قد تكون حلب الشرقية (كانون أول 2016) هزيمة للمعارضة الإسلامية المسلحة ولكن الغوطة الشرقية (نيسان2018 ) هي التأكيد على أن هناك هزيمة لمجمل المعارضة ولكل خط السلاح السوري المعارض البادئ في خريف 2011، حيث لم يكن قبل هذا التاريخ فعلاً مسلحاً منظماً. في أحداث 1979-1982 بدأت هزيمة السلاح الإسلامي المعارض في مدينة حلب (صيف 1980) ثم تكرست هذه الهزيمة في مدينة حماة (شباط 1982). لم تتحول هزيمة الإسلاميين في الثمانينيات إلى انتصار سياسي للسلطة كترجمة لانتصارها العسكري - الأمني لأن المعارضة الوطنية الديمقراطية المختلفة عن الإسلاميين، والتي كانت خطاً ثالثاً، استطاعت أن تتزعم المعارضة طيلة فترة 1982 -2000، ورفضت أن تدفع فاتورة هزيمة الإسلاميين الذين كان تنظيمهم المدني هو القائد للتنظيم العسكري وخاصة بعد توحد أجنحتهم الثلاثة في كانون الأول 1980 (التنظيم العام للإخوان المسلمين - تنظيم الطليعة المقاتلة - تنظيم الطلائع الإسلامية بقيادة عصام العطار).مع هزيمة المسلحين في الغوطة الشرقية، وبدء تصفية الوجود المسلح في القلمون الشرقي وفي جنوب مدينة دمشق وإرهاصات عن حدوث ذلك في شمال حمص وجنوب وشمال حماة، هناك مؤشرات على أن وجود المسلحين لن يكون في المناطق الداخلية غير الحدودية، حيث يتجه نحو أن يكون حدودياً محازياً لتركيا عند خط جرابلس - اعزاز - عفرين - ادلب، وفي شرق الفرات حيث تدعم الولايات المتحدة «قوات سورية الديمقراطية» وفي مثلث التنف حيث الغطاء الأميركي للمسلحين هناك، وفي الجنوب السوري في محافظتي درعا والقنيطرة حيث هناك دعم أميركي - أردني وأيضاً على الأرجح إسرائيلي للمسلحين. يؤشر ما سبق إلى أن الصراع مع المسلحين في المناطق المذكورة لن يكون سورياً - سورياً بل صراع مع دول يكون السوريون المسلحون هناك واجهات لها أو أكياس رمل أو أدوات للمساومة العسكرية أو ربما أوراقاً لتلك الدول من أجل أن تكون لها حصة في التسوية القادمة، وفي سوريا ما بعد التسوية. حتى تاريخه توضحت معالم منطقتين: شرق الفرات وشريط جرابلس - اعزاز - عفرين - ادلب، وعلى الأرجح أن المنطقة الثالثة في درعا والقنيطرة ستتوضح معالمها خلال المدى المنظور وخاصة بعد فشل الاتفاقية الأميركية - الأردنية - الروسية تجاه الجنوب في صيف 2017. وهناك الكثير من المؤشرات عن أن قوى ثالوث واشنطن - عمان - تل أبيب تدرس إمكانية إيجاد «سعد حداد سوري» في محاولة لتكرار تجربة الشريط الحدودي اللبناني الجنوبي 1976 ــ 2000، وليس جديداً هذا النظر الإسرائيلي للجنوب السوري حيث في الأيام الثلاثة للانقلاب العسكري على العقيد أديب الشيشكلي (25-27 شباط 1954)، عندما كان الانقلاب في حلب من دون دمشق مع فوضى وفراغ أعقبا رحيل الشيشكلي إلى الخارج في مساء اليوم الثاني، قدّم وزير الدفاع الاسرائيلي بنحاس لافون اقتراحاً إلى رئيس الوزراء موشيه شاريت باحتلال الجنوب السوري، وهو ما رفضه شاريت أو تردد فيه وخاصة بعد الرفض الأميركي – البريطاني لذلك (انظر مقالي بعنوان: «يوميات شاريت»: هكذا ترى إسرائيل الجوار، «الأخبار» عدد 8 تشرين أول 2013).
