مقتطفات
- استقرار المعادلة الإقليمية من المرجح أن يكون لمصلحة إيران، وعلى حساب السعودية وإسرائيل.
- علينا العمل على عدم الانجرار وراء مغامرة تورّط الأردن في أدوار أمنية وسياسية تضعه في خندق واحد مع التكفيريين الإرهابيين، وتضعنا في حالة صدام مع التوجهات الدولية التوافقية حول الأزمة السورية.
- احتمال نجاح سوريا في دحر المسلحين بمنطقة حوران وطردهم باتجاه الأراضي الأردنية، يعني نقل جزء من الحرب الجارية في سوريا إلى شمال الأردن.
- على عمّان إجراء حوار جدي مع الأشقاء السعوديين لضمان الحفاظ على حيادية الأردن وعدم تدخله في شؤون الدول الأخرى.
- ثمّة احتمال «ما»، لأن يوافق الرئيس الأسد على تغييرات في بنية النظام السّوري، من خلال عمليّة سياسيّة وتعديلات تشريعيّة، قد تفضي إلى شكل جديد للنظام وعلى غرار الرئاسات البرلمانيّة.
- تريد إسرائيل أن تحصل على أكبر مساحة من الأرض المحتلة مع أقلّ عدد السكان العرب، وقد توافق على دولة – كيان ذاتي، ضمن هذه الشروط، مع تأجيل موضوعي القدس واللاجئين لفترة طويلة.
- قبول الطرف الفلسطيني بتنازلات على صعيد ملف اللاجئين، يعني خلق أزمة داخليّة كبيرة في الأردن، وتفريطاً بمصالح الدولة الأردنيّة ومواطنيها من اللاجئين الفلسطينيين،
- أسوأ توقيت لأيّة تسوية إسرائيلية ـ فلسطينية، هو الوقت الراهن، في ظلّ عدم وجود ظهير عربيّ قويّ للفلسطينيين، وانشغال المراكز الإقليميّة العربيّة بأزماتها وملفاتها الداخليّة.




معروف البخيت *
تشهد منطقة الشرق الأوسط بداية تحولات في البيئة الاستراتيجية تمثلت في عدة أمور أو أحداث. أولاً؛ الاتفاق الأميركي الروسي في صفقة نزع السلاح الكيماوي السوري والتوجه لعقد مؤتمر جنيف2، ثانياً؛ الاتفاق الإيراني الغربي (مجموعة 5+1) بشأن موضوع النووي الإيراني، وثالثاً؛ استمرار المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، مع عدم إحراز أي تقدم ملموس، واستمرار إسرائيل ببناء المستوطنات. هذه التحولات في الشرق الأوسط تأتي ضمن سياق التحولات في الاستراتيجيات والسياسات الدولية.
ولمعرفة مدى تأثير هذه التحولات على الأردن، سنعرض مواقف الأطراف المعنيّة من الأحداث المستجدة في الإقليم، وسلوكها السياسي، وصولاً إلى سلوكها المتوقع تجاه الأردن.

الولايات المتحدة الأميركية

بدأت تصريحات المسؤولين الأميركيين بخصوص تحوّل مركز ثقل الاستراتيجية الأميركية إلى شرق آسيا منذ سنتين. وبدأت بزيادة وجودها العسكري، ولا سيما القوة البحرية في المحيط الهادي، وذلك بهدف معادلة قوة الصين المتعاظمة. وبدأت بتطوير شراكاتها القديمة وبناء شراكات جديدة لتهدئة مخاوف حلفائها وأصدقائها، والإيحاء لهم بأن أميركا لن تتخلى عنهم.
وتريد الولايات المتحدة المحافظة على مصالحها الاقتصادية والأمنية، وأن تثبت لحلفائها أنها لن تتخلى عن مكانة القوة العظمى.
· لا يمكن الاستنتاج حالياً أن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى زيادة إنتاج الطاقة في أميركا وعدم حاجتها لنفط الشرق الأوسط، وفي انخفاض مستوى تهديد القاعدة. ومع ذلك، يمكن القول إن الإدارة الأميركيّة، وفي الولاية الأولى لإدارة أوباما، أحدثت بعض التغيير وواجهت صعوبات تمثّلت في: عدم بذل جهد كافٍ للدفع بمسيرة السلام الإسرائيلي – الفلسطيني، ووجدت صعوبة في وقف نشاط إيران النووي، وفقدت القدرة على التأثير في العراق، وتبحث عن خروج سريع للقوات الأميركية من أفغانستان، وشاركت بالقيادة عن بعد في ليبيا، ولم تتوصل لحل سياسي في سوريا.
· في بداية عهده، حاول أوباما إصلاح سمعة أميركا وشعبيتها في الشرق الأوسط، فوجّه رسائل للعالم الإسلامي بأن هناك بداية جديدة للعلاقات الطبيعية مع أميركا. لكن الجهد الأميركي الخجول لحث الدول العربية على إطلاق الحريات السياسية ومراعاة حقوق الإنسان، أغضب بعض حلفائها، وخاصة دول الخليج العربي، والسعودية بالذات، التي تتحسّب لكلفة التغيير المتسرع في منظومتها الاجتماعية.
· لقد خرجت القوات الأميركية من العراق، لكنها تخلت بقدر كبير عن ترسيخ التجربة الديموقراطية، وسببت بإجراءاتها تحويل العراق إلى حليف لإيران. وهي تحاول الآن الخروج من أفغانستان قبل تثبيت الحكم بشكل قوي وتعزيز المؤسسات في الدولة لمواجهة طالبان.
· مع بداية الربيع العربي، أظهرت أميركا قدراً كبيراً من الارتباك والتردد، وبدا أن نفوذها في المنطقة ينهار بسرعة؛ إذ تخلت بسهولة عن حلفائهــا (مبارك وبن علي)، ما أثر على علاقاتها ببقية الأنظمة الحليفة التي اهتزت ثقتها بالولايات المتحدة.
· عندما بدأ صعود نجم الإسلاميين في تونس ومصر، جرت اتصالات بينهم وبين الولايات المتحدة، لتتولد قناعة لدى الأميركيين إثر ذلك، بأن بالإمكان احتواء الإخوان المسلمين، ولا سيّما بعد حصول أميركا على تعهّدات بعدم المساس بمعاهدة كامب ديفيد، وبأنهم إذا ما تولوا الحكم قد يتحولون إلى النمط التركي وسيكونون حلفاء للأميركيين.
· أيّدت أميركا الإخوان بعد أن وصلوا للحكم في مصر. وبعد سنة من حكم مرسي، ومع خروج الملايين من المصريين في 30 حزيران 2013 وتدخل الجيش وفرض خريطة الطريق، لم تؤيد اميركا ما حدث، وبدت تصريحات المسؤولين غامضة وملتبسة، وجمّدوا جزءاً من مساعداتهم المالية التي تبلغ في مجملها 1,7 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي أثار استياء المصريين. وأصبحت العلاقة الأميركية – المصريّة كما وصفها أوباما (لا ترى أميركا مصر عدواً ولكنها لا تراها حليفة أيضاً).


