكومة والوزير المختص بحسب المادّة 54، فضلاً عن أنّ المادّتين 54 و56 خوّلتا رئيس الجمهورية إصدار القوانين، ويشترك معه بالتوقيع على مراسيم إصدارها رئيس الحكومة من غير أن تكون صنيعتهما، بل صنيعة مجلس النواب بطبيعة الحال.
ولا يُردّ على ما سبق بأنّ الفقرة 2 من المادّة 64 من الدستور خوّلت رئيس الحكومة المكلّف أن «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة»، لأنّ هذه العبارة لا تحتوي على ما يفيد أنّ رئيس الحكومة المكلف هو من يقوم بعملية تشكيل الحكومة، بل يُستنتج منها أنّ الاستشارات النيابية هي التي تقرّر التشكيلة الحكوميّة.
ولا يصحّ التذرّع بأنّ الاستشارات النيابية التي يُجريها رئيس الحكومة المكلّف لم توصف صراحةً بأنّها ملزمة في متن المادّة 64/فقرة 2 من الدستور، وذلك لأنّ هذه الاستشارات لا تستهدف اختيار شخص واحد حتى يمكن احتساب نتائجها في أغلب الأحيان بيسر نسبي، وبالتالي جعلها إلزامية كمحصلة مبسّطة، بل هي تستهدف تأليف حكومة بما تنطوي عليه من تحديد عدد أعضائها وتوزيع حقائبها بين الطوائف والأشخاص وتسمية أعضائها، وهو ما يستوجب مساحةً لا بأس بها من المرونة ينتهزها رئيس الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية لتدوير الزوايا والتوفيق بين توجهات الكتل النيابية للخروج بتشكيلة توائم بين دعم الأكثرية النيابية وتأييد الأكثريات السياسية في مختلف الطوائف التي تعبّر عنها الكتل النيابية.
4 - فوق ذلك، وخلافاً لما يظنّ كثر، فإنه بحسب مقتضيات النظام اللبناني فإن الاكثرية النيابية غير مؤهلة بذاتها وحدها لتأليف الحكومة ولا للحكم، ذلك لأن شرعية الحكومة في لبنان ترتكز على سندين لازمين: الاول نيلها ثقة المجلس النيابي واحتفاظها بها (المادتان 64 و69 من الدستور) وهو كاف وحده في الديموقراطيات البسيطة، والثاني ان تتمثل الطوائف في تشكيلة الحكومة بصورة عادلة طالما لم تُلْغَ الطائفية (الفقرة أ من المادة 95 من الدستور) وهو اضافي وضروري في ديموقراطيتنا التوافقية.
لذا، في حال توافر لأي تشكيلة وزارية في لبنان الشرط الاول، أي دعم الأكثرية النيابية، ولكن من دون الشرط الثاني الذي يوجب أن تتمثل فيها الطوائف بصورة عادلة، فلا يمكنها ان تقوم، وإذا افترضنا أنّها قامت، فتبقى مفتقدة للشرعية الدستورية والميثاقية وتُعدّ ساقطة سنداً للفقرة ي من مقدمة الدستور التي قضت بأن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
ومردّ ذلك إلى أنّ الديموقراطية اللبنانية طائفية وتوافقية، اي إنها ديموقراطية مركبة، وهي تشبه في جوانب منها الديموقراطية السائدة في سويسرا وبلجيكا وتختلف عن الديموقراطية العادية والبسيطة المعتمدة في بريطانيا وفرنسا، علماً بأنّها لا تلغي لعبة الموالاة والمعارضة التي تؤلف أحد اعمدة النظام الديموقراطي، باعتبار أنّ التوافق يتعين أن يكون بين ممثلي الاكثريات الطائفية، وليس بين الموالاة والمعارضة، فينشأ ائتلاف حكومي كل مرة من ممثلي قوى الاكثرية الشعبية في كل طائفة تقابله معارضات من ممثلي قوى الأقلية الشعبية داخل كل طائفة، وهي قد تأتلف جزئيا او كلياً وقد لا تأتلف، إلا إذا آثرت إحدى الجهات التي تمثل الأكثرية السياسية في طائفتها البقاء خارج الحكومة، فيتمّ تمثيل طائفتها إذ ذاك من خلال القوى التي تليها تمثيلاً، بحيث نوائم بذلك بين مقتضيات النظام الطائفي ومستلزمات الديموقراطية.
