دعوة زياد منى («الأخبار»، الأربعاء 8 كانون الثاني 2014) إلى وحدة النضال الأردني ـــ الفلسطيني، سواء في مواجهة إسرائيل أو في مواجهة تحديات التغيير الوطني الديموقراطي، هي دعوة صحيحة، وبالمعنيين، العام ـــ العربي المشرقي ـــ والخاص ـــ بالنظر إلى العلاقة المميزة التي تربط الشعبين الأردني والفلسطيني. لكن أهميتها تتجاوز ذلك إلى البُعد العملي؛ فقد أظهرت الانتفاضات الأردنية للأعوام 1989، و1996 و1998 ومواجهات 2005 وخصوصاً الحراك الأردني الشامل والجذري، خلال الأعوام 2010 ـ 2011 ـ 2012، أن استنكاف فلسطينيي الأردن عن المشاركة فيها، وفي نضالات الحركة الوطنية الشعبية بعامة، هو عامل رئيسي من عوامل فشلها.
وأسوأ من ذلك، فإن ذلك الاستنكاف بالذات أدى إلى تنامي الفجوة بين الأردنيين والفلسطينيين ـــ الأردنيين، بينما ردم هذه الفجوة، وصولاً إلى وحدة الحركة الوطنية ـــ الشعبية، لا غنى عنهما لنجاحها.
حاول العديدون تقديم تفسيرات لذلك الاستنكاف؛ بعضهم ركّز على القمع الاستثنائي الموجه للتجمعات الفلسطينية، وبعضهم الآخر ركّز على نزعات العداء للفلسطينيين لدى الأوساط الشعبية المتمردة، ومنهم من تناول المشكلة من زاوية اقتصادية ـــ اجتماعية، معتبراً أن طبيعة الحراك المطلبي تتناقض مع القسم البورجوازي من الفلسطينيين، بينما لا تشدّ القسم الشعبي منهم، ذلك القسم المرتبط، سياسياً، بأولويات القضية الفلسطينية.
الأغلبية الساحقة من فلسطينيي الأردن هم أردنيو الجنسية، ويتمتعون بكل الحقوق المدنية والسياسية، وتحوز الفئات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة منهم ما نسبته 65 بالمئة من الاقتصاد الأردني. وفي الواقع، لا يوجد قمع استثنائي موجه ضدهم بأكثر مما هو موجه نحو سواهم؛ بالعكس، إنّ وجود الفلسطينيين ـــ الأردنيين في المدن، وتحت أضواء الإعلام، يجعلهم، أحياناًَ، أكثر حصانة إزاء القمع الجماعي بالمقارنة مع المناطق النائية في المحافظات. وبالتدقيق، سوف نجد أن النزعات المعادية للفلسطينيين في الأردن ليست جماعية أو حادة أو إقصائية. ويمكن التمييز، داخلها، بين توجهات رجعية تعصبية وأخرى اجتماعية شعبوية. والأخيرة توجد في صفوف فقراء الريف ممن يسحقهم ثراء عمان الغربية، ونمط حياتها الباذخ. ومن المعروف أن أغلبية البورجوازية الأردنية هي إما فلسطينية أو شامية الأصل. ومن المؤسف، لكن المتكرر في العديد من المجتمعات أن المفقرين المهمشين يقعون ضحية الانقسام الطولي، وبدلاً من التضامن مع نظرائهم الطبقيين، فإنهم يصبّون جام غضبهم على بورجوازية «الطائفة» (الدينية أو الديموغرافية) الأخرى. ومع ذلك، أستطيع أن أشهد بأن محاولات دؤوبة قد حصلت على مدار سنوات الحراك الشعبي، قامت بها قيادات شرق أردنية، لاستقطاب جماهير فلسطينية ـــ أردنية إلى الميدان. وكانت الاستجابات ـــ ما خلا هبّة تشرين 2012 ـــ ضعيفة.