السياسات الأميركية المحتملة

ابتداءً، إن إظهار أميركا رغبتها بالتركيز على منطقة المحيط الهادي، لا يعني أن يكون ذلك، كما يرى البعض، بخروجها من الشرق الأوسط؛ إذ تستطيع التركيز على هاتين المنطقتين بالتوازي. تبقى للولايات المتحدة عدة مصالح حيوية في الشرق الأوسط وكل واحدة من المصالح لها تأثير وتتطلب متابعةً واستعداداً للتدخل إذا لزم وهي:
· الطاقة؛ بالرغم من عدم حاجة أميركا، مستقبلاً، للطاقة من الشرق الأوسط، تبقى مصادر الطاقة في الشرق الأوسط مهمّة وضروريّة لحلفائها الأقرب، وخاصةً أوروبا، وكذلك الاقتصاد العالمي، لذا ستبقى معنيّة بحرية الملاحة وحماية خطوط إمداد الطاقة.
· انتشار الأسلحة النووية. بالرغم من امتلاك كل من إسرائيل والباكستان للسلاح النووي ومحاولة إيران امتلاكها. فبقاء الولايات المتحدة يمكنها من السيطرة على الأوضاع لغرض منع توسع انتشار السلاح النووي.
· أمن اسرائيل: جملة أسباب تجعل أميركا مهتمّةً بوجودها في المنطقة دفاعاً عن أمن إسرائيل ومصالحها.
· تهديد الإرهاب: انسحاب أميركا من المنطقة لن يوقف التهديد ضد الأهداف الأميركية. قد لا تتكرر هجمات أيلول 2001، لكن أذرع القاعدة المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وأماكن أخرى، تبقى تهديداً قائماً.
· صفقات السلاح: صناعة الأسلحة في أميركا معنية بالشرق الأوسط؛ إذ بلغت مبيعاتها على سبيل المثال إلى السعودية والإمارات بين عامي 2008 – 2011، 70 مليار دولار. وهذا مهمٌّ للاقتصاد الأميركي.

الصفقة النووية مع إيران

- ستحاول مجموعة (5 + 1) بقيادة أميركا تعديل سلوك إيران السياسي في المنطقة من طريق تقديم حوافز اقتصادية – مالية.
- قد تكون الصفقة أكبر من جزئية وقف التخصيب بنسبة عالية وفتح المنشآت للمراقبة؛ لتشمل تفاهمات بشأن سوريا والعراق وحزب الله.
- تدرك الولايات المتحدة مخاوف دول الخليج وإسرائيل من الصفقة مع إيران، لذا ستلوّح الولايات المتحدة بين فترة وأخرى بأن كافة الخيارات قائمة.
- ظهرت بعض الانقسامات في مواقف دول الخليج، من خلال تبادل الزيارات (عمان والإمارات)، وكذلك حصلت استدارات في الموقف التركي.

سوريا

- بعد أن اطمأنّت على السلاح الكيماوي؛ سوف تبدي أميركا اهتماماً خاصاً بالتنظيمات المتطرّفة، ومن المحتمل أن تعمل على توحيد ما بقي من فصائل المعارضة في إطار عمليات الجيش السوري لقتال المتشدّدين (جيش العراق والشام وجبهة النصرة).

- قد تلجأ للضغط على حلفائها (بعض دول الخليج وتركيا) للتأثير على الفصائل المقاتلة لحضور جنيف2، وذلك بتوقيف إمدادها بالمال والسلاح.
- قد يجري التوصل إلى تفاهم أميركي – روسي – إيراني بتعديل موقف النظام السوري والضغط على الرئيس السوري للقبول بتغييرات تشريعيّة وتعديلات واسعة، تفضي إلى عمليّة سياسيّة، قد تمثل استدارة في موقف النظام السوري.
مسيرة السلام الفلسطيني – الإسرائيلي
· أبدى وزير الخارجية الأميركي اهتماماً بعملية السلام أكثر من سابقته هلاري كلينتون من خلال عدد الزيارات للمنطقة.
· تؤكد أميركا التزامها مسيرة السلام، وتعتبرها أولوية أمنية قومية لأميركا. وتدرك أن تسويةً بين إسرائيل والفلسطينيين ستحسّن بشكل كبير علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي وتعالج أهم سبب للتطرف والإرهاب.
· نظراً إلى العلاقة الخاصّة بين أميركا وإسرائيل ونفوذ اللوبي المؤيد لإسرائيل، لا تستطيع أميركا التخلي عن رعاية عملية السلام أو السماح لآخرين بالقيام بدور رئيسي.
· تكمن العقدة الأساسية في تصور اليمين الإسرائيلي الحاكم لشكل الدولة الفلسطينيّة المستقبلية ونوعيتها؛ فعلى عكس تصور بقية دول العالم، ترفض إسرائيل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الأساسية بخصوص الفلسطينيين، وحقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم على ترابهم الوطني. وما دامت إسرائيل مستمرة في تهويد القدس وبناء المستوطنات، فمن الصعب تصور إقامة الدولة الفلسطينية المتواصلة من دون إرغام إسرائيل. وأميركا بدورها ولأسباب داخلية، من غير المرجح أن تقوم بفرض حل قسري. وعلى الأرجح أن تكون المفاوضات فرصة للتهدئة لتتفرغ أميركا للتعاطي مع الأزمة السورية والإيرانية. وهناك احتمال بإغراء إسرائيل لعدم مقاومة الاتفاق الإيراني مقابل تبني وجهة نظر إسرائيل بإعطاء أولوية للترتيبات الأمنية، وذلك بالضغط على الجانب الفلسطيني بإحياء فكرة الاعتراف بدولة فلسطينيّة ذات حدود مؤقتة والاستمرار بالتفاوض.