5- من المفيد التذكير بأنّ جميع الحكومات التي تمّ تأليفها بعد اتفاق الطائف نتجت من دعم الأكثرية البرلمانية من جهة وتأييد الأكثريات السياسية داخل الطوائف، بحسب التمثيل النيابي من جهة ثانية، ما يعني أنّ هذه القاعدة ارتقت إلى مستوى العرف الدستوري الملزم. أما التجربة الوحيدة اليتيمة التي قد يتذرّع بها البعض كسابقة شاذّة عن القاعدة، وهي تجربة حكومة الرئيس سليم الحص في مطلع عهد الرئيس اميل لحود التي ضمّت الكثير من الوزراء الذين جاؤوا نتيجة اختيار رئيسي الجمهورية والحكومة، فهي ظلّت سابقة واحدة ولم تؤسس عرفاً، كذلك فإنّ هذا الاختيار جاء نتيجة تفويض ضمني من الكتل النيابية، وحاز رضاها، في حين أنّ كتلتي المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي لم يعبّرا حينذاك أصلاً عن رغبتيهما في المشاركة بعدما كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد اعتذر عن مهمّة تشكيل الحكومة إثر الخلاف بينه وبين رئيس الجمهورية على احتساب الأصوات التي تركت للأخير حق اختيار رئيس الحكومة المكلّف.
وتجدر الملاحظة بأنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005 التي ضمّت وجوهاً عدّة ممن احتسبوا كتكنوقراط، لا تشكل خروجاً على القاعدة التي عرضناها حول الأصول الدستورية في تأليف الحكومات لأنّه جرى اختيار أعضائها بتوافق الكتل النيابية، ولو كانت مشاركة بعض الكتل قد تحققت بصورة غير مباشرة.
6- إن من واجب رئيس الدولة بصفته رمز وحدة الوطن ويسهر على احترام الدستور بحسب المادّة 49 من الدستور أن يمتنع عن توقيع اي تشكيلة لا تحترم المعايير الدستورية والميثاقية المتوجبة.
وبناءً على ما تقدّم، إذا أصدر رئيسا الجمهورية والحكومة مرسوم تأليف الحكومة، وهما يدركان سلفاً أنّها لن تنال تأييد الأكثرية النيابية، وهو ما بات يُعرف بحكومة «الأمر الواقع»، يكون عملهما في لغة القانون تعسفاً في استعمال الحقّ وتجاوزاً لحدّ السلطة؛ لأنّه يتعارض مع الغاية التي مُنحا من أجلها حق إصدار مرسوم التأليف؛ لكون المادّة 64 من الدستور جعلت الثقة البرلمانية شرطاً لقيام حكومة عاملة ويُفترض أن تكون غايتهما من وراء مرسوم التأليف التوصّل إلى مثل هذه الحكومة، لا مجرّد إقصاء الحكومة المستقيلة عن مهمّة تصريف الأعمال، ما يجعل عملهما مطعوناً في دستوريته.
كذلك، إذا أصدر رئيسا الجمهورية والحكومة مرسوم تأليف الحكومة وهما يعرفان أنّ تمثيل الطوائف فيها غير عادل، يكون عملهما في لغة القانون إيّاها تعسفاً في استعمال الحق وتجاوزاً لحدّ السلطة، حتى ولو كانت التشكلية الحكومية قادرة على نيل ثقة البرلمان لأنّها تكون بطبيعتها مخالفة للفقرة أ من المادّة 95 من الدستور وغير ميثاقية وغير شرعية بحكم الفقرة «ي» من مقدّمة الدستور، إلا إذا كانت الجهة المعنيّة التي تعبّر عن تمثيل الأكثرية السياسية في طائفتها قد رفضت العرض بإشراكها في الحكومة على قدر حجمها، ما يجعل عملهما في هذه الحالة أيضاً مطعوناً في دستوريته.
* محام وباحث دستوري