لا يمكن، بالطبع، إنكار نزعات العداء نحو الفلسطينيين ككل بين الأردنيين، لكن مع ملاحظة بالغة الأهمية هي أن تلك النزعات مرتبطة بشؤون محلية صرف، ولا تنصرف، إطلاقاً، إلى تعاطف مع العدو الإسرائيلي أو التطبيع معه، أو العداء للعروبة إلخ، كما هي الحال في مجتمعات أخرى. وبالتدقيق، سوف يجد الباحث المنصف أن الشرق أردنيين، ولأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، ربما يكونون العنصر الأقل حضوراً بين المطبعين في الأردن.
وبخلاف الانتفاضات والحراكات الشعبية في غير بلد عربي، عام 2011، فقد كانت فلسطين حاضرة بقوة في الخطاب الشعبي الأردني. وكان الهتاف الأكثر ترداداً في تلك الفترة: «الله. الأردن. القدس عربية»، على وزن الهتاف السوري، آنذاك، «الله. سوريا. حرية وبس».
في رأيي أن العامل الرئيسي الذي حال دون اندماج الحركة الوطنية الشعبية في الأردن، خلال فترة الحراك الذهبية، إنما يكمن في الإخوان المسلمين المتنفّذين، أكثر من أي حزب آخر، في الأوساط الشعبية الفلسطينية ـــ الأردنية، وإذا كانوا قد تراجعوا، أخيراً، فلصالح التيارات السلفية والسلفية الجهادية. وبينما يخفت نفوذ فتح في المخيمات، فإن التنظيمات الفلسطينية التقدمية القادرة على التشبيك مع الحراك الأردني، مثل الجبهة الشعبية (وحزبها الأردني)، هي تنظيمات في غاية الضعف، بل ربما تكون قد فقدت تأثيرها الجماهيري منذ وقت طويل.
تحرك الإخوان المسلمون، كما هو معروف، وحرّكوا قسماً من الأردنيين ـــ الفلسطينيين، إنما في سياق منفصل، سياسياً، عن مجرى الحراك الشعبي؛ فركزوا على مطالبات تتعلق بقانون الانتخابات والتعديلات الدستورية وتأييد «الثورة» في سوريا، متجاهلين تركيز الحراك الشعبي على ملفات الفساد والخصخصة ومخاطر تصفية القضية الفلسطينية على حساب فلسطين والأردن معاً.
خلاف جدي أساسي ظهر، خصوصاً عام 2012، هو المتعلق بالموقف من سوريا؛ فتحت تأثير التربية الفتحاوية، وتالياً الإخوانية، وُجدَ تيار عريض في صفوف الأردنيين ـــ الفلسطينيين، يؤيد «الثورة» السورية، في حين أنّ قوى الحراك الأردني التي قادتها عناصر قومية ويسارية، اتجهت، بالعكس، إلى تأييد النظام السوري. وقد أدى الانشقاق السياسي حول سوريا، إلى انشقاق أردني ـــ فلسطيني أيضاً. من سوء الحظ أننا واجهنا في الأردن نوعاً من دائرة جهنمية؛ فبالإضافة إلى كل عوامل الانقسام، فإن الجمهور العشائري المعادي للإخوان المسلمين، اتجه، بالسليقة، إلى تأييد النظام السوري، بينما اتجه جمهور المخيمات، المؤيد لـ«حماس»، إلى تبني موقف مضاد، ثم خشي الجمهوران، المصير السوري، فقررا الاعتكاف.
ينبغي التأكيد، هنا، على أن الحديث عن أردنيين وأردنيين ـــ فلسطينيين، ليس له إلا معنى تأشيري عام في ما يتصل بكل القضايا المطروحة؛ فالتداخل كبير ومعقد، وهناك متغيرات اجتماعية ـــ سياسية عميقة لا بد من درسها لفهم ما يحدث، وما يمكن أن يحدث في الأردن؛ فالنظام الهاشمي الذي لم يكن يملك سوى مؤيدين محدودين من أوساط النخبة الاقتصادية والوجهاء بين الفلسطينيين ـــ الأردنيين حتى أواخر الثمانينيات، يتمتع، اليوم، بقاعدة اجتماعية سياسية واسعة في صفوفهم. وقد نجم هذا التحول عن أسباب موضوعية، أهمها هجرة كتلة فلسطينيي الكويت مطلع التسعينيات، والانفتاح الاقتصادي النيوليبرالي الذي عزز مواقع ومصالح القطاع الخاص ذي الطابع الفلسطيني، وتفكيك القطاع العام الذي أذى الأوساط العشائرية، وانتقل بها إلى الاحتجاج. وفي الواقع، فإن قاعدة النظام الهاشمي الاجتماعية السياسية تتشكل اليوم من مزيج معقد من العناصر البورجوازية والبورجوازية الصغيرة، بغض النظر عن أصولها الجغرافية أو السياسية أو الأيديولوجية. وحتى على المستوى الأمني ـــ السياسي، فإن للنظام قدرة على الحركة والتحريك في صفوف المجاميع الفلسطينية، أكثر بكثير مما يملكه من قدرة موازية في صفوف المجاميع الأردنية.