روسيا

· بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، قبل نحو عقدين، عادت روسيا خطوة إلى الخلف، لتعالج مشاكلها. وفي العقد الأخير، أخذت المواقف والسياسات الروسيّة تصبح أكثر استقلالية وإقداميةً، وأصبحت تؤدي دوراً قوياً وتدخليّاً. وأظهرت الديبلوماسية الروسية براعة فائقة منذ 3 سنوات، حين بدأت أميركا بالتردد والارتباك، واختارت روسيا أن تتشدد في الموضوع السوري ووقفت في وجه التدخل العسكري، وخاصةً من حلف ناتو، مستفيدة من تجربة ليبيا.
· عندما استخدمت الأسلحة الكيماوية في آب 2013، وقعت أميركا والغرب، تحت ضغط بضرورة القيام بعمل عسكري. التقطت الديبلوماسية الروسية اللحظة وتقدّمت بمبادرة الكيماوي السوري، مع ملاحظة احتمال أن تكون سوريا هي من قدمت هذا التنازل لبوتين اعترافاً بدوره تجاه سوريا (مكافأة).
· من الواضح أن لسوريا أهميةً استراتيجيةً خاصّةً بالنسبة إلى روسيا، لكونها آخر قاعدة لها في البحر المتوسط. تدرك أميركا أهمية سوريا لروسيا. ومن المرجح أن تترك سوريا لروسيا مقابل تقديم تنازلات روسية في قضايا أخرى.
· لروسيا مصالح تجارية واقتصادية مع إيران، ولن تترك الولايات المتحدة لتنفرد بعلاقات تعاونية حقيقية، بحيث تتشكل هناك جبهةٌ تحاصرها جنوباً تمتد من تركيا لإيران.
· إجمالاً، اتسمت السياسات الروسية تاريخياً بمساندة القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية. لكن في السنوات الأخيرة تنازلت روسيا لأميركا لتكون الراعي الوحيد لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن غير المرجح تغيير هذه المعادلة قريباً.

مواقف القوى الإقليمية غير العربية

· المشترك بين إيران وتركيا وإسرائيل، أنها أقوى دول الشرق الأوسط عسكرياً، وهي ذات اقتصادات كبيرة، وأكثر دول المنطقة تطوراً صناعياً وتكنولوجياً.

إيران

· لديها استراتيجيات واضحة تنفذها بذكاء ومثابرة،
· بعد الحرب مع العراق، سعت طهران إلى تأسيس نفوذها وتوسيعه بتحالفها مع سوريا، وبدعمها المتعدد الأشكال لحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، والدعم السياسي لجماعات المعارضة في البحرين وشرق السعودية، وأخيراً في وقوفها مع النظام السوري في مواجهة التحديات الصعبة المفروضة عليه.
· لدى احتلال أميركا للعراق عام 2003، ونتيجةً لهدم الدولة العراقية ومؤسساتها، وخاصة الجيش، تمكنت إيران من التغلغل في العراق. حاول الأميركيون استدراك الأمر، لكن انشغالهم بالأوضاع الأمنية الصعبة بالعراق مع تمدّد القاعدة منعهم من ذلك، واضطرّوا إلى الخروج من العراق مع بقاء النفوذ الإيراني.
· مع بداية الأزمة السورية، ظهر محور إقليمي: إيران، العراق، سوريا، حزب الله. وقدّمت إيران دعماً كبيراً للنظام السوري قتالاً وتخطيطاً ودعماً مالياً، الأمر الذي مكّن سوريا، إضافةً إلى الدعم الروسي، من الصمود.
· يعاني الاقتصاد الإيراني من العقوبات الاقتصادية الغربية، وهذا سبب لرغبتها بالتهدئة مع الغرب. خرجت إيران باتفاقيتها مع مجموعة (5 + 1) بانتزاع حق التخصيب. أقلّ من نسبة 5%، ولو ضمنّياً، ويمكن القول إن الاتفاقية المرحلية خرج منها الطرفان رابحين.

السياسات الإيرانية المحتملة

· لن تتخلى إيران على الأرجح عن دعم النظام السوري. لكنها قد تدعم عمليّة سياسيّة، تفضي إلى تعديلات تشريعيّة، تسهم بتخفيف حدّة الأزمة، أو التعهّد بالحفاظ على التوازنات اللبنانية الداخلية
· سوف تستمر إيران بتعزيز نفوذها وتأثيرها في المنطقة بوسائل غير عسكريّة.


