ما ترعرع التمييز العنصري في بلد إلا دمّره. وعلى أي حال، هناك بعض البلدان التي تعترف بوجوده وتسعى إلى مكافحته ومواجهته، لوعيها بخطورته وأثره المدمر. في المقابل، هناك بلدان كثيرة جداً لا تعترف بوجوده، وذلك كي لا تقع على عاتقها المسؤولية الأدبية والقانونية في مواجهته، وهو ما يجعله ينخر شيئاً فشيئاً فيها حتى يدمرها اقتصادياً وثقافياً وسياسياً.
تنكر السلطات وجود التمييز ولا تعزّز الإنكار بأدلة واقعية
مملكة البحرين هي من ضمن الدول التي لا تعترف بوجود التمييز العنصري القائم على أساس طائفي ومذهبي. وهي عندما تنكر ذلك في خطاباتها لا تعزّز النكران بأدلة واقعية ومقنعة، لأنها لا تمتلكها، بل على العكس، إذ إن كل ممارسات إدارات الدولة تثبت أن التمييز العنصري ممنهج، وبنسب عالية وصلت في بعض الأجهزة الرسمية (كمجلس الدفاع الأعلى والمناصب العليا لقوة الدفاع) إلى 100%. تمارس السلطات البحرينية التمييز في كل مجالات الحياة، ضاربةً بتلك الحقوق والحريات عرض الحائط، على الرغم من أن البحرين صادقت على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1990. كان الأمل بهذا التوقيع يحدو بشعب البحرين إلى أنه سينعم بعهد جديد بعد القضاء على أشكال التمييز العنصري كافة، إلا أنه للأسف تعزّز ذلك أكثر، وأصبح يمارَس بشكل أوسع، ما جعل الشعب البحريني يسعى إلى مواجهته بانتفاضة التسعينيات التي انتهت بميثاق وطني يقوم على أساس استئصال هذا السرطان الخبيث بشتى الوسائل. تبدّد هذا الحلم يوماً بعد يوم، وعلى مدى عشرة أعوام لم يرَ فيها أبناء البحرين إلا تخطيطاً لاستراتيجية تستهدفهم أكثر فأكثر. وهذا ما كشف عنه مستشار الديوان الملكي، صلاح البندر، عندما فضح المخطط السري الذي يستهدف الطائفة الشيعية في كل مناحي الحياة.
عملية القضاء على التمييز العنصري لا تكون بإعلان عالمي أو اتفاقية تصادق عليها جميع البلدان فقط، بل هي تحتاج إلى آليات واضحة وملزمة بعيدة عن المصالح السياسية، تلتزم بموجبها الدول بوضع برامج جدية وفق جدول زمني تشمل التشريعات والقوانين المحلية، والمناهج الدراسية، والفعاليات الثقافية والإعلامية. فلو كان التوقيع على الاتفاقيات كافياً للقضاء على التمييز العنصري، لما وصلت حال البحرين إلى ما وصلت إليه من الممارسة الفجّة في التمييز الطائفي، ولما خرج شعب البحرين للمطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية.
* مستشار قانوني بحريني