الانصهار الأردني ـــ الفلسطيني الذي يطالب به زياد منى، حاصل فعلاً، إنما في صفوف القاعدة الاجتماعية للنظام، في حين أنّ الحركة الشعبية منقسمة بشدة. وهو الواقع المسؤول عن فشل الحركة الوطنية في تحقيق منجزات يعتدّ بها. ومن المؤسف أن العديد من المثقفين الوطنيين الفلسطينيين، مثل زياد منى، يساهمون في تعميق الانقسام الأردني ـــ الفلسطيني من خلال عدم قدرتهم على قراءة الواقع الاجتماعي السياسي في البلاد، وإصرارهم على تكرار سردية لتاريخ الأردن الحديث، تنطلق من عدم الاعتراف بالوطنية الأردنية، وتربط الأردن، بلداً ودولة وشعباً، بالنظام، وتماهي بين تاريخ هذا النظام وتاريخ البلد؛ لتؤكد أن الأردن «كيان وظيفي».
علمياً، وتاريخياً، لا يوجد كيان يتخذ صفة دولة، يمكن وصفه بأنه «وظيفي»، أي أنه موجود وحيّ ومستمر، فحسب، لتأدية وظيفة سياسية معينة؛ يغدو ذلك ضرباً من اللغو بقصد الشتيمة التي لا يمكنها إلغاء واقع أن هناك جماعة وطنية ذات سمات متقاربة، وتستقر، منذ قرون، في نطاق جغرافي ـــ سياسي واحد، وتتمتع بعلاقات داخلية ومشتركات لهجوية وتراثية وعقلية سياسية وثقافية، وتنظر إلى نفسها بوصفها جماعة واحدة، أي بوصفها شعباً، وقد انخرطت، لأجيال عدة، في بناء دولة وطنية، ببناها التحتية ومؤسساتها السياسية والعسكرية والخدمية والتربوية وأحزابها وجمعياتها، وأنتجت نخباً في مختلف المجالات، وأسست حركتها الوطنية ـــ على تعثّرها وفشلها ـــ لا يمكن أن يكون كل ذلك قد حصل، في سياق «وظيفي». أما أن البنية الاجتماعية الأردنية «عشائرية»، فهي سمة المنطقة الحورانية ـــ المؤابية من بلاد الشام، وقد يعرقل ذلك، كما يفعل في أكثر من بلد عربي، اختراقها عالم الحداثة، لكنه لا يمنع، من حيث المبدأ، تكوّنها الوطني، ولا يمنع تبلورها الاجتماعي، ولا يحول، بالضرورة، دون قدرتها على الانخراط في دولة ينبع وجودها من ذاته. وإذا ما تتبعنا تاريخ الأردن الحديث، منذ العشرينيات، فسنجد أنه يمثل صراعاً مستمراً، حاداً أو خافتاً، بين المجتمع الساعي إلى بناء دولته الوطنية، وبين نظام وظّف الدعم الدولي والإقليمي له لتنفيذ مشاريع سياسية خاصة به، ولا تعكس مصالح الشعب الأردني ولا الدولة الأردنية. وأسوأ هذه المشاريع، وأدومها، وأكثرها ضرراً بالأردن والأردنيين، هو مشروع التوسع على حساب فلسطين وشعبها وهويتها. وفي سبيل هذا المشروع الوهمي، فقد سعت العائلة الهاشمية، تاريخياً، إلى التفاهم مع الحركة الصهيونية، وتمكنت من توسيع نطاق حكمها بإلحاق الضفة الغربية. وقد دفع الأردن، دولة وشعباً، ثمناً باهظاً جداً، جراء هذا المشروع، من صراعات وتعثر تنموي وتشقق ديموغرافي سياسي. وهو اليوم مهدد بنجاح مشروع الوطن البديل، بحيث يكون الأردنيون، الضحية رقم 2 على مذبح الصهيونية، بعد الشعب الفلسطيني نفسه.