تركيا

منذ عام 2004م، تحسّنت العلاقات التركية السورية ووصلت إلى درجة الشراكة. منذ ذلك الوقت، وحتى بداية الربيع العربي، حققت تركيا مكانةً وشعبيةً في العالم العربي غير مسبوقة، بعد حادثة باخرة مرمرة، وكذلك حادثة انسحاب أردوغان من مؤتمر دافوس بعد أن وجّه انتقادات حادّةً إلى الرئيس الإسرائيلي بيريز.
وبعد عدة أشهر على بدء الأزمة السورية، اتخذت تركيا موقفاً معادياً وحادّاً من النظام السوري وفتحت حدودها لمقاتلي المعارضة وسمحت بتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا. بدأ يظهر أن هناك تحالفاً تركياً – سعودياً – قطرياً ومصرياً (مرسي)، متخليةً بذلك عن السياسة التي اتبعتها «صفر مشاكل».
_ كان من شأن الحسم المبكر والقاطع في الموقف التركي وسلوكها تجاه النظام السوري، فقدان وغياب وسيط مفترض كان مقبولاً. يضاف إلى ذلك أن سوريا بتخليها عن المناطق الكرديّة نقلت عبء المشكلة الكردية مجدداً إلى تركيا. مع الأخذ في الاعتبار أن هناك نحو 20 مليون علوي في تركيا يتركّزون في الأناضول، ومنهم ثلاثة أو أربعة ملايين عربي في أنطاكيا، وهم غير مؤيّدين لموقف تركيا ضد سوريا.
_ تدهورت العلاقات التركية – المصريّة نتيجة لإصرار أردوغان على وصف تدخل الجيش المصري بالانقلاب العسكري، واستمرّت تركيا بتقديم الدعم للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، والنتيجة أن مجمل المواقف التركية أدّت إلى شبه عزلة وانخفاض شعبية تركيا في العالم العربي.

_ وكان من شأن التوصل إلى اتفاقية السلاح الكيماوي في سوريا واتفاقية النووي مع إيران من دون التنسيق مع آخرين، وخاصة حلفاء أميركا في المنطقة، تركيا والسعودية، أن شعرت الأخيرة بالخذلان والصدمة.

السياسات التركية المحتملة

· أظهرت تركيا أخيراً استدارة في مواقفها؛ فقام وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو بزيارة العراق وإيران، واستقبل أردوغان البرازاني رئيس إقليم كردستان.
· على الأرجح، ستعمل تركيا على التكيف مع الوقائع الجديدة، مع العمل على تحسين علاقاتها مع دول المنطقة لاستعادة قدراتها على التأثير. ومن المرجح أن تميل إلى التهدئة مع مصر، لمواجهة التحديات الداخلية والانتخابات البلدية في شهر نيسان والنيابية في شهر آب.

إسرائيل

سورياً، لو أن إسرائيل خططت لتدمير البُنى التحتيّة لسوريا واستنزاف القوات المسلحة، لما أبدعت أفضل ممّا نتج من الأزمة السوريّة القائمة والاقتتال الدّاخلي، طبعاً مع ما ارتبط بالأزمة من دخلاء ومتسللين من كافة الأقطار، أسهموا بالتدمير والخراب. وحتى لو جرى التوصّل إلى حل سياسي قريب في سوريا، فسوف تحتاج إلى فترة طويلة لاستعادة عافيتها وقدراتها، ما يعني، موضوعياً، تلافي التحدي السوري لمرحلة ليست بالقصيرة.
_ إيرانياً، ألحت إسرائيل على الخيار العسكري وتدمير المنشآت النووية. وصدمت جراء الاتفاق الإيراني ـ الأميركي. ومن المستبعد قيام إسرائيل، وحدها، بضرب المنشآت الإيرانية، لكنها ستستمر بالتحريض ضد إيران.
_ فلسطينياً، تريد إسرائيل أن تحصل على أكبر مساحة من الأرض المحتلة مع أقلّ عدد السكان العرب. وقد توافق على دولة – كيان ذاتي، ضمن هذه الشروط، مع تأجيل موضوعَي القدس واللاجئين لفترة طويلة.

السياسات الإسرائيلية المحتملة

· ستقف إسرائيل بوجه الاتفاقية مع إيران وستلجأ إلى التشكيك بالتزام إيران ووسيلتها لذلك التأثير في الرأي العام الأميركي والأوروبي وباستخدام ضغط الكونغرس على الإدارة الأميركية.
· قد تلجأ إسرائيل إلى القيام بأعمال تخريبية لتعطيل المشروع النووي الإيراني، وذلك إما بالتدخل الإلكتروني أو بتفجيرات يقوم بها عملاء.
· ستلجأ إسرائيل للمماطلة في المفاوضات الحالية مع الاستمرار ببناء المستوطنات. وستراوغ لدفع الفلسطينيين إلى تقديم المزيد من التنازلات أو الانسحاب من المفاوضات وإلقاء اللوم عليهم.
· من غير المتوقع حدوث اختراق حقيقي خلال المدّة الباقية للزمن المحدد بـ 9 أشهر. وإن احتمال قيام الإدارة الأميركية بفرض حل على خطوط قريبة من معايير كلينتون عام 2000، ضعيفٌ، هذا بالرغم من تنامي الشعور بأن إسرائيل تشكل عبئاً على أميركا (مجموعة J street). وإجمالاً، ما دام تحالف اليمين بالحكم في إسرائيل، فمن الصعب تصور الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية في وقت قريب.


الدول العربية

دول الخليج
· لا تنظر السعودية بارتياح إلى تباين مواقف شقيقاتها الأصغر تجاه الاتفاق الغربي مع إيران. والسعودية لم تستجب لرغبة وزير خارجية إيران بزيارة السعودية؛ فبالرغم من التطمينات الأميركية والترحيب بالاتفاق الإيراني الذي تضمّنه بيان القمة الخليجية في الكويت، إلا أنها، من موقعها القياديّ، تنظر إلى إيران على أنها مصدر خطر على منظومة دول الخليج.
· أما بخصوص سوريا، فقد ذهبت السعودية إلى أقصى مدى ممكن في الضغط على الإدارة الأميركية وعلى مجلس الأمن من أجل اتخاذ قرار ملزم بإسقاط النظام في سوريا، بالتوازي تقوم بدعم فصائل من المعارضة مالياً وسياسيّاً وتسليحياً ومعنويّاً.