التدويل العسكري - السياسي للأزمة السورية لن يجعلها قريبة الحل


ليس صدفة أن تتزامن عملية إخلاء المسلحين للغوطة الشرقية مع إعلان واشنطن عبر ضربات 14 نيسان 2018 عن بدء صراع على سوريا مع موسكو. الرسالة الأميركية من تلك الضربات العسكرية، التي هي أساساً موجّهة سياسياً ضد الروس، هي إعلان عن انتهاء الوفاق الروسي - الأميركي حول سوريا في فترة باراك أوباما بدءاً من اتفاق 7 أيار 2013 بين كيري ولافروف في موسكو وإعلان عن تحديد أميركي لقواعد لعبة جديدة في سوريا يقول من خلالها الأميركي إنه موجود في سوريا عبر وكلاء محليين وعبر قواعد عسكرية وإن روسيا ليست وحدها في سوريا. تركيا اكتسبت شريط جرابلس - الباب - اعزاز عام 2016 عبر التوافق مع روسيا ثم تكرر ذلك في عفرين 2018. في هذا الصدد ليس أمراً عسكرياً بحتاً تكديس المسلحين عبر الباصات في ادلب وجرابلس بل له دلالات سياسية، وعلى الأرجح لا يمكن تفسيره من دون التوافق الروسي - التركي خلال العامين الماضيين، وأيضاً لا يمكن هنا نسيان دلالات سيطرة «الإخوان المسلمين» على الإدارات هناك، في منطقة السيطرة التركية التي ينطبق عليها فقط التعريف الدولي لمصطلح «الاحتلال» حيث توجد سلطة عسكرية تركية مع أدوات عسكرية ومدنية محلية لإدارة الأرض والسكان، وهم الذين سعى أردوغان حتى أوائل آب 2011 لعمل تسوية من خلالها يتم إشراكهم في السلطة في دمشق.
يؤشر يوم 14 نيسان 2018 إلى منعطف سوري يقول بأن التدويل للأزمة السورية، والبادئ مع بيان جنيف1 (30 حزيران 2012) والآخذ منحى سياسياً، قد بدأ بالتمظهر في أشكال عسكرية، وإذا تم الأخذ بمقولة كلاوزفيتز: «الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى»، فإن هذا التمظهر العسكري الأميركي هو ناتج عن فشل التوافقات السياسية مع موسكو ومحاولة أيضاً لفرض وقائع على الأرض عسكرية يهدف الأميركيون إلى ترجمتها سياسياً لاحقاً مع الروس. كان التدويل قد أعقب فشل التعريب البادئ مع «مبادرة الجامعة العربية» في 2 تشرين الثاني 2011، وقد جاء التعريب بعد فشل السوريين في إنشاء تسوية سورية - سورية عقب نشوب الأزمة بدءاً من ما حصل في درعا 18 آذار 2011.
من هنا يمكن القول إن هذا التدويل العسكري - السياسي للأزمة السورية لن يجعلها قريبة الحل بل سيجعلها أكثر تعقيداً. من جهة أخرى، هذا التدويل سيجعل إمكانية الترجمة السياسية لإنجازات الميدان العسكرية ليست تلقائية أو غير ميكانيكية. على صعيد ثالث هناك احتمال أن تقود المواجهات العسكرية القادمة إلى أن تكون ليست سورية - سورية، وفي منبج هناك سيناريو لمجابهة أطلسية - أطلسية، وفي منطقة خشام عند شرق الفرات في شباط الماضي حسمت طائرات «الأباتشي» الأميركية المعركة يومها التي يقال إنه قتل فيها متطوعون روس من غير القوات النظامية. عند الروس والأميركيين في شهر نيسان 2018 كان هناك توافق على أن أجواء الحرب الباردة قد عادت بسحبها وغيومها ورياحها.
هناك سؤال يفرض نفسه الآن: إذا كان التدويل في شكله السياسي قد أنتج بيان جنيف 1 والقرار 2118 والقرار 2254، فهل سينتج التدويل العسكري - السياسي للأزمة السورية قراراً دولياً جديداً يتجاوز تلك المحطات الثلاث ويفتح طريقاً مختلفاً؟
* كاتب سوري