القيام بالكشف عن هذا المشروع الهاشمي، في تاريخيته، ضروري، علمياً ونضالياً، ولكن المماهاة بينه وبين المشروع الوطني الأردني، لا يعدو كونه موقفاً عنصرياً معادياً لشعب بكامله. زياد منى ينظر إلى الأردنيين نظرة ازدراء وكراهية، محملاً إياهم كل ما فعله الهاشميون منذ الحسين بن علي، أي ما قبل مجيء الأمير عبد الله إلى الأردن. وبينما يلجأ، بصورة انتقائية، إلى التذكير بمساعي بعض شيوخ العشائر الأردنية للتعاون الاستثماري مع الوكالة اليهودية، وتأجيرها أراضي أردنية، فإنه يتجاهل، كلياً، المئات من شيوخ العشائر والمثقفين الأردنيين، الذين تصدوا، وخصوصاً منذ المؤتمر الوطني الأردني الأول العام 1928، للصهيونية. وبدلاً من أي يشير إلى النضال البطولي الذي خاضته جماهير شرق الأردن ضد التسلل الصهيوني إلى البلاد، ومنع بيع الأراضي للوكالة اليهودية، وخصوصاً مسعى الأمير عبد الله لتأجيرها غور كبد، فإنه يؤكد على دور الإنكليز في الحيلولة دون نجاح اليهود في التمدد إلى شرق الأردن! حتى إنه لم يفسر الموقف الإنكليزي ذاك، أقلّه بالسعي إلى الحفاظ على الهدوء، وعدم إثارة المعارضة في أرض ليست جزءاً من وعد بلفور.
طيب. لماذا يتجاهل زياد منى أسماء السماسرة الفلسطينيين الذين نشطوا في العشرينيات والثلاثينيات في شرق الأردن لحساب الوكالة اليهودية؟ ولماذا يتجاهل دور النخبة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي سهلت وأيدت وباركت عملية ضم الضفة الغربية للأردن، للحفاظ على امتيازاتها الاجتماعية والسياسية في «دولة الوحدة» على حساب المناضلين والفئات الشعبية التي تعرضت للسحق على جانبي النهر؟
يحب زياد منى أن يكرر القول إنه جرى فصل ما يسميه «عبر الأردن» عن فلسطين؛ لديه رغبة دفينة بالقول إن هذه أرض فلسطينية! صحراء فلسطين التي يسكنها بدو رحّل، لا شعب، مستعيداً السردية الصهيونية عن فلسطين، لا بل إنه يتوافق، كلياً، مع بنيامين نتنياهو، في كتابه «مكان تحت الشمس»، حين يؤكد أن تقسيم فلسطين حصل فعلاً، سنة 1921، بفصل «عبر الأردن» عن فلسطين غربيّ النهر!