السياسات المحتملة

· ستحاول السعودية عرقلة الاتفاق مع إيران بالوسائل الديبلوماسية والمتعدّدة بالتعاون مع دول أخرى.
· من غير المستبعد أن تتعاون السعودية مع الباكستان للحصول على التكنولوجيا النووية، وربما الحصول على السلاح النووي.

· هناك احتمال ضئيل للتوصل إلى اتفاق أمني بين إيران ومنظومة دول الخليج بواسطة أميركية وبضمانات دولية.
· من المرجح استمرار السعودية في دعم المعارضة السورية، مراهنة بذلك على فشل مؤتمر جنيف2.

مصر

· تبدي مصر حالياً اهتماماً أقلّ بقضايا سوريا وإيران ومفاوضات السلام، وذلك لانشغالها بالأوضاع الأمنية وبخريطة الطريق. من المتوقع استمرار حالة عدم الاستقرار لفترة طويلة (5 سنوات في أفضل الأحوال) مع ضعف اقتصادها.
· من المتوقع، أن تتعرّض مصر لموجة إرهاب كتلك التي حصلت في السبعينيات والتسعينيات؛ فهذه العلاقة الصراعيّة التاريخية بين الدول والإخوان مستمرة.
· إذا صحّت الأنباء بأنه يمكن التواصل بحرياً بين أميركا والصين واليابان من خلال المحيط المتجمد الشمالي، فإن أهمية قناة السويس ستقلّ، وهذا على حساب الأهمّية الاستراتيجية لمصر.
السياسات المحتملة.
· سوف تعمل مصر على ترميم علاقتها مع أميركا وتقويتها مع روسيا والصين، ومن المنتظر ابتعاد مصر خلال الفترة القادمة عن اتخاذ مواقف حادّة أو حاسمة في ملفات سوريا وإيران والمفاوضات.
· ستوثق علاقاتها مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات التي قدمت دعماً مهماً لمصر، وذلك بهدف جذب المزيد من الاستثمارات.

سوريا

منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، كان التصوّر الأردني للأزمة بأنها ستمتدّ إلى فترة طويلة، وأن الرئيس الأسد سيبقى في موقعة لغاية انتهاء ولايته عام 2014 على الأقل. استند هذا التصور إلى عدة أسباب: أولاً، هناك حالة استعصاء على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية؛ فعلى المستوى الدولي، يمرّ النظام العالمي في مرحلة مخاض انتقالاً من أحادي القطبية إلى متعدّد الأقطاب والعودة إلى مرحلة الحرب الباردة. وبالفعل لجأت روسيا والصين إلى الفيتو على قرارات مجلس الأمن، وبهذا فقد أصبحت سوريا هي مادة هذا المخاض الذي يمرّ به النظام العالمي.
· وعلى المستوى الإقليمي، تشكلت محاور تتمثل في إيــران – العراق – سوريا – حزب الله بغطاء روسي مقابل تشكل محور السعودية – تركيا – قطر، وبغطاء أميركي والصراع بين هذه المحاور أطال عمر الأزمة السورية.
· على المستوى المحلي، أخذ الصراع على السلطة منحى طائفياً. ومن جهة أخرى، إن النواة الصلبة في الجيش متماسكة، والأرجح على أساس مؤسسي، فهناك سنّة وكرد ودروز ومسيحيون في مناصب قيادية؛ إذ إن وزير الدفاع الحالي ورئيس المخابرات هما من السنّة. ويلحظ المتابع أن الانشقاقات في الجيش النظامي لم تكن نوعية ومهمّة. وقد يعزى سبب التماسك في صفوف الجيش إلى القادة وربما تجربة العراق الماثلة أمامهم. كل هذا ولّد قناعة أردنيّة باستحالة الحسم العسكري في الأزمة السورية.
· كان واضحاً أن أميركا لا تميل إلى التدخل العسكري؛ لأن سنة 2012م كانت سنة انتخابات رئاسية في أميركا. والرئيس أوباما كان سيتوجّه إلى الناخبين، قائلاً: أخرجت القوات الأميركية من العراق وأعمل على إخراجها من افغانستان، وقتلت ابن لادن وهذا يكفي. وبالفعل أصر أوباما على عدم التدخل استناداً إلى قناعاته بعدم توريط أميركا بحرب جديدة.
· بالمقابل، فالمعارضة منقسمة ومشتتة وهياكلها هلامية. وتعتمد بشكل رئيسي على التيار الإسلامي والسلفي وبعض المنشقين من الجيش والمستقلين، مع عدم وجود قيادة موحدة متفق عليها. كان من شأن هذا الوضع الفوضوي أن سمح بتسلل تنظيمات متطرفة عديدة. كل هذا أثر على كفاءة المعارضة وفعاليتها. ويزيد الآن قلق العديد من الدول الغربية والعربية من مصير هذه التنظيمات المتطرفة ومآلاتها، وخصوصاً جيش العراق والشام «داعش» وجبهة النصرة.
· في 21 آب 2013، استخدم السلاح الكيماوي ضد مدنيين، ما أثار العالم. وبدا أن أميركا ستقوم بضربة عسكرية ضد النظام السوري. قدّم الروس مبادرة للتخلص من السلاح الكيماوي، وتوصلوا إلى اتفاق في مجلس الأمن. وهذا الاتفاق ضمنياً يعني القبول ببقاء الرئيس الأسد إلى منتصف العام القادم إلى حين التخلص من كامل مخزون الكيماوي.

· في ظل هذه الأجواء، تسعى الأطراف للذهاب إلى جنيف2. ويبذل المبعوث الأممي والعربي الإبراهيمي جهده لتوحيد المعارضة المشتتة في وفد واحد.

