نغتنم ذكرى هزيمة حزيران 67 المروعة لننظر إلى بعض الأمور المتعلقة والناتجة عن النضال التحرري العربي عموماً، والفلسطيني خاصةً. من نتائج هذه الهزيمة انفراط عقد «مواجهة الصهيونية والإمبريالية العالمية والرجعية العربية» والتخلي عن هذا الشعار، الصحيح مفهوماً، لصالح «إزالة آثار العدوان» المرتكز على مبدأ التحالف مع الرجعية العربية تحت الشعار المسموم «التضامن العربي». وأيضاً تحوّل مركز الثقل في العالم العربي إلى أموال البترودولار الفاسدة والمفسدة الآتية من عاصمة المحور الرجعي التابع لواشنطن وسياساتها المعادية لتطلعاتنا المشروعة في استكمال التحرر الفكري والثقافي والاقتصادي والوطني والقومي وحتى الأممي، وفي مقدمتها استعادة الوطن الفلسطيني وعودة شعبه، وتأسيس دولته الوطنية على كامل ترابه.ومن الأمور الواجب تذكرها أن الاستعمار العالمي تمكّن، في لندن وواشنطن، من تسليم فلسطين إلى العصابات الصهيونية لم يكن ممكناً من دون المساهمة الفعّالة لـ«أنظمة سايكس ــ بيكو»، في العراق وسورية ولبنان وبقية مشيخات الخليج في جزيرة العرب بمن فيهم آل سعود، إضافةً إلى مصر الملكية. هذه حقيقة مثبتة وثائقياً ومنطقياً، فما يسمى «حرب فلسطين» لم تكن لمنع قيام كيان صهيوني، بل لتقاسم الأرض ومنع دحر العدو ومنع قيام دولة فلسطين. تلك الأنظمة مارست دورها في المؤامرة من منطلق كونها صهيونية عربية، وأدى كلّ من نظام عمان من بقايا «ذوي عون» في الأردن، والعراق الملكي، ومصر الملكية إضافةً إلى تونس والمغرب المحتلتين فرنسياً، دورها الخياني، إذ سهّلت تنفيذ مؤامرة تحويل فلسطين إلى كيان سياسي صهيوني وطرد أهلها وتحويلهم إلى لاجئين، حتى في وطنهم. (انظر مخيمات اللاجئين في شرقي فلسطين المسماة الضفة الغربية - لنهر الأردن، وبالتالي تابعة لإمارة شرق الأردن [الضفة الشرقية]، التي تدير شؤونها «شعبة الشرق الأدنى» في «قسم الشرق الأوسط» الواقع ضمن «دائرة غربي آسيا» في وزارة الداخلية (لا الخارجية) البريطانية).
هذا لم يتم فقط عبر المساهمة العسكرية في تقطيع أوصال الشعب الفلسطيني وبلاده ومسح اسم فلسطين من الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة، وإنما أيضاً في تسهيل طرد اليهود من أوطانهم خصوصاً في مصر والعراق واليمن وشمالي إفريقيا، وإجبارهم على الهجرة إلى كيان العدو الصهيوني، وبالتالي دعمه بشرياً، وسياسياً عبر كذبة «التبادل السكاني» (كما حصل مثلاً بين اليونان وتركيا عقب الحرب بين الطرفين).
تجلّت المؤامرة «الأنغلو - أعرابية» على فلسطين وشعبها في طمس اسم فلسطين، وتحميل أهلها مسؤولية ضياعها بالترويج لفكرة بيع الفلسطينيين لأرضهم. ولقد أدت هزيمة عام 67، ضمن أمور مروعة كثيرة، إلى طمس المسألة الفلسطينية وإخضاعها لسياسة «إزالة آثار العدوان»، والموافقة على قرار مجلس الأمن «رقم 242» الذي يزعم «حق كافة دول المنطقة في العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها». فلسطين التي ما كادت تحاول استعادة طبيعتها بتأسيس أحمد الشقيري ورفاقه لمنظمة التحرير، تحوّلت من منظور ذلك القرار إلى عنوان «حل عادل لمسألة اللاجئين». وقد سارعت مصر للاعتراف به لحل «أزمة الشرق الأوسط»، إضافةً إلى نظام عمّان، الذي وصف عبد الناصر حاكمه بـ«سليل الخيانة» و«الملك الزُّغيَّر»، إضافةً إلى قوله إن «جزمة عسكري مصري تساوي عرش آل سعود وعرش حسن بن زين».
سعي أحمد الشقيري إلى تأسيس منظمة التحرير لم يحظ بدعم عربي، وعارضه الرئيس جمال عبد الناصر بسبب استقلالية الرجل ورفضه قرارات قمة الخرطوم عام 67 المسماة «قمة اللاءات الثلاث: لا صلح، ولا تفاوض ولا اعتراف»، إذ اتهم الزعامات العرب بالتخلي عن فلسطين، واعتبر قراراتهم المعلنة تضليلية. وقد بيّن الشقيري أن مشكلته مع الأنظمة العربية تكمن في «الملوك والرؤساء العرب، الذين لا يمكنه العمل معهم، ولا يمكن العمل بدونهم».
يُذكر أن الأمر انتهى بإجبار الراحل أحمد الشقيري على الاستقالة التي قدمها بتاريخ 24/12/1967 إلى الشعب الفلسطيني وليس إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وما جرى من بعد سنتناوله بالتفصيل المختصر في حلقات قادمة.