يقول زياد منى «المنطلق السليم لأي نشاط وطني قومي في الأردن يكمن في اتحاده انصهارياً مع النضال الفلسطيني». ونطرح هنا الأسئلة الآتية:
ـــ لماذا يستخدم منى ـــ كما في كل كتاباته ـــ تعبير «في الأردن»، بينما يستخدم ياء النسبة في «فلسطيني». إنه ينظر إلى الأردن كجغرافيا لا كوطن، ويعترف بـ«وطنيين في الأردن»، وليس بـ«وطنيين أردنيين». ثم أي «نضال فلسطيني» ينبغي على «الوطنيين في الأردن» أن ينصهروا فيه؟ في فتح أم في حماس؟ ثم لماذا لا ينصهر الوطنيون الأردنيون في النضال السوري؟ سوريا هي الوطن الأم للكيانات الفلسطينية والأردنية واللبنانية؛ وهي مركز المقاومة في مواجهة إسرائيل والرجعية؛ أفلا يكون المنطق السليم أن ننصهر في المركز السوري جميعاً؟
لا أعرف من أين يأتي زياد منى بمعلوماته حول الوضع في الأردن، ليطالب بهذا المطلب المضحك: «منح الفلسطينيين حاملي التابعية الأردنية، حقوقهم المدنية كاملة من دون نقصان...» ولو! الفلسطينيون ـــ الأردنيون ـــ وهم يشكلون 43 بالمئة من الأردنيين ـــ مواطنون كاملو المواطنة. وهم لا يتمتعون فقط بحقوقهم المدنية الكاملة، بل بحقوقهم السياسية، بما في ذلك حصتهم من النيابة والوزارة ورئاسة الوزارة والوظائف العليا والأمن والاستخبارات والدرك والصحافة الخ وأزيدك علماً أنه، بسبب سياسة النظام القائمة على «أردنة الفلسطينيين»، فإن النخب الفلسطينية ـــ الأردنية تحظى بالامتيازات التي لا يحظى بها نظراؤهم الأردنيون. أم أنّ زياد منى يتحدث عن أكثر من مليون فلسطيني مقيم ـــ ليس من اللاجئين ولا النازحين ـــ وإنما من مواطني الضفة الغربية من المهاجرين الاقتصاديين. هؤلاء يتمتعون بالحقوق المدنية، وتطالب الولايات المتحدة بتجنيسهم كجزء من الحل النهائي، فهل يرى منى ما يراه الأميركيون؟

■ ■ ■
آن الأوان لكي نضع كل ذلك جانباً، ونخرج من لعبة القط والفأر الفلسطينية ـــ الأردنية، إلى أفق سياسي جديد، يقوم على بناء حركة تحرر وطني واحدة في المشرق العربي، تضم الوطنيين الفلسطينيين والأردنيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين، من دون تعصبات كيانية، ومن دون محاولات تسلّط أو إلغاء أو انصهار. ولا أريد، هنا، تكرار ما قلناه مراراً حول ضرورة وأولوية الحل المشرقي لأزمات التنمية والتقدم الاجتماعي والقدرة الدفاعية لكيانات المشرق العربي، بل أختصر الكلام حول الحل المشرقي الممكن لأزمة العلاقة الأردنية الفلسطينية، وأزمة الفلسطينيين، وأزمة النضال الفلسطيني بما هو حركة استرداد وحدة الشعب وتحرير الأرض وتفكيك الكيان الصهيوني.
أولاً، إن أفضل سياق ممكن لتنظيم العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، هو الاندماج في إطار أوسع هو الإطار المشرقي؛ فبينما تحمل الكونفدرالية الثنائية مخاطر التوطين السياسي والوطن البديل والاحتراب الأهلي في ظل الخضوع للهيمنة الإسرائيلية، تشكّل الكونفدرالية المشرقية، التي تعترف بفلسطين على الفور عضواً فيها، مجالاً سياسياً قومياً مشتركاً، يحافظ على هويتَي الشعبين الكيانية على أساس التعددية داخل الوحدة، وفي خندق معاد لإسرائيل.
ثانياً، الاعتراف، من دون الإضرار بأي مكتسبات قائمة، بجنسية فلسطينية موحدة للفلسطينيين، ومعاملتهم على السواء كمواطني الكونفدرالية المشرقية الآخرين، وانخراطهم في انتخابات مجلس وطني فلسطيني معتَرف به من قبل الكونفدرالية.
ثالثاً، قضية المقاومة هي قضية مشرقيّة، لا كيانية. والمقاومة، بكل أشكالها، هي الخيار الاستراتيجي لحركة التحرر المشرقية، سواء في مواجهة إسرائيل أو في مواجهة الرجعية العربية.
إن هذه الأهداف تشكل برنامجاً كفاحياً متعدد الأشكال والميادين، وتتداخل، في سياقه، مستويات كيانية وشعبية، دولتيّة وأهلية، دبلوماسية ودفاعية، تنموية وديموقراطية إلخ. وكل ذلك، يتطلب حواراً من نمط جديد، ورؤى إبداعية، وتعبئة فكرية وسياسية وجماهيرية، بالغة المشقة، وإنما لا مناص منها.