العربي، بالتعريف السياسي والعملي، هو الذي ينتمي إلى هذه الأمة، ويدافع عن استقلالها، ويسعى لتجميعها، ويناضل بهدف ترقية الأحوال المعيشية لأبنائها. وبالتالي يضعها في موقع التحدي لمنظومة النهب والهيمنة الغربية، وهو ــ أساساً، وقبل أي شيء ــ الذي يحظى (إذا تبوّأ موقعاً نخبويّاً أو زعاميّاً) بتقدير واحترام هذا الشعب الممتد من المحيط إلى الخليج.تبعاً لهذا المقياس، فإن الوصف الذي يستحقّه أمراء وملوك الخليج والأردن والمغرب... ليسوا عرباً أبداً حتى لو نطقوا بلساننا، لأنهم محكومون بنهج سياسي متأصّل يضعهم في خدمة مباشرة ومستمرة للمصالح الغربية الاستعمارية. كما أنهم لا يحظون بتأييد واحترام في الشارع العربي البسيط، المنطلق من وعي طبيعي بمصالحه المعاشيّة، والذي يمتاز عن كثير من النخب الطافية على السطح بهذه المميزات:
- الاتصال بالواقع.
- ملامسة الأرض عند التفكير.
- الاستقلال عن المموّلين.
ولو افترضنا أننا قد أعطينا هذا الطابور من «الملوك والقادة» حبّة دواء تجبرهم على قول الصدق، ثم سألناهم: هل أنتم عربٌ؟ وتتشرفون بهذا الانتساب؟ لردّوا نافين عروبتهم، معلنين كراهيتهم لهذه الجذور، وخصومتهم مع تلك اللغة، مؤكدين أنهم محض عملاء غرباويين.
الحقيقة التي يغفلها كثيرون هي أن أغلب العملاء الذين يطعنون سوريا اليوم، وليبيا أمس، والعراق أول من أمس... هم من الكارهين لعروبتهم، أو ممن يتحاشونها، وينفونها... وكأنهم يخجلون منها... والعكس صحيح.
المتطرف الذي طار من تونس إلى تركيا، ثم عبر منها ليقاتل مع «جبهة النصرة» أو «داعش» في سوريا، ويخرّب البلاد، ويحوّلها إلى مدفن كبير، لم يفعل ذلك لأن «سوريا لا تزال تؤمن بعروبتها»، وإنما فعل ذلك لأن هناك مخططاً غربياً أراد توظيفه لأداء دور تخريبي وتفكيكي هناك. ولتنفيذ تلك المهمّة تعرّض هذا الشاب لشحن عاطفي مكثّف عبر الإعلام الخليجي وموقع «فيسبوك»، وتم استغلال سذاجته، والتلاعب في أفكاره اعتماداً على قوة تأثير المقدّس الديني الموروث. وفي النهاية تم شحنه لـ«الجهاد»... ولو سألته عن العروبة؟ فثق أنه يعتبرها من ضمن الكلام «الكُفري» و«المغضوب عليه».
من انطلاقتنا هذه، نعرف أن الطريق الوحيد لمنع نشوء متطرفين جدد، هو بالتوسع في الدور العربي، وتكثيف النشاط في هذا المجال، لا الانغلاق والانحباس خلف الحدود، أو تجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا وعلوم الاجتماع. فنتائج الانسحاب هي ترك المجال مفتوحاً لتلعب فيه أنظمة الحكم المعادية، بالشكل الذي يمكّنها مستقبلاً من أن تكون قادرة على شحن آخرين للمحلّ الذي يريده الغربيّون.
جامعة نظم الخليج ليست جامعة العرب
أليس الحُكم للشعب؟ إذن فلننزل إلى الشارع العربي في موريتانيا، والجزائر، والسودان، واليمن، والعراق... ولنسأل الناس هل يمثلكم هؤلاء المصطفّون وراء الرياض أو بالأحرى وراء واشنطن، في مؤتمرات القمة العربية اليوم، أم لا؟ من الإجابات سنعرف أن الشعب العربي هو على النقيض تماماً مع الجامعة التي تدّعي تمثيله.