السياسات المحتملة

· اعتماداً على نتائج القتال على الأرض، سترفع سوريا سقف مطالبها ومواقفها التفاوضية. والقوات النظامية تحرز حالياً تقدّماً لافتاً.
· ثمّة احتمال «ما»، أن يوافق الرئيس على تغييرات في بنية النظام السّوري، من خلال عمليّة سياسيّة وتعديلات تشريعيّة، قد تفضي إلى شكل جديد للنظام وعلى غرار الرئاسات البرلمانيّة.
· هناك سيناريو مفترض، بغض النظر عن فرص تحققه، بأن تلجأ سوريا إلى تصدير الأزمة إلى الدول المجاورة: تركيا، العراق، الأردن ولبنان.

العراق

· تجنّب العراق، في البداية، الانخراط في الأزمة السورية، ومع اشتداد الضغط على الرئيس السوري، ولدوافع تتعلق بحربها المفتوحة مع «القاعدة»، بدأت بغداد تغض الطرف عن مشاركة بعض العناصر والتنظيمات في القتال إلى جانب النظام.
· بوجود شعور لدى سنّة العراق بالإقصاء من قبل حكومة المالكي، ارتفعت وتيرة العنف بالعراق لدرجة كبيرة، وبدأ المتطرفون القيام بعمليات عنف. موجة العنف هذه أعادت إلى الأذهان تلك في عام 2007.
· من غير المتوقع أن يتخذ العراق مواقف حادة وعلنية في الشأن السوري بسبب أوضاعه الأمنية الداخلية.

لبنان

· بعد مواقف أطراف سياسيّة لبنانية داعمة للمعارضة في سوريا وظهور عناصر حزب الله في القصير إلى جانب الجيش السوري؛ انجرّ لبنان رغماً عنه وأصبح طرفاً مشاركاً بالأزمة السورية.
· بدأ لبنان يشهد توترات في طرابلس بين السنّة والشيعة، وقتالاً متقطعاً (جبل محسن ودرب التبانة). وكذلك بدأت بعض التنظيمات المتطرفة القيام بعمليات انتحارية وتفجيرية في الضاحية الجنوبية لبيروت – مركز نفوذ حزب الله.
· امتلك لبنان تاريخياً تقاليد للصراع، وفيه نوع من التوازن الدقيق بين القوى المتصارعة، لذلك فإنه قد يتحول إلى ساحة صراع، لكن بسياقات تكتيكية.

السلطة الوطنية الفلسطينية

· أدرك العديد من المتابعين، منذ بداية أحداث الربيع العربي، وخاصة في مصر وسوريا، أنها صرفت الانتباه عن القضية الفلسطينية. وشعرت السلطة بأن ما يحدث في العالم العربي سيجعل القضية الفلسطينية آخر أولويات الدول العربية باستثناء الأردن.
· أظهر وزير الخارجية الأميركي حماسة واندفاعاً بعملية السلام، وأطلق المفاوضات المتوقفة وحدّد لها 9 أشهر للتواصل إلى نتائج مع استمرار إسرائيل ببناء المستوطنات.
· يبدي كيري تفاؤلاً بتحقيق اختراق، مع عدم تفاؤل المتفاوضين.
· في ظل هذه الظروف، قد ترضخ السلطة لقبول التصور الأميركي، الذي هو، أساساً، إسرائيلي، من حيث البدء بالاتفاق على الترتيبات الأمنية، مثل وجود القوات الإسرائيلية في غور الأردن على الحدود، مع بقاء السيادة الجوية والبحرية لإسرائيل، مقابل الانسحاب من بعض مناطق (C) لمصلحة السلطة، والاتفاق على قيام دولة (كيان ما) فلسطين ذات حدود مؤقتة منزوعة السلاح باستثناء قوات أمن. يلي ذلك اعتراف العالم بدولة فلسطين مع تأجيل قضايا الوضع النهائي؛ القدس واللاجئين لمرحلة لاحقة والاهتمام بالحدود أولاً، في اتفاق إطار غامض.


الأردن

القضية الفلسطينية
· إقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني وعاصمتها القدس الشريف مصلحة استراتيجية عليا للأردن. لكن شكل هذه الدولة ودرجة سيادتها أمرٌ مهمّ جداً. لقد ساند الأردن، ولا يزال، الفلسطينيين في استعادة حقوقهم وتقرير مصيرهم.
· جميع قضايا الوضع النهائي تهمّ الأردن، وله فيها مصلحة مباشرة. من المهم جداً الاعتراف بحق العودة كمبدأ؛ أما تنفيذه فيصار للتفاوض عليه من حيث الآليّات والأعداد والدفعات، وما إلى ذلك؛ فقرار الوحدة بين المملكة والضفة عام 1950 نصّ على وجوب المحافظة على الحق التاريخي للفلسطينيين في فلسطين (حق العودة). لذلك، هناك مسؤولية قانونية وتاريخية وأخلاقية على الأردن لضمان هذا الحق للأردنيين من شريحة لاجئي 48.
· للقدس مكانة خاصة لدى العرب والمسلمين، لكن الأردن يقوم بواجب رعاية الأماكن المقدسة (إسلامية ومسيحية) منذ عام 1924م. وقد تم توثيق هذه الرعاية بداية هذا العام. كذلك إن معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية نصّت على الدور الخاص للأردن في الأماكن المقدسة.
· إن ترسيم الحدود بين الأردن وفلسطين قضية ثنائية بينهما. وهي سهلة لأنها نهرية وبحرية، ولنا مصلحة في ترتيبات منظومة أمنية للحدود.
· هناك ضرورة قصوى في متابعة المفاوضات، وخاصةً قضايا الوضع النهائي. هذه المتابعة لن تكون فعّالة وحقيقية إلا بالمشاركة بالمفاوضات لضمان المصالح الأردنية لدعم حقوق الفلسطينيين.