هذه الجامعة، وبعيداً عن شبهات التصقت بها من بداية نشأتها، وعن الجدل التاريخي في ذلك، فإنها منذ عام 1990، على الأقل، حين تم تمرير التدخّل الأميركي للجزيرة العربية بذريعة «تحرير الكويت»، وهي ألعوبة في يد نظم الخليج. ويوماً بعد يوم، يتصاعد ابتلاعهم لها، وأحداث السبع سنوات الأخيرة تؤكّد ذلك، والفاتحة كانت ليبيا، حين حشدت الدوحة والرياض لشرعنة غزو «ناتاوي» (الناتو) صريح لبلد عربي، واستمر السيناريو إلى اليوم مع سوريا. إذاً، نحن أمام دور خليجي (قطري – سعودي – إماراتي) متصاعد يبتلع «السياسة العربية» كما هو عملياً يستولي على «الفضاء الإعلامي العربي»، بدرجة صادمة لغاية اليوم.
لو دققنا النظر، فنحن أمام هجمة ارتدادية من الرجعية العربية تصفّي حسابها مع خطوة تقدميّة تحرريّة تحديثية (جمهوريّة)، انطلق قطارها في الوطن العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتزامنت مع مدّ تحرري اشتراكي عالمي، واستفادت من عالم متعدد الأقطاب، ومن الحلفاء «السوفيات».
هذه الخطوة العربية الصاعدة لم تكن - بطبيعة الحال - مبرّأة من العيوب ومواطن القصور، ووقعت في مشكلات داخلية جمّة، كما كانت بحاجة لمساحة زمنية أكبر للتطوّر، بينما الاستعمار الغربي يقطع الطريق عليها ويستمر في تهديدها واستنزافها. لكن ما يجري اليوم، وفي ظل الهيمنة الخليجية/ الغربية تلك، ليس تطويراً لهذه الخطوة بالتأكيد، أو نقداً تقدميّاً يتخطاها لما هو أفضل، وإنما نبذاً لها، وانقلاباً عليها، وإجهازاً على ما تبقّى من رائحتها (وهنا خطورة حقيقة، لا يلتفت إليها كثيرون).
من المؤلم حقّاً اعتبار أن «أمراء وملوك الخليج» الذين لعبوا دوراً مركزياً في تخريب العراق وليبيا وسوريا، عرباً، بمعنى الانتماء إلى الأمة.
الحقيقة، أننا لا نرى هذا الانتماء، بل لا نشهد أياً من صفات البداوة (بإيجابياتها وسلبياتها). نحن أمام عملاء صرحاء لـ«البيت الأبيض»، باحثين عن حفظ عروشهم، وتركيم الشحوم بأجسادهم، وغرباويين لذائذيين تماماً، من أسفل هذا الثوب السلفي المموّل للنشاطات المتزمّتة، ولا يصح وصفهم بغير ذلك، ولن يكون أحد مسروراً عندما نلصق وصف «الفارسي والفارسية» في كل مرة نذكر فيها أسماء عملاء، مثل رضا بهلوي الثاني، أو مريم رجوي، أو عندما نشيْطن عموم الأكراد بسبب مسعود البرازني وهوشيار زيباري!
كذلك ما نلحظه أن هذا الطابور من الحكّام، لا يلجأ إلى مفردات العروبة، إلا حينما يحاول استغلالها في قطع الطريق على أي تحالف إقليمي أو أممي لتشكيل جبهة مناهضة للإمبريالية الأميركية، بمعنى أنه لا يلجأ إلى العروبة إلا كـ«غِطاء خطابي» يجمّل به اصطفافه وراء «البيت الأبيض» عند التحريض على محور المقاومة، أو عندما يحاول صرف الأنظار عن الكيان الصهيوني العدو المركزي للأمة، بل والتسويق له، والدعوة إلى التطبيع والتحالف معه! العرب هم الجيش العربي السوري، وجمال عبد الناصر، والحسين، والمقاومة في جنوب لبنان، وأهل العراق الذين تصدّوا لـ«داعش» وحافظوا على وحدة البلد، والشباب والشابات الواعون لمركزية الخصومة مع «البيت الأبيض»، الذين يتظاهرون في تونس، والقاهرة، والجزائر، ضد أي عدوان أجنبي على أرضنا... العرب نحن، لا هم!
* كاتب مصري