سوريا
· تولّدت قناعة مبكرة لدى القيادة الأردنية بأن حل الأزمة السورية هو حل سياسي مع مرحلة انتقالية باتفاق السوريين، وذلك حرصاً على وحدة سوريا وصون مؤسسات الدولة.

إيران

· آمن الأردن بضرورة حل الإشكالات بالحوار، بما في ذلك برنامج إيران النووي على أساس حق الشعوب في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. كذلك دعا إلى التوصل إلى اتفاق يجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل (نووي كيماوي بيولوجي) ووسائل إيصال هذه الأسلحة، بما في ذلك إسرائيل.

السياسات والتحديات

· اتّسم الموقف الأردني من الأزمة السورية بالحصافة والحذر. ونجح الأردن، إلى حد كبير، بإدارة موقف محايد، وتدخل بالحد الأدنى الذي لا يلحق الضرر بالمصالح العليا للدولة، وبما لا يحول الأردن إلى طرف رئيسي بالأزمة السورية.
· كان من شأن اتباع سياسة الحدود المفتوحة لأسباب إنسانية، أن استقبل الأردن أكثر من 600,000 لاجئ سوري، إضافة إلى إقامة عدد مساوٍ من الأشقاء. وهذا يشكل عبئاً على الدولة واقتصادها الذي يعاني أصلاً. وأصبحت أعداد اللاجئين والمقيمين السوريين 20% من الأردنيين، ما شكل ضغطاً مفاجئاً على البنية التحتية، بما في ذلك التعليم والصحة والطرق.
· لقد تفهّم جميع أطراف الأزمة السورية الموقف الأردني لغاية الآن، لكن مع دخول الأزمة السورية مرحلة التحضير الميداني لمؤتمر جنيف2، قد يتطلب الأمر الزجّ بكل الإمكانات لنيل مكاسب اللحظة الأخيرة قبل المؤتمر، على أساس وعي هذه الأطراف لهوامشها بالتحرك، لكن ليس إلى حدود إفشال المؤتمر الذي هو ثمرة تفاهم روسي أميركي.
· وعلى صعيد آخر، التقت مصالح المحور السني (الآني) عند نقطة إسقاط النظام السوري أو إضعافه قدر الإمكان، في مواجهة حلف روسيا – إيران – العراق – سوريا وحزب الله. ودخل الصراع بين المحورين مرحلة النهائيات في العقدة السورية والعقدة الإيرانية. وينشغل المحوران في تجميع أوراق تفاوضية أو تحسين الوضع التفاوضي لمختلف الأطراف التي ستحضر المؤتمر، الذي يعتقد الكثير أنه سيقرر إطاراً لتسوية إقليمية كبرى بين القوى العالمية والإقليمية.
· هذه التسوية الإقليمية تمرّ من جهة التحالف الذي تقوده السعودية عبر منع أو عرقلة أو إضعاف بعض أوراق الحلّ بالمركز السوري الداخلي أولاً بالوسائل الأمينة، وفي مقدمة هذه الأوراق تنحية الرئيس الأسد وضمان حصة سياسية بالحكومة الانتقالية التي سيقرها المؤتمر.
· بالمقابل، ستلجأ إيران إلى توظيف الأوراق الطرفية التي تملكها في لبنان وفلسطين وبعض دول الخليج، إلى أقصى قدر ممكن أو إخراج وتحييد هذه الأوراق من التداول السياسي والتوظيف قبل عقد المؤتمر وبعده.
· في السياق، أثمر الانفتاح الأميركي على إيران، بتوقيع الاتفاق المرحلي، فتح صفحة جديدة بتاريخ العلاقات الإيرانية الأميركية. هذا التحول بالسياسة الأميركية جاء بمثابة الصدمة للسعودية أولاً، ولإسرائيل ثانياً، وهما خصما إيران تقليدياً، ومن موقعين مختلفين.
· هذا يجري في ظل تراجع الدور التركي بالأزمة السورية، وسقوط حكم الإخوان في مصر وتنامي الدور الروسي. وفي ظل تباين مواقف دول الخليج من الاتفاق مع إيران. كل هذه المستجدات أعادت السعودية إلى موقع الدفاع بعد أن كانت بموقع الهجوم في بداية الأزمة السورية وفي ظل العداء الأميركي لإيران.

التحديات الراهنة أمام السياسة الأردنية

التحدي الأوّل: قد تقوم السعودية بالعمل على فرض رؤيتها على الأردن في ما يخصّ موقفه من الأزمة السورية.
التحدي الثاني: تعمق التعارض بين الموقفين الأميركي والسعودي في حل الأزمة السورية، ما يضع الأردن بين قطبي ضغط أميركي – سعودي (علماً بأن الولايات المتحدة والسعودية هما الحليفان التقليديان للأردن) والموقف الأردني من الأزمة السورية واضح ومعلن – مع الحل السياسي للأزمة ويرغب بأن يكون فاعلاً بالحل.
التحدي الثالث: دخول إسرائيل على خط الأزمة السورية بوضوح بعد التفاهم الأميركي الإيراني. ويبدو أن هذا الاندفاع الإسرائيلي ما هو إلا بداية لمرحلة جديدة من مواجهة إسرائيلية إيرانية قد تطول.

المخاطر المحتملة: يشكل الأردن المجال الجيو استراتيجي المثالي وشبه الحصري للتأثير في مجريات الأزمة السورية بالنسبة إلى كافة أطراف الصّراع في سوريا واللاعبين الأساسيين في الإقليم. إذ إن تركيا دولة كبيرة وقوية وأكبر من أن تتحول إلى ساحة صراع. بينما العراق دولة موالية لإيران، والقوى العراقية غير الموالية ليس بإمكانها التأثير خارج حدود العراق إلا ببعض العمليات الأمنية. أما لبنان، فهناك توازن دقيق بين الفئات المختلفة، وقد يحرص مختلف الأطراف على هذه الترتيبات.
· يضاف إلى ذلك أن سوريا لم تعد تنظر إلى الأردن كمحايد تماماً؛ فقد اتهم مساعد وزير الخارجيّة، فيصل المقداد، المملكة بأنها تستضيف غرفة عمليات سعودية – إسرائيلية لإدارة العمليات العسكرية في سوريا، ما يضع الأردن أمام احتمال لجوء سوريا إلى دحر المسلحين في منطقة حوران باتجاه الأردن وطردهم باتجاه الأراضي الأردنية، ما يعني نقل جزء من الحرب الجارية في سوريا إلى داخل الأراضي الأردنية. وهنا قد تتحول مخيمات اللاجئين السوريين إلى خزان بشري لتغذية الصراع. ورغم إدراك السوريين لخطورة هذه الخطورة، إلا أنها قليلة أمام المكاسب السياسية والعسكرية لنقل المعركة للداخل الأردني، وخاصة إذا استمر الجيش السوري بتحقيق انجازات عسكرية في أنحاء سوريا.
· وبالنتيجة، إن الصراع السعودي – الإيراني والصراع الإسرائيلي – الإيراني صراع طويل وسيمرّ بعدة مراحل: ما قبل جنيف، حيث سيبلغ ذروته في الأيام المقبلة وسيمتد الصراع إلى ما بعد جنيف، إلى حين استقرار المعادلة الإقليمية التي من المرجح أن تكون لمصلحة إيران وعلى حساب السعودية وإسرائيل.

السياسات المقترحة

· نظراً إلى التحولات العميقة في البيئة الاستراتيجية للشرق الأوسط وتداعياتها على مختلف الأطراف، فإن على السياسة الخارجية الأردنية مغادرة حالة السكون بانتظار نتائج الأحداث، وسياسات رد الفعل إلى القيام بمبادرات لإعادة التموضع واعتماد البدائل الكفيلة بالدفاع عن مصالح الأردن وصون استقلاله.
· وبناءً على المخاطر المحتملة، لا بد من القيام بما يأتي:
أولاً: التحرك الفوري لإجراء اتصالات مع القائمين على مؤتمر جنيف 2 وأميركا وروسيا لوضع قضية اللاجئين السوريين على جدول الأعمال بهدف إقامة محميات إنسانية داخل الأراضي السورية والبدء بعودة اللاجئين والطلب إلى مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته والضغط على أطراف الصراع لإقامة المحمية الإنسانية.
ثانياً: علينا اتخاذ تدابير (عسكرية وأمنية) في المنطقة الشمالية، فحتى لو اقتضى الأمر إعلان المنطقة على امتداد الشريط الحدودي مغلقة تدار من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية.
ثالثاً: تغيير الحالة السياسية الحالية تجاه المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وذلك بالإصرار على التواجد بالمفاوضات، حتى لا تحدث مفاجأة كما حدث في أوسلو، وحتى لا يدفع الأردن فاتورة التصور الأميركي الإسرائيلي للحل، مع ملاحظة الحقائق التالية، في ما يخصّ القنوات السريّة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما تسرّب عنها:
- إن أسوأ توقيت لأيّة تسوية مفترضة، هو الراهن، في ظلّ عدم وجود ظهير عربيّ قويّ للفلسطينيين، وانشغال المراكز الإقليميّة العربيّة بأزماتها وملفاتها الداخليّة.
- أيّ حديث عن قرار جديد لمجلس الأمن، بخصوص القضيّة الفلسطينيّة، يعني، عمليّاً، نسف أساسات الشرعيّة الدوليّة التي تستند إليها قوّة القضيّة الفلسطينيّة، في زمن الضعف العربيّ، وبما يشكل إلغاءً لقرارات مرجعيّة (181، 194، 242،237).
- كما في الحرب تماماً، لا يجوز الدخول إلى معركة المفاوضات بلا سلاح ولا دعم ولا خطة واضحة. ومثلما خسرنا حرب 1967م، لأنها كانت في غير أوانها، فقد نخسر معركة التسوية والمفاوضات إذا جاءت في غير أوانها.
- قبول الطرف الفلسطيني، تحت الضغط، بتنازلات على صعيد ملف اللاجئين، يعني خلق أزمة داخليّة كبيرة في الأردن، وتفريطاً بمصالح الدولة الأردنيّة ومواطنيها من اللاجئين الفلسطينيين،
- وعليه، تقتضي مصالح الأردن العليا، عدم القبول بـ«إبلاغنا» بمجريات المفاوضات ونتائجها، بل بأن نكون حاضرين ومشاركين، ومدافعين عن رؤيتنا ومصالحنا.
رابعاً: علينا العمل على عدم الانجرار وراء مغامرة تورّط الأردن في أدوار أمنية وسياسية تضع الأردن في خندق واحد مع التكفيريين الإرهابيين، وتضعنا في حالة صدام مع التوجهات الدولية التوافقية من الأزمة السورية.
خامساً: القيام بإجراء حوار جدي معمّق مع الأشقاء السعوديين لضمان الحفاظ على المسافات الكافية، التي تكفل حماية المصالح العليا للدولة الأردنيّة وضمان حياديّتها وعدم تدخلها في شؤون الدول الأخرى، وبما يحافظ على خصوصيّة وطابع العلاقة الاستراتيجيّة مع الرياض.
سادساً: إذا تطورت الأحداث باتجاه الأسوأ، فقد يتطلب الأمر إعلان حالة الطوارئ.
سابعاً: لا بد في كل الأحوال، من بذل كل جهد لتعزيز تماسكنا الداخلي ووحدة الصف، بإجراء حوار جدي عميق مع كافة القوى لإزالة حالات الاحتقان، ولخلق حالة من التوافق الوطني، ليكون الأردن قادراً على إدارة المرحلة القادمة بكل جوانبها.

* رئيس الوزراء الاردني